بالمغرب، الوزراء
(الخدام الأوفياء، من طينة ما يسمى ب"الموظفين السامين") حتما ذاهبون فرادى
أو جماعات، ليحل محلهم، قبل أو بعد لعبة
الصناديق ومناورات "التعديلات الحكومية"،
كراكيز وكائنات أخرى تلعب دور المطهر والإطفائي والبهلوان، وذلك بعد الجهد الجهيد لخبراء
التنظيف والتزيين والتجميل ومصممي الديكور السياسي، المحليين والدوليين، لخدمة الأسياد
والطواغيت. ويبقى النظام القائم هو النظام القائم. وتحت السلطة المطلقة للقصر وديكتاتوريته
البشعة تسطر الأهداف وترسم التوجهات ويحدد الإطار العام لعمل الحكومة وحدود تدخل الوزراء
(جماعة من "الموظفين السامين") والمؤسسات الرسمية الشكلية. فلا شيء خارج
"الإرادة الملكية" و"التوجيهات/التوجهات الملكية"، كما لا رحمة
من أي "غضبة ملكية". وهذه الثنائية، الإرادة والغضبة، تصنعان قانونا أسمى،
ليس فوقه قانون ولا دستور، بل القوانين والدساتير وما يسمى بالإصلاح السياسي والديني
والثقافي والتعليمي والفلاحي والحزبي (و...) في البر والبحر والجو وتحت الأرض... كلها
قضايا تحت رحمته. وبراعة الفوز برضاه المتنافس عليه، من طرف الدكاكين السياسية، هي
في القدرة على قراءة الإشارات الصادرة من قصوره، وعليها وفي حدودها فليتنافس المتنافسون.
فلتتنافس الحكومة على تسويق الوهم والأحلام الوردية الجميلة والجنة فوق أرض اسمها المغرب
ولشعارات طنانة من الممكن منها وحتي المستحيل، والمعارضة الحزبية الشرعية ودروعها النقابية
أن تمارس حقها في السًباب في الحكومات والوزارات وأن تكون حريصة على واجب نسف كل فعل
سياسي في الشوارع وتفريغه من كل بعد ثوري، وهذا واجبهم وأساس وجودهم الشرعي ككل. وهو
واجب الدفاع عن دولة الكمبرادور والملاكيين العقاريين الكبار والجنرالات، أي الدفاع
عن تحالف أقلية فاسدة تحتكر وتنهب كل ثروات الشعب وتسرق قوته وعرق جبينه ولا علاقة
لها بالوطنية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتعمل على إنقاذ رأسمالهم الفاسد من أزماته
وخدمة علاقاته المتينة والمندمجة بالامبريالية. ولم يعد أي داع للتساؤل عن وعود حكومة
أعيت مسامع الشعب بوعود الدفاع عن مصالحه وعن الفقراء وعن محاربة الفساد واقتصاد الريع،
ولا وعود الإنشاءات الحكومية مع كل تصريح، كما لسنا في حاجة لتبيان كيف تمتص الرزق
والثروة من جيوب وأفواه ودماء الكادحين وتستقوي بالطبقة الكومبرادوية وكبار الملاكين
العقاريين ومافيا الريع والامتيازات تحت مبرر أن الرأسمال هو الذي يخلق الثروة، أو
قل يحمي الكراسي. وهذا ما تعكسه التشريعات المالية ومراسيم القوانين والاتفاقات الموقعة
في الداخل والخارج في كل سنة.
وانطلاقا من مخططات
التشريع المالي لسنة 2015 يتضح بالملموس أن القادم أسوء بكثير وأن الانكماش وتراجع
الموارد الضريبية في السنوات المتتالية والناتج بالدرجة الأولى عن التراجع الفظيع للقدرة
الاستهلاكية للجماهير الكادحة بحكم مخططات التفقير الممنهجة والتدمير المستهدف للإنتاج
الصغير وتعريض شغيلتها للبطالة والتشريد، وهذا الخلل لا يمكن تعليق حلوله سوى على الأسوار
القصيرة بالمزيد من الإجهاز على القدرة الشرائية للجماهير الشعبية وامتصاص دمائها كمعبر
لحل أزمات العجز المزمن في الميزانية الذي تحدثه مصالح الكمبرادور في ارتباطه بالرأسمال
الإمبريالي وذلك من خلال تشريع ضريبي جهنمي يعتمد الرفع من الضريبة على القيمة المضافة
للمواد الأساسية، والتي يؤديها المستهلك، من 10% إلى 20% (مثل العجائن والطحين والروز
والشاي وأداءات الطرق السيارة..) وتوسيع الوعاء الضريبي بإلغاء الإعفاء وتطبيق نسبة
10% (قروض السكن الاجتماعي..) والتراجع الخطير على صندوق المقاصة وعلى تدعيم الخدمات
