في أجواء ذكرى مجيدة، من حجم كمونة باريس 1871، ننشر العمل التالي الذي يضعنا في صورة الحدث التاريخي، والذي يحملنا مسؤولية الاجتهاد والإبداع
لمواصلة المشوار، على المستويين النظري والعملي.. إنها ساعة الجد، ساعة الحقيقة.. كفى من إطلاق الكلام على عواهنه.. كفى من رفع الشعارات وترديدها، لإرضاء الذات والتكفير عن "ذنب"، بل عن جريمة الانزواء في الأبراج العاجية.. الشعب المغربي البطل ينتظر انخراطنا الميداني في معاركه، وكذلك الطبقة العاملة، أيها الماركسيون اللينينيون.. إنه التاريخ الذي يسجل ما لنا وما علينا.. لنتوحد من أجل خدمة شعبنا، خدمة قضية الطبقة العاملة..
كومونة باريس سنة 1871
1- ما هو وجه البطولة في محاولة أصحاب الكومونة؟
من المعروف أن ماركس قد حذر عمال باريس في خريف سنة 1870 قبل الكومونة بعدة أشهر، من أن أي محاولة لإسقاط الحكومة ستكون حماقة دفع إليها اليأس ولكن عندما فرضت على العمال المعركة الفاصلة في مارس 1871، وعندما قبلها هؤلاء وغدت الانتفاضة أمرا واقعا، حيّا ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماسة رغم نذر السوء. لم يصر ماركس اتخاذ موقف متحذلق وإدانة الحركة «باعتبارها جاءت في غير أوانها» كما فعل الماركسي الروسي المرتد سيئ السمعة بليخانوف، عندما كتب في نوفمبر 1905 مشجعا نضال العمال والفلاحين ولكنه أخذ يصيح بعد ديسمبر سنة 1905على طريقة الليبراليين «ما كان ينبغي السلاح».
لم يكتف ماركس بالإعجاب الحماسي ببطولة أصحاب الكومونة الذين «هبوا لاقتحام السماء» على حد تعبيره. فقد رأى في هذه الحركة الثورية الجماهيرية – ولو أنها لم تحقق هدفها - خبرة تاريخية ذات أهمية كبرى، وخطوة إلى الأمام للثورة البروليتارية العالمية، خطوة عملية أهم من مئات البرامج والمناقشات. وقد وضع ماركس نصب عينيه مهمة تحليل هذه التجربة واستخلاص الدروس التكتيكية منها وإعادة النظر في نظريته على ضوئها.
ولقد كان «التصحيح» الوحيد الذي رأى ماركس ضرورة إدخاله على «البيان الشيوعي» مستوحى من الخبرة الثورية لكومونة باريس.
فنجد أن آخر مقدمة للطبعة الألمانية الجديدة من «البيان الشيوعي» والتي تحمل توقيع المؤلفين معا تحمل تاريخ 24 يونيو 1872. وفيها يقول المؤلفان كارل ماركس وفريدريك انجلز، أن برنامج «البيان الشيوعي» «قد عفى الزمن على بعض تفاصيله» ويستطردان:
« لقد أثبتت الكومونة شيئا واحدا على وجه الخصوص وهو أن الطبقة العاملة لا تستطيع ببساطة أن تستولي على آلة الدولة الجاهزة وتسخرها لخدمة أهدافها الخاصة»
وهذه الفقرة الأخيرة اقتبسها المؤلفان من كتاب ماركس: «الحرب الأهلية في فرنسا».
وهكذا نجد أن ماركس وانجلز اعتبرا أحد الدروس الأساسية والرئيسية لكومونة باريس ذا أهمية كبرى تحملهما على إدخاله كتصحيح للبيان الشيوعي.
ومما هو بالغ الدلالة أن هذا التصحيح الهام هو الذي حرفته الانتهازية، وأغلب الضن أن معناه يغيب عن بال تسعة أعشار قراء البيان الشيوعي إن لم يكن تسعة وتسعين بالمائة منهم. وسوف نتناول هذا التحريف بالتفصيل فيما بعد في فصل خاص بالتحريفات وسنكتفي هنا بالإشارة إلى التفسير المبتذل الشائع لعبارة ماركس المعروفة التي أوردناها توّا بزعم أن ماركس يؤكد هنا فكرة التطور البطيء خلافا لما يقال عن الاستيلاء على السلطة... الخ.
