يعيش أطر التوجيه والتخطيط التربوي بنيابة الصخيرات تمارة (أكاديمية
الرباط سلا زمور زعير) وضعا استثنائيا. فإلى جانب التهميش المطلق للعديد من الطاقات،
هناك الحيف في تقدير مجهوداتهم وعطاءاتهم المتميزة.
ويتجلى التهميش بالدرجة الأولى في عدم إشراكهم في تدبير المجال التربوي
ومواكبته، إلا في حالة اللجوء إليهم كإطفائيين (برنامج "مسار" إبان الاحتجاجات
التلاميذية بالمؤسسات التعليمية وبرنامج دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب PAGESM...). ومصدر
هذا التهميش بالأساس هو أولا غياب الإرادة في تجاوز الاختلالات القائمة عبر إشراك مختلف
الفاعلين والمهتمين، خاصة الجمعيات المهنية، وثانيا عدم وجود أوراش تربوية فعلية من
شأنها خلق الإشعاع المشرف وتحقيق النتائج المرضية والمردودية القوية. علما أن أطر التوجيه
والتخطيط التربوي بالنيابة (مستشارين ومفتشين) مافتئوا يؤكدون على استعدادهم للانخراط
في كل العمليات التربوية سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي أو حتى المركزي. وقد أبانوا
عن مؤهلات عالية في العديد من المناسبات، من بينها التكوينات التي شاركوا فيها والتدخلات
التي ساهموا فيها. ولا يخفى أن عدم إشراك هذه الطاقات يعتبر مؤشرا على ضعف تدبير الرأسمال
البشري وبالتالي تكريس نوع بائد من العلاقات قائم على معيار الانصياع وتطبيق التعليمات
والأوامر، بعيدا عن الأسس الديمقراطية وعن روح الاجتهاد والابتكار والتفاعل الإيجابي
مع المستجدات والمتغيرات السريعة التي يعرفها الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي
ببلادنا. وقد ترتب عن ذلك كله ارتباك غير مفهوم ووضع غير منصف وغير عادل فيما يتعلق
ببعض المستحقات، من بينها تعويضات ملاحظة البكاولوريا وتعويضات أخرى عن المهام الإضافية...
ويعود جذر هذه المعضلة الى كون جل، إذا لم نقل كل النيابات الإقليمية
لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وكذلك الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين،
تشتغل بدون بوصلة تربوية معلنة ودقيقة (بدون خطة، بدون استراتيجية...)، والتي من المفروض
أن تكون (في بلد ديمقراطي) مستمدة من التصور السياسي للحزب المسؤول عن القطاع في إطار
الانسجام الحكومي العام، كآلية أو وثيقة تعاقدية تقوم عليها المحاسبة. وأصل المشكل
ببلادنا هو أن المسؤول الحزبي بأي قطاع لا يملك تصورا للقطاع الذي يديره ويشرف عليه.
والأخطر حتى في حالة وجود هذا التصور أو ما يشبهه لدى حزب من الأحزاب، فليس لديه ما
يكفي من الطاقات والصلاحية أو السلطة الدستورية، ولا حتى الجرأة، لاعتماده أو تطبيقه.
وحتى "التصورات" المقدمة من طرف مديري/مديرات الأكاديميات والنواب/النائبات
إبان ترشيحاتهم /هن، لا يمكن إلا أن يطويها النسيان وأن تتلاشى على رفوف المكاتب. ومن
بين ما يفضح هذه الحقيقة المرة، التنقيلات العشوائية في صفوف النواب والنائبات ومديري
ومديرات الأكاديميات، حتى ولو بقي في عمرهم/هن المهني سنة واحدة أو سنتين!! دون نسيان
التبعات الخطيرة إبان الاختيار والتعيين للولاء السياسي الذي يطعن في الصميم عناصر
الكفاءة والمصداقية والاجتهاد..
