للتنديد بالهجوم الإرهابي على الصحيفة الساخرة "شارلي إيبدو"، وأثارني كثيرا كيف تعامل هذا الصحافي "الكبير" مع موضوع الانسحاب من المسيرة.
فكيف
لصحفي "مرموق"
مثل
عبد الباري عطوان أن يطلق العنان لقلمه
للكتابة بدون تبصر أو تفكير في الخدمة
الجليلة التي يقدمها للنظام القائم
بالمغرب ضاربا عرض الحائط حقائق الماضي
والحاضر؟ فهل نسي أم تناسى وتغاضى عن ذلك
السيد عبد الباري عطوان، الفلسطيني
المدافع "الشرس"
عن
فلسطين، الذي لا يتجادل طرفان في كونه
أحد أكبر المطلعين والعارفين بما تعرض
له الفلسطينيون من جرائم على يد الكيان
الصهيوني بتواطؤ مكشوف من طرف الأنظمة
الرجعية التي يسميها السيد عطوان
بــ"العربية"
ومن
ضمنها النظام القائم بالمغرب؟..
لا
داعي أن نذكر بالدور البارز الذي قام به
ويقوم به النظام القائم بالمغرب من عمالة
ومن توفير المناخ السياسي والإمكانيات
الاقتصادية الكبيرة (التطبيع
على أكثر من مستوى وارتفاع نسبة التبادل
التجاري بين المغرب والكيان الصهيوني
بشكل مهول خلال السنتين الأخيرتين مثلا)
للكيان
الصهيوني لتنفيذ جرائمه في حق الشعب
الفلسطيني، فالتاريخ والحاضر شاهدان
قويان ومزعجان في هذا الصدد.
"
… ولماذا
نشكر وزير خارجية المغرب الذي قاطع مهرجان
النفاق العربي هذا؟"
{مقطف
من مقال عبد الباري عطوان}...
فبما
نسمي هذا الذي يمارس بالقلم الصحفي
البارز إن لم نسميه نفاقا وأكبر خداع
للشعوب؟ فهل المطلوب هو تقديم النقط
للعملاء وخدام المستعمرين وتجميل صورهم
وتطهيرهم وتسهيل مأمورية حساباتهم للتلاعب
بوعي الشعوب أم المطلوب هو كشف حسابات
أعداء الشعوب؟..
ألم
ينتبه الصحافي "المحترم"
إلى
أن انسحاب الوزير مزوار من المسيرة كان
بـ"سبب"
"...رفع
رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول..."،
حسب بلاغ وزارة خارجية المغرب، ولم يكن
(الانسحاب)
من
أجل سواد عيون الشعب الفلسطيني أو الشعب
العراقي أو الشعب السوري أو الشعب
المغربي...،
ولم يكن بسبب مشاركة الصهيوني المجرم
ناتنياهو في المسيرة؟ ثم هل نسي عطوان أم
تناسى أن النظام القائم بالمغرب مشارك
في التحالف الدولي في مهرجان القتل
والتدمير في سوريا والعراق تحت غطاء
محاربة "داعش"،
بينما القصف يستهدف المدنيين (مسلمين
وغيرهم)
أكثر
مما يستهدف "الدواعش"؟
ألا يعتبر ما كتبه "صديقنا"
الصحافي
خدمة كبيرة يعمل من خلالها على تجميل وجه
النظام البشع، ونحن على أبواب ذكرى
الشهيدين زبيدة خليفة والأجروي عادل
الذين سالت دماؤهما من أجل فلسطين، وتبرئة
ذمته من المجازر المرتكبة في حق الشعوب
أمام الرأي العام الوطني والإقليمي
والدولي (كتابات
عبد الباري عطوان لها قراء كثر وطنيا وفي
المنطقة على الخصوص)؟..
وما
على القارئ إلا أن يرى كيف انتشرت مقالة
عبد الباري عطوان كالنار في الهشيم وكيف
تلقفتها الصحافة الالكترونية والمكتوبة
وجعلت منها مادة دسمة في الدعاية للانسحاب
ومحاولة إظهار النظام على غير حقيقته
الهمجية.
وأعود
لأقول أن انسحاب وزير الخارجية كان محددا
مسبقا بناء على حسابات سياسية قديمة/جديدة
(حكاية
الحموشي والعلاقة مع الجزائر..
وهي
الحسابات التي لم ترتب بعد بين الطرفين..)،
وبعيدة كل البعد على أن يكون الهدف منها
الدفاع عن رسول الإسلام ومشاعر المسلمين.
فاللعب
على الوتر الحساس (الدين)
أصبحت
أكثر رواجا في الحقبة الحالية، فيكفي أن
تُنشر صورا كاريكاتورية أو تصريحات تنتقد
هذا الدين أو ذاك، خصوصا الإسلام، حتى
تقوم الأنظمة بتهييج الرأي العام وإقحام
الشعوب في اللعبة ودفعها لانتاج ردود
الأفعال كالخروج للتظاهر في مسيرات غضب
المُتحكم فيه عبر عواصم المنطقة وينبري
خلالها رجال الدين والكتاب والصحفيون
والسياسيون المنافقون وو… للنفخ في
الأحداث والدعاية لما هو سائد وتزييف وعي
الناس بطبيعة الأحداث الجارية والوقائع
المرتبطة بها، لدرجة أن الدول تستطيع
إبان ذلك الزيادة في الأسعار أو تمرير
قانون أو قرار سياسي ما، لا يمت لمصالح
الشعوب بصلة ومتناقض معها تماما، وتبقى
هذه الأخيرة غير مكترثة لأنها منهمكة في
التعبير عن مشاعرها الدينية المزيفة
تاركة المجال للأغنياء لينعموا بالخيرات
المادية ويجنون ثمار سياسة الخداع والتخدير
والتدجين...