والواقع أن عكس ذلك هو الصحيح. فرأي ماركس أنه يجب على الطبقة العاملة أن تحطم وتدمر "آلة الدولة الجاهزة" وألا تكتفي بمجرد الاستيلاء عليها.
ففي 12 أبريل 1871، أي في أيام الكومونة بالذات، كتب ماركس إلى كوجلمان يقول:
« إذا ما تصفحت الفصل الأخير من كتابي 18 برومير ستجد أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية لن تكون، كما كان الحال قبلا، نقل الجهاز البيروقراطي العسكري من يد إلى أخرى ولكن تدمير هذا الجهاز (التشديد لماركس) وهذا هو الشرط الأول لأي ثورة شعبية حقا على القارة. وهذا هو ما يحاول رفاقنا الأبطال في باريس أن يفعلوه» (ص 709 في نيوزايت جزء: 20، ص: 1، سنة 1901-1902 صدرت رسائل ماركس إلى كوجلمان بالروسية فيما لا يقل عن طبعتين أشرفت على تحرير احداهما وقدمت لها).
وتلخص كلمات «تحطيم جهاز الدولة البيروقراطي العسكري» الدرس الرئيسي للماركسية فيما يتعلق بمهام البروليتاريا خلال الثورة حيال الدولة. وهذا هو بعينه الدرس الذي لم يقتصر «التفسير» الكاوتسكي السائد للماركسية على تجاهله تجاهلا بل وحرفه تحريفا.
ولقد أثبتنا الفقرة التي أشار إليها ماركس من «18 برومير» كاملة فيما سبق.
وتنبغي الإشارة بوجه خاص إلى نقطتين من فقرة ماركس المذكورة. أولا- أنه يُقصر استنتاجه على القارة الأوروبية وكان هذا مفهوما في 1871 عندما كانت بريطانيا لا تزال نموذجا للبلد الرأسمالي الصرف ولكنها خالية من طغمة عسكرية ومن البيروقراطية أيضا إلى حد بعيد. ولذا استثنى ماركس بريطانيا حيث كانت الثورة بما في ذلك الثورة الشعبية تبدو ممكنة آنذاك - وكانت في الحقيقة ممكنة - بدون شرط تدمير «آلة الدولة الجاهزة»
أما اليوم في سنة 1917 - في عصر أول حرب إمبريالية كبرى لا يعود استثناء ماركس هذا صحيحا. فإن كلا من بريطانيا وأمريكا وهما أكبر وآخر ممثلي الحرية الأنجلوسكسونية في العالم كله - بمعنى خلوهما من الطغمة العسكرية البيروقراطية - قد غرقتا تماما في المستنقع الدموي الأوروبي القذر، مستنقع المؤسسات البيروقراطية العسكرية التي تخضع كل شيء لها، وتسحق كل شيء. واليوم فإن « الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً»، في بريطانيا وأمريكا كذلك هو تدمير وتحطيم آلة الدولة الجاهزة (التي صنعت ووصلت الى درجة الكمال الأوروبي والإمبريالي عامة في هذين البلدين خلال سنوات 1914-1917)
ثانيا- يجب أن نولي انتباها خاصا لملاحظة ماركس العميقة أشد العمق عن أن تحطيم جهاز الدولة البيروقراطي العسكري هو «الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقا». وتبدو صدور فكرة ثورة شعبية عن ماركس أمرا مستغربا حتى أن البليخانوفيين والمنشفيك الروس، أتباع ستروفه، هؤلاء الذين يريدون أن يظهروا بمظهر الماركسيين، وصفوا تعبير ماركس هذا بأنه "زلّة قلم" فقد انحدروا بالماركسية إلى درجة من التحريف الليبرالي الحقير بحيث لم يعودوا يرون شيئا سوى معارضة الثورة البرجوازية بالثورة البروليتارية، وهم فوق ذلك يفسرون هذا التناقض بطريقة لا حياة فيها.