وهنا يكمن عمق الإشكال السياسي ببلادنا، حيث يصير المسؤول الحكومي
(الوزير) موظفا "ساميا" يدبر سياسة تعليمية طبقية مملاة ومسطرة قبلا، وبما
يضمن استمرارية (إعادة إنتاج) نفس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويحافظ
على الأهداف التي تخدم النظام السياسي القائم، ولو تكن "مناقضة" لتوجهات
الحزب. علما أن توجهات الأحزاب المنخرطة في "اللعبة السياسية" نادرا ما تكون
غير منسجمة مع توجه النظام القائم، حيث يتم اختيارها على هذا الأساس بالضبط (عامل الانسجام
والقدرة على الطاعة والتنفيذ). وما بالك إذا كان الوزير واحدا من وزراء "السيادة"؟!
كما أن الحديث عن غياب بوصلة تربوية لدى الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية لا
يعني الارتماء في المجهول. إن المقصود هو التغييب/الإخفاء المقصود لهذه البوصلة واعتماد
العموميات والارتجال والعشوائية "المنظمين"، وبالتالي فتح المجال أمام التعليمات
(الشفهية في جزء كبير منها) والتدبير التقني اللحظي للشأن التربوي والإداري بغاية التحكم
في مداخله ومخارجه، بعيدا عن أي التزامات مسؤولة وشفافة من شأنها فتح مجال التقويم
والمحاسبة (ربط المسؤولية بالمحاسبة). ويبقى الجوهر الذي يفرض تسييده مستمدا من التعليمات
المباشرة وغير المباشرة للمؤسسات المالية الأجنبية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...).
وهو ما تجسد بشكل بديع في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفي نسخته المحينة البرنامج
الاستعجالي (2009-2012)، الخلفية غير المعلنة والموجهة للسياسة التعليمية بالمغرب.
إن النيابات الإقليمية تسهر فقط على (تتخبط في) تدبير المشاكل الإدارية
التقنية وبعقلية أمنية تحكمية (المقاربة الأمنية)، خاصة بعد تجريدها من "إصلاح"
الى آخر، من العديد من الصلاحيات والإمكانيات لفائدة السلطات الجهوية والمركزية. وتقوم
في أحسن الأحوال بدور ساعي البريد في علاقتها المكوكية بالأكاديميات من جهة، وبالمؤسسات
التعليمية من جهة أخرى، سواء من خلال المراسلات (المذكرات) أو اللقاءات (الاجتماعات)
الماراطونية الروتينية. ولأن المشاكل الإدارية التقنية لا تنتهي وكذلك البروتوكولات
الرسمية (العلاقة مع السلطة بالخصوص)، فلا مجال للحديث عن البحوث والدراسات والمناظرات
والتكوينات واللقاءات التواصلية (...). ولا مجال للحديث أيضا عن البرمجة والتشخيص والمتابعة
والتقويم.. وقد يتساءل العديد من نساء ورجال التربية والتكوين عن أشياء كثيرة، وفي
مقدمتها مآل بيداغوجية الإدماج (Xavier ROEGIERS) وعن الدفتر
السحري "دفتر التتبع الفردي للتلميذ" وعن مصير الغلاف المالي الذي رصد لهما!!
ومن حقهم/هن ذلك، فما هو يا ترى جواب مسؤولينا المحترمين؟!!
إن الجواب "الضمني" الدائم هو: سواء نجحت المشاريع والبرامج
والمخططات، أو فشلت، لا يهم، مادامت الأغلفة المالية صرفت والشعارات رفعت (محاربة الأمية،
محاربة الهدر المدرسي، محاربة الفشل، مدرسة النجاح، الانفتاح على سوق الشغل، إعمال
التكنولوجيا...)، وما دامت قوات القمع حاضرة ومجندة باستمرار أمام البرلمان وأمام المؤسسات
وبالشارع، وما دامت الأمور مستمرة بحسنها وسيئها و"العام زين"... إن الجواب
هو "لا يهم" رغم تباكي "الحاقدين" (الكوانب من المثقفين والباحثين
و"المناضلين" السياسيين والنقابيين...) ورغم الترتيب المذل لمنظومتنا على
الصعيد الدولي ورغم جيوش المعطلين/ات ورغم الترتيب الأخير في سلم "التنمية البشرية"
(التقرير الصادر برسم سنة 2014 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- شهد شاهد من أهلها/حلفائها-
في طوكيو الذي صنف المغرب في المرتبة 129، وراء كل من سوريا –الرتبة 118- والعراق
–الرتبة 120-...)!