الأساسية (الماء والكهرباء بعد الرفع من أسعارها..) تحت مبرر أن الأسر الغنية هي المستفيدة
من الدعم كحق يراد به الإجرام في حق الشعب في وقت تم التصويت من طرف بهلوانات الأغلبية
الكاريكاتورية بالبرلمان ضد الضريبة على المواد التكميلية المخصصة للترفيه. ولم تقتصر
الزيادات على المستهلك بل شملت أيضا ميزانية بلاط الملك والداخلية والجيش، لكن ليس
عليها بل فيها، والتي تنال الإجماع ممن يسمون بممثلي الأمة، مع هدية لكبار رأس المال
المحترفين في التملص الضريبي بتشريع الإعفاء للمقاولات من الضرائب على الوظائف الجديدة
بذريعة تحفيزها على التشغيل/الاستغلال والنهب، والتشبث بتشجيع الاستثمارات الأجنبية
في ميدان الصناعات التركيبية (السيارت والطائرات) وتوجيه السياسة الصناعية نحو التصدير،
والتي ما هي سوى رهن خيرات البلاد لمتطلبات القوى الاستعمارية والطبقة العاملة للاستغلال
البخيس من طرف الرأسمال العابر للقارات في استجابة لمخططات وإملاءات مراكز التمويل
الدولية لخدمة الامبريالية ووكلائها المحليين من كمبرادور وملاكين عقاريين كبار والقادة
العسكريين وتعميق نظام التبعية. لأن الإمبريالية في حاجة الى أسواق لبضائعها وسلعها
والى يد عاملة رخيصة والى نهب المواد الأولية وثروات الشعوب. وهذا المسار ليس بغريب،
بل دوما هكذا كانت حكومات الكمبرادور بعباءاتها المختلفة اليمينية و"اليسارية"
والتيكنقراطية، دائما لا يهمها سوى خدمة مصالح الكبار والسجود أمام أعتابهم تأمينا
لمستقبلها السياسي، وتحمل أزماتها وإخفاقاتها وفشلها للجماهير الشعبية وتحديدا للأجير
والمستهلك ولا تهمهم سوى الطرق الأنسب، للكبار وناهبي الشعوب، لجني الأرباح، وتغليط
الشعب بالأرقام والوعود الجميلة ليستفيق بعدها، كل سنة، ويجد نفسه في منحدرات البؤس
والاستغلال الأكثر خطورة من سابقيه في منعطف يتميز بفتح كل المسالك للرأسمال بالهجوم
على ما تبقى من خدمات التعليم والصحة والتغدية والسكن والشغل. فهكذا تشرع حكومة الكومبرادور
ديموقراطية النسف والإجهاز على كل الحقوق والمكتسبات والخدمات، ديموقراطية التجويع
والتشريد والبطالة، ديموقراطية القتل الممنهج بدماء باردة، ديموقراطية الجريمة. وهذه
الديموقراطية لن تصمد أمام البطون الجائعة لشعب له رصيد نضالي مهم تشهد له انتفاضاته
البطولية ومواجهاته بالصدور العارية للأسلحة الفتاكة للنظام اللاوطني اللاديمقراطي
اللاشعبي.
إن النظام وحلفاءه
يعرفون خطورة الوضع ويعرفون أن مصالحهم تكون مهددة فعلا وأكثر مع أي إفراز لقوة مناضلة
منظمة ومنسجمة ولها امتداد وسط المقهورين والمستغلين، ولهذا فالنظام لا يتردد في تجنيد
قواه وفي حشد القوى السياسية المتخاذلة والبيروقراطيات النقابية وأبطال الهزائم للعب
أدوارهم والدفع بالصراع الى حيث يريدون، وحيث يستفيدون، صراع يفجر فيه الغضب بعيدا
عن الهم الحقيقي لمصالح الجماهير المضطهدة ولفائدة الأعداء الطبقيين، وتطويق أي مبادرة
جادة تتقدم على الأرض، وفي نفس الآن تشريع لترسانة من القوانين تجرم وتحظر النضال وتستهدف
الحركات المناضلة ( قانون يقضي بتتميم مجموعة القانون الجنائي يتعلق بمحاربة العنف
بالجامعات والمؤسسات التعليمية والأحياء الجامعية/الحظر القانوني) وتحويل الجماهير
الشعبية إلى رهائن تحت رحمة الجنرالات وقيادتهم العليا، وإدخال البلد في حالة استثناء
غير معلن عنه، من خلال إنزال الجيش الى الشوارع باسم خطة "حذر" (نزول الجيش
الى الشوارع بقرار من القصر تحت غطاء بعبع التهديدات الإرهابية) تحسبا لأي اندفاع أو
غضب شعبي تفرزه الوضعية الصعبة والحرجة للحياة المعيشية الكارثية لجماهيرنا الكادحة.