إذا ما أخذنا على سبيل المثال ثورات القرن العشرين فلا بد من الاعتراف بأن الثورتين البرتغالية والتركية هما ثورتان برجوازيتان. ولكن لم تكن لا هذه ولا تلك ثورة شعبية، إذ لم تخرج في أي منهما كتل الشعب وأغلبيته الساحقة بصورة نشطة مستقلة حاملة مطالبها الاقتصادية والسياسية بأي درجة ملحوظة. وعلى العكس فإن الثورة البرجوازية الروسية في سنوات 1905-1907، وإن لم تصب من النجاحات الباهرة ما أصابته أحيانا الثورتان البرتغالية والتركية، قد كانت دون شك ثورة شعبية حقا، حيث نهضت جماهير الشعب وأغلبيته وأدنى فئاته الاجتماعية التي سحقها الاستبداد والاستغلال مستقلة، وطبعت مجرى الثورة كله بطابع مطالبها الخاصة ومحاولاتها لكي تبني بطريقتها الخاصة مجتمعا جديدا محل المجتمع القديم الجاري هدمه.
ولم تكن البروليتاريا في أوروبا عام 1871 تشكل أغلبية الشعب في أي بلد من بلدان القارة الأوروبية، لم يكن لثورة شعبية أي ثورة تدفع بالأغلبية في تيارها، لا يمكن أن تكون كذلك حقا إلاّ إذا شملت البروليتاريا والفلاحين. فهاتان الطبقتان كانتا تؤلفان"الشعب" في ذلك الحين. ويوحد هاتين الطبقتين واقع أن «جهاز الدولة البيروقراطي العسكري» يضطهدهما ويسحقهما ويستغلهما. وتحطيم هذه الآلة وتدميرها هو في مصلحة الشعب حقا، وفي مصلحة غالبيته الساحقة من العمال وغالبية الفلاحين، إنه الشرط الأولي للتحالف الحر بين فقراء الفلاحين والبروليتاريا، وبدون هذا التحالف تكون الديموقراطية مزعزعة الأركان ويستحيل التحول الاشتراكي.
ومن المعروف أن كومونة باريس كانت تشق طريقها بالفعل إلى مثل هذا التحالف، وهي لم تبلغ هدفها نتيجة عدة أسباب داخلية وخارجية.
فعندما تكلم ماركس إذن عن الثورة الشعبية حقا، دون أن ينسى للحظة خصائص البرجوازية الصغيرة (وهي الخصائص التي كثيرا ما أفاض في الكلام عنها) كان يأخذ بعين الاعتبار الشديد الميزان الواقعي للقوى الطبقية في معظم دول القارة الأوروبية عام 1871. كما قرر من ناحية أخرى أن تدمير آلة الدولة تفرضه مصالح العمال والفلاحين وأنه يوحدهم ويضع أمامهم واجبا مهمة مشتركة هي القضاء على الطفيلي والاستعاضة عنه بشيء جديد. بماذا على وجه الدقة؟.
2- ماذا سيحل محل آلة الدولة المحطمة؟
كانت إجابة ماركس في البيان الشيوعي سنة 1847 على هذا السؤال إجابة مجردة، أو على وجه الدقة كانت إجابة تبين المهام لا طرق إنجازها. أجاب البيان الشيوعي بأن تحل محل هذه الآلة «البروليتاريا المنظمة في شكل طبقة حاكمة » «وكسب معركة الديموقراطية».
لم ينغمس ماركس في الطوباوية وانتظر من خبرة الحركة الجماهيرية أن تجيب على سؤال ما هي الأشكال المعينة التي سيتخذها تنظيم البروليتاريا بوصفها طبقة حاكمة، وكذلك الطريقة المحددة التي سيتلاءم فيها هذا التنظيم مع أتم وأكمل أشكال كسب معركة الديموقراطية.
وفي كتاب «الحرب الأهلية في فرنسا» يحلل ماركس أدق التحليل خبرة الكومونة على ضآلتها. وسنورد أهم الفقرات من هذا الكتاب:
نمت في القرن التاسع عشر «سلطة الدولة المركزية» - تلك السلطة التي تعود أصولها إلى القرون الوسطى - «بأجهزتها المنتشرة في كل مكان من جيش دائم وشرطة وبيروقراطية ورجال دين ورجال قضاء». ومع اشتداد التنافر بين رأس المال والعمل اتخذت سلطة الدولة أكثر فأكثر « طابع سلطة قومية لوضع المال على العمل، طابع قوة عامة منظمة للاستعباد الاجتماعي، طابع أداة للاستبداد الطبقي». وبعد كل ثورة تؤذن بخطوة إلى الأمام في الصراع الطبقي يتجلى «الطابع الاضطهادي الخالص لسلطة الدولة بصورة أوضح» فبعد ثورة 1848-1849أصبحت سلطة الدولة «أداة قومية لحرب رأس المال ضد العمل». وجاءت الإمبراطورية الثانية لتدعم ذلك.