لست
هنا بصدد نقاش علاقة الدين بالسياسة،
فهذا الموضوع قد حسمته تطورات الصراع في
القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة،
ولنا في أحداث 11
سبتمبر
2001
وما
تلاها العبرة والدروس، منها أن الدين ليس
-في
الوقت المعاصر-
سوى
أداة "سحرية"،
داخل منظومة إيديولوجية ضخمة، يمتلكها
المتحكمون في مصائر الأمم ويوظفونها في
قلب وتزوير الحقائق لخداع الناس متى تطلبت
مصالح الطغاة ذلك، فكارل ماركس مثلا لم
يخطئ البتة حين قال أن "الدين
أفيون الشعوب"
بالمعنى
العميق والعلمي لهذا التعبير وليس كما
يريد أعداء التحرر والثورة أن يفسروه،
ونحن الآن نعيش تجليا واضحا لهذه الحقيقة
التاريخية.
وليس
من الصواب أن نوضح لأناس من أمثال عبد
الباري عطوان ذلك، فقد عايشنا ونعايش
التجلي العملي لما قاله ماركس في القرن
التاسع عشر.
********
إن
ما يدعو إلى الاشمئزاز هو أن يصاب كتابـ"نا"
وصحفيو"نا"
"العرب"
بخيبة
الأمل والشعور بالإحباط ويبدؤوا في البحث
عن "النقطة
المضيئة"
حتى
ولو انبثقت عن أنظمة هي في الحقيقة عدوة
الشعوب، ونقطتها "المضيئة"
هذه
ليست إلا حيلة مفضوحة لاستمالة الرأي
العام وتوظيف ذلك في ربح النقاط في حلبة
الصراع على ثروات الشعوب… في حين من
الأجدر البحث عن الضوء في ما قدمته وتقدمه
الشعوب من تضحيات لا تعد ولا تحصى، ولنا
المثال الحي في تاريخنا الحالي في المد
الثوري الذي عم المنطقة بأكملها وامتدت
تأثيراته إلى باقي المعمور وأعادت رسم
معالم الطريق التي لن تكون، بكل تأكيد،
إلا طريق الثورة، وما "داعش"
ومشتقاتها
وكل الأحداث المؤسفة التي أعقبت النهوض
الثوري وصولا إلى الأحداث الأخيرة بفرنسا
(مذبحة
شارلي إيبدو وما تلاها)
ليست
سوى سياسة امبريالية صهيونية رجعية لوأد
وقتل روح الثورة والتمرد في نفوس المظلومين
والمضطهدين...
وما
يثير الاشمئزاز أكثر، هو فقدانهم الثقة
في الشعوب، وقدرتها الجبارة على التغيير،
وانتهاجهم أسلوب النفاق والترنح بين
مغازلة هذا النظام أو ذاك تارة، والانتقال
لانتقاده، مع مرور الزمن وتغير الشروط،
تارة أخرى، في إطار لعبة البحث عن الاحتضان
بالتبني، وهو ما يفسر الوضعية المتذبذبة
التي يعيشها المثقفون البرجوازيون.
لا
أنكر أن بعض كتابات عبد الباري عطوان تتسم
ببعض الجرأة في انتقاد الأنظمة بالمنطقة
العربية والمغاربية وتأتي بمعطيات
و"حقائق"
قلما
نجدها عند باقي الصحافيين والكتاب
"المرموقين"
في
زمن لا تُعطى فيه أسرار المطبخ السياسي
العالمي والإقليمي لمن هب ودب، وإنما لمن
هم مستعدون لخدمة مشروع رؤساء هذا المطبخ
والباقي يحصل عليها بطرق أخرى بفضل علاقاته
أو عن طريق "الاختراق
الالكتروني"،
لكن هذه الجرأة تبقى غير ذات جدوى وسطحية
وبعيدة كل البعد عن قول الحقيقة كاملة
وبوضوح ما لم ترتبط ارتباطا وثيقا وصريحا
بمصالح الشعوب وطموحها في التحرر والانعتاق…
ورغم ذلك فإن تطورات الصراع الطبقي ونضالات
وثورات الشعوب في العالم لها الفضل الكبير
والأولوية في كشف حقيقة ما يجري في الواقع
وتحديد مستقبله ولن تنفع كل خدع ومؤامرات
الامبريالية العالمية والأنظمة العميلة
لها، بكل وسائلها العسكرية والسياسية
والاقتصادية والاديولوجية، في وقف مسيرة
الشعوب نحور الخلاص والتحرر.
14
يناير
2015
شارك هذا الموضوع على: ↓