فما المنتظر من هذا
الوضع؟ ماذا يمكن أن يحدث في وضع كهذا؟ على أي احتمال هو مفتوح؟ وما موقع المركزيات
النقابية البيروقراطية من هذا الوضع؟ إن المركزيات النقابية أثبتت أنها جزء من النظام
وأنها شريك في اللعبة وفي الإجرام وفي ما آلت إليه أوضاع شعبنا وأنها القوة الاحتياطية
للنظام لإخماد نضالات الشعب وتكسيرها. لذا، هل الجماهير الشعبية ستبقى خانعة وخاضعة
أمام الظروف الصعبة المدفوعة إليها؟ وماذا ينتظر في الأفق في وقت صارت الجماهير الشعبية
مقتنعة بإفلاس الخطاب السياسي وافتقاده لأي مصداقية، وأكثر من ذلك أن جل "القادة"
و"الرموز" السياسية والنقابية والثقافية سماسرة وتجار المآسي والمضاربات
والمناسبات الخادعة (محطة "المنتدى العالمي لقتل حقوق الإنسان"...)؟ وتقاسم
الغنائم/الفتات المتساقط من لصوص البلد بين المرتزقة من السياسيين والنقابيين وأشباه
المثقفين، بعد كل عملية نسف للنضالات الجماهيرية وذبحها، أو ركوبها وتحويل تضحياتها
الى أرصدة بنكية، عمليات وممارسات صارت مفضوحة.. إن التخطيط والتنفيذ لأجندة العدو
الطبقي وخدمة استراتيجية بقاء وحماية النظام من الانهيار هي المهمة الأولى والهاجس
الأول الذي تشتغل عليه قوى الذل والخيانة وقيادات أدرعها النقابية وجمعياتها الطفيلية.
لذا كيف ستخوض الجماهير الشعبية المعركة، القادمة لا محالة، والتي تؤسس لها يوما عن
آخر التراكمات النضالية العفوية والمنظمة المدفوعة لها بالأزمات الناتجة عن مخططات
الأعداء، بدون ميزات تؤهلها لمواجهة نظام متحالف مع الإمبريالية والصهيونية والأنظمة
الرجعية ويسيطر على الأجهزة القمعية وله إيديولوجيا منسجمة تعكس أحلامه وطموحاته المستقبلية
وتطلعات القوى الظلامية العميلة. ويسيطر على قنوات ومؤسسات تصريفها الإعلامية والقمعية
والإيديولوجية؟ وكيف ستخوض الصراع دون وعي طبقي يعكس مصالحها وأهدافها المنسجمة ودون
تنظيم قواها ودون أدواتها السياسية؟ وفي نفس الآن نتساءل عن من له المصلحة في استمرار
الجماهير الشعبية وتحديدا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في اجترار الإيديولوجية
السائدة لتفسر بها آلامها وعذاباتها.. وفي أقصى تقدير انخراطها في معارك خاسرة وغير
مفيدة وتخدم أعداءها؟ وأي دور لحاملي الشعارات الثورية أمام هذا الوضع إذا كانوا فعلا
مسؤولين ومعنيين بما يجري على الأرض ومرتبطين بالحركات الجماهيرية ومنسجمين مع أهدافها؟
إن كل الحقائق الموضوعية القائمة على الأرض تنذر بأنه لا خيار أمام المناضلين عن بناء
الأداة السياسية المعبر عن مصالح الطبقة العاملة، بمعنى أنه ليس أمام المناضلين الجذريين
أي خيار غير مواصلة العمل على بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة ولحلفائها الموضوعيين،
الأداة السياسية المستقلة عن رأس المال وتجار المآسي والمتخاذلين، ومحترفي المساومات
والمتماهين مع كل ضجيج في مسار المقاومة لطاحونة الصراع وإعصاره، دون أي انسياق مع
المزايدات الكلامية ، وخيانة المشروع الماركسي اللينيني، والوجدان العلمي، والتهافت
خلف شعبوية مريضة وسهلة (مثل الانجرار وراء ضجيج البيروقراطيات النقابية والانتهازية
السياسية )..
فقولنا الآن: وبعد
دق آخر مسمار في نعش ما سمي "بالربيع العربي" (خاصة تجربتي مصر وتونس)، حتما
ستأتي مرحلة ومنعطفات في الصراع الطبقي يكون فيها لجد اللحظة تأثير أعظم على تاريخ
بلادنا، ويكتب التاريخ من تساقط وتهاوى قبل حدوثها، ومن كان يناشد الجموع للخلف والتوقف
تحت ذريعة جمل ثورية وتجارب سياسية أسست في سياقات تاريخية أخرى وقديمة بدل الفعل والبناء
في المسار الواقعي المعيش.. ومن كان يقدم مبادرات وممارسات ومواقف وأجوبة في صراع،
وانصهار، في الواقع الحي، ومقاومة كل مشاقه وتناقضاته وصفعاته..بالإمكانيات البسيطة
والمتواضعة، من موقع أكثر وضوحا، ويدفع به إلى الأمام تحت النيران
العدوة و"الصديقة".
تيار البديل الجذري
المغربي
C.A.RA.M
2 دجنبر 2014
شارك هذا الموضوع على: ↓