وكانت الكومونة هي النقيض المباشر للإمبراطورية. لقد كانت الشكل الايجابي لجمهورية كان عليها أن تخلف الشكل الملكي للحكم الطبقي بل والحكم الطبقي ذاته». ماذا كان كنه ذلك الشكل الايجابي من الجمهورية البروليتارية الاشتراكية؟ وماذا كانت الدولة التي شرعت بتأسيسها؟.
« كان أول مرسوم أصدرته الكومونة يقضي بإلغاء الجيش الدائم والاستعاضة عنه بالشعب المسلح».
ويرد هذا المطلب الآن في برامج كافة الأحزاب التي تسمي نفسها اشتراكية. ولكن تظهر النغمة الحقيقة لهذه البرامج من سلوك الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك عندنا الذين رفضوا عمليا بعد ثورة 27 فبراير تنفيذ هذا المطلب.
« لقد شُكلَتْ الكومونة من أعضاء المجالس البلدية الذين اختيروا عن طريق الانتخاب العام في مختلف دوائر باريس. وكانوا مسئولين كما كان يمكن إلغاء التفويض الممنوح لهم في أي وقت. وكانت غالبيتهم بطبيعة الحال من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم... وجردت الشرطة - التي كانت حتى ذلك الحين أداة في أيدي الحكومة – من كل صلاحياتها السياسية وحولت إلى أداة مسئولة أمام الكومونة ويمكن إلغاء التفويض الممنوح لها في أي وقت. وكان الأمر كذلك مع موظفي كافة الفروع الأخرى للإدارة... وكان يتعين أداء الخدمة العامة ابتداء من أعضاء فنازلا لقاء أجر يساوي أجر العامل. واختفت جميع الامتيازات والعلاوات التي كان يتقاضاها كبار موظفي الدولة مع اختفاء هؤلاء الموظفين أنفسهم... وبعد أن تخلصت الكومونة من الجيش الدائم والشرطة، وهما أداة القوة المادية في يد الحكومة القديمة، شرعت فورا في تحطيم أداة القمع الروحي، سلطة الكهنة... كما فقد أعضاء الهيئة القضائية استقلالهم الصوري… وأصبحوا منذ ذلك الحين فصاعدا ينتخبون كما أصبحوا مسئولين وقابلين للخلع.»
وهكذا يبدو أن الكومونة لم تستعض عن آلة الدولة المحطمة «إلا» بديموقراطية أكمل: إلغاء الجيش الدائم، مبدأ انتخاب جميع الموظفين وقابليتهم للعزل. ولكن هذه الـ«إلا» تعني في واقع الأمر تبديلا هائلا لنوع من المؤسسات بنوع آخر يختلف اختلافا أساسيا. فنحن هنا في الحقيقة أمام حالة من حالات «تحول الكم إلى الكيف»: فالديموقراطية المطبقة بأتم وأوفى شكل يمكن تصوره تتحول من ديموقراطية برجوازية إلى ديموقراطية بروليتارية، وتتحول الدولة (وهي القوة الخاصة بقمع طبقة معينة) إلى شيء لم يعد هو الدولة حقيقة.
لقد كان قمع البرجوازية وسحق مقاومتها لا يزال بعد أمرا ضروريا. وكان هذا الأمر ضروريا بالذات في حالة الكومونة، فأحد أسباب هزيمتها يتلخص في كونها لم تقم بذلك بالحزم المطلوب. إلا أن أداة القمع تصبح الآن أغلبية السكان لا الأقلية كما كان الحال دائما في ظل العبودية والقنانة وعبودية العمل المأجور. ومنذ أن تقمع غالبية الشعب بنفسها مضطهديها، لا تبقى ثمة حاجة «لقوة خاصة» للقمع! وبهذا المعنى تبدأ الدولة في الاضمحلال. وبدلا من المؤسسات الخاصة القاصرة على أغلبية متميزة (الوظائف الممتازة، وقادة الجيش) تقوم الغالبية بمباشرة كافة تلك الوظائف بنفسها، وبمقدار ما يمارس الشعب ككل وظائف سلطة الدولة بمقدار ما تقل الحاجة لوجود هذه السلطة.