ويبقى الثقل، كل الثقل على كاهل المؤسسات التعليمية، في شخص الأطر
الإدارية (الإدارة التربوية) والأطر التربوية وعلاقتها بشركائها ومحيطها (المجتمع المدني،
وخاصة جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ والجمعيات المهنية...)، أخذا
بعين الاعتبار التفاوت القائم في المجالين العمومي والخصوصي وفي الوسطين الحضري والقروي.
ولا يخفى أن النتائج المحصلة، سواء كانت إيجابية أم سلبية، فهي نتيجة للمجهودات المبذولة،
الموفقة أو غير الموفقة، من طرف المؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية (إعدادي/تأهيلي)،
بأطرها الإدارية والتربوية وتلامذتها وشركائها. وحتى الأنشطة المنظمة على صعيد النيابات
الإقليمية، وحتى على الصعيد الجهوي والمركزي، تكون من إنتاج وتنظيم المؤسسات التعليمية
(بأطرها الإدارية والتربوية وبتلامذتها وشركائها). وفي أغلب الأحيان، تمر هذه الأنشطة
التربوية والثقافية، وخاصة الجادة منها، في صمت وفي ظل التهميش والمعاناة، بعيدا عن
الاعتراف والتقدير وفي غياب الدعم المادي والمعنوي، في الوقت الذي يهدر فيه المال العام
بدون حسيب ولا رقيب في حفلات الميوعة والابتذال. وإذا كانت الحال هكذا بالوسط الحضري،
فما بالك بما هي الحال عليه بالوسط القروي!!؟ علما أن أي ورطة أو فضيحة في المجال تحسب
على المؤسسات التعليمية، بأطرها الإدارية والتربوية بالدرجة الأولى )مع التوظيف الخبيث
للإعلام ولوسائل الإعلام المملوك).
ويلاحظ باستمرار الإصرار المسبق على إقصاء الطاقات التربوية التي
قد تفرض بتدخلاتها الهادفة ومقارباتها التربوية البديلة مسارا منتجا جديدا، وتفضح التجاوزات
المتفشية في المنظومة التربوية، آخرها طمس الاختلالات المالية والإدارية التي رافقت
البرنامج الاستعجالي والسكوت عنها (لا أثر حتى الآن للافتحاص -- audit، سواء المالي أو الإداري)!!، وإبعادها بشتى الطرق عن المواكبة القريبة
لمجريات الشأن التربوي والصفقات المرتبطة به (التجهيزات، البنايات...)، وبالتالي
"سجنها" في الهامش وفي أحسن الأحوال إرهاقها بمتابعة الجوانب الإدارية التقنية
أو توريطها في صراعات شخصية تافهة. ومن بين الطاقات التربوية ضحية هذا السلوك الإقصائي
واللاتربوي العديد من المديرين/ات والأساتذة والأستاذات والمفتشين/ات وفي كل التخصصات،
وهو سلوك بعيد عن مقاربات الإشراك والتشارك والتواصل والإنصات والتفاعل، المبنية على
ثنائية الحق والواجب... وقد ساهم التردي السياسي بشكل عام والتشتت النقابي بشكل خاص،
بل والتواطؤ السياسي والنقابي معا، في تعميق هذا المنحى البعيد عن خدمة حقل التربية
والتكوين لما فيه مصلحة مجتمعنا وبنات وأبناء أوسع جماهير شعبنا...
وربما الشعار "الحكيم" لنياباتنا الإقليمية المستنبط من
رؤية الوزارة/الحكومة والمكرس للإفلات من العقاب (عفا الله عما سلف) هو: "كم حاجة
قضيناها بتركها"!! ولنا أن نتدبر وأن نستوعب هذه الحال المأساوية في زمن
"الثورات وانتفاضات الشعوب" من الخليج الى المحيط ومن المحيط الى الخليج...
27 يوليوز 2014
المغرب
شارك هذا الموضوع على: ↓