ومما يستحق إشارة خاصة في هذا الصدد الإجراءات التي اتخذتها الكومونة والتي ألح عليها ماركس وهي: إلغاء رواتب التمثيل النيابي، إلغاء كافة الامتيازات المالية للموظفين، تخفيض رواتب كافة العاملين في خدمة الدولة إلى مستوى (أجر العامل). تبين هذه الإجراءات بوضوح ما بعده وضوح الانعطاف من الديموقراطية البرجوازية إلى الديموقراطية البروليتارية، ومن ديموقراطية المضطهِدين إلى ديموقراطية الطبقات المضطهَدة، ومن الدولة بوصفها «قوة خاصة» لقمع طبقة معينة إلى قمع المضطهِدين بواسطة القوى العامة لأغلبية الشعب، العمال والفلاحين. وهنا في هذه النقطة بالذات من مسألة الدولة، التي هي الأبرز ولعلها الأهم بين جميع النقاط، بلغ نسيان تعاليم ماركس حده الأقصى!. ففي التعليقات المبسطة العديدة لا يرد ذكر هذا على الإطلاق. فمن المألوف التزام الصمت حول هذا الموضوع كما لو كان «سذاجة» عفا عليها الزمن، تماما مثلما يلجأ المسيحيون بعدما أصبح دينهم هو دين الدولة إلى نسيان سذاجات المسيحية الأولى مع ما فيها من روح ثورية ديموقراطية.
ويبدو تخفيض رواتب كبار موظفي الدولة مجرد مطلب من مطالب الديموقراطية الساذجة البدائية. ونجد أحد «مؤسسي» الانتهازية الحديثة، الاشتراكي الديموقراطي السابق ادوار برنشتاين، يكرر أكثر من مرة التهكمات البرجوازية المبتذلة الموجهة ضد الديموقراطية «البدائية». فهو شأنه شأن جميع الانتهازيين وشأن الكاوتسكيين الحاليين لم يفهم بتاتا، أولا: أن الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية يستحيل بدون «ردة» ما إلى الديموقراطية «البدائية» (وإلاّ فكيف يمكن الانتقال إلى قيام غالبية السكان ككل بلا استثناء بوظائف الدولة؟) وثانيا: أن الديموقراطية البدائية القائمة على أساس الرأسمالية والحضارة الرأسمالية لا تشبه الديموقراطية البدائية في العصور البدائية أو عصور ما قبل الرأسمالية. فقد خلقت الحضارة الرأسمالية الإنتاج الكبير، المصانع والسكك الحديدية والبريد والتلفون الخ، وعلى هذا الأساس غالبية وظائف سلطة الدولة القديمة بسيطة كل البساطة واختزلت إلى عمليات في منتهى اليسر من تسجيل وتدوين ومراجعة بحيث أصبحت هذه الوظائف في متناول جميع من يحسنون القراءة والكتابة، وأصبح يمكن القيام بها بسهولة في مقابل «أجر العامل»، وأن هذه الوظائف يمكن (بل ويجب) أن تجرد من كل ظل للامتياز، أو من كل شبهة «الهيبة الرسمية»
إن انتخاب جميع الموظفين دون استثناء وإمكانية عزلهم في أية لحظة، وتخفيض رواتبهم إلى مستوى أجرة العامل المعتاد - هذه التدابير الديموقراطية البسيطة والبديهية والتي توحد تماما مصالح العمال وغالبية الفلاحين هي في الوقت نفسه جسر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. وتتعلق هذه التدابير بإعادة تنظيم الدولة، وإعادة تنظيم المجتمع من الناحية السياسية الخالصة، ولكنها بطبيعة الحال لا تكتسب مغزاها الكامل وأهميتها إلاّ في حالة تحقيق «نزع ملكية الملاك السابقة» أو التحضير لذلك أي تحويل الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى ملكية للمجتمع.
وقد كتب ماركس يقول: «لقد جعلت الكومونة من ذلك الشعار الذي نادت به جميع الثورات البرجوازية وهو حكومة قليلة نفقات، حقيقة واقعة وذلك بإلغاء أكبر بابين من أبواب النفقات. الجيش والوظائف».
لا يستطيع سوى نفر ضئيل من الفلاحين – وكذلك من فئات البرجوازية الصغيرة الأخرى - أن «يطفو إلى السطح» و«يصبح من الناس» بالمعنى البرجوازي للكلمة أي أن يصبح إما من الميسورين البرجوازيين وإما من الموظفين الذين يحتلون مراكز مرموقة ومتميزة. أمّا الغالبية العظمى من الفلاحين في أي بلد رأسمالي يوجد فيه الفلاحون (كما هو الحال في معظم البلاد الرأسمالية) فإنها تلاقي الاضطهاد من الحكومة وتتعطش إلى إسقاطها، كما تتعطش إلى حكومة «قليلة النفقات». ولا يستطيع تحقيق ذلك سوى البروليتاريا وهي إذ تحققه فإنها تخطو في الوقت نفسه خطوة نحو إعادة تنظيم الدولة على أساس الاشتراكي.
3- إلغاء البرلمانية
كتب ماركس يقول:
«وكان يراد بالكومونة أن تكون هيئة عاملة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت نفسه لا أن تكون هيئة برلمانية...
وبدلا من البت مرة كل ثلاث أو ست سنوات في معرفة أي عضو من الطبقة الحاكمة سيمثل ويقمع الشعب في البرلمان، أصبح على حق الانتخاب العام أن يخدم الشعب المنظم في كومونات مثلما يخدم حق الانتخاب الفردي أي صاحب عمل في البحث عن عمال وملاحظين ومحاسبين لعمله».
وهذا النقد الرائع للبرلمانية المكتوب في سنة 1871 قد غدا الآن هو الآخر بفضل الاشتراكية الشوفينية والانتهازية السائدتين في عداد «الكلمات المنسية» من الماركسية. إلا أن الوزراء والبرلمانيون المحترفون – خونة البروليتاريا والاشتراكيون "العمليون" في أيامنا - قد تركوا للفوضويين كل انتقاد للبرلمانية، وعلى هذا الأساس المنطقي المدهش، أدانوا كل انتقاد للبرلمانية على أنه "فوضوية"!. ولذلك فليس من الغرابة في شيء أن نجد بروليتاريا الدول البرلمانية «المتقدمة» وقد تقززت من «الاشتراكيين» أمثال شيدمان ودافيد ولينجين وسامبا ورينودل وهندرسون وفانرفلد وستويننج وبرانتينج وبيسولاتي وأحزابهم وشركاهم تميل بعواطفها أكثر فأكثر مع الفوضوية - النقابية، رغم حقيقة أن هذه الأخيرة ليست إلا الشقيقة التوأم للانتهازية.
بيد أن الدياليكتيك الثوري لم يكن في يوم من الأيام عند ماركس عبارات فارغة مزوقة وألعوبة مثلما يفعل به بليخانوف وكاوتسكي وغيرهم. لقد عرف ماركس كيف ينفصل عن الفوضوية دون شفقة لعدم مقدرتها على الاستفادة حتى من "حظيرة" البرلمانية البرجوازية، وخاصة عندما يكون من الواضح أن الظروف ليست ثورية، إلا إنه عرف في الوقت نفسه كيف ينتقد البرلمانية انتقادا بروليتاريا ثوريا حقا.
إن تقرير مرة كل عدة سنوات من هو العضو من الطبقة الحاكمة سيقوم بقمع وسحق الشعب من خلال البرلمان – هو الجوهر الحقيقي للبرلمانية البرجوازية، لا في الأنظمة المَلكية البرلمانية الدستورية فحسب بل وفي أوسع الجمهوريات ديموقراطية.
ولكن إذا ما تناولنا مسألة الدولة، وإذا ما نظرنا إلى البرلمانية باعتبارها واحدة من مؤسسات الدولة، فما هو المخرج من البرلمانية من وجهة نظر مهام البروليتاريا في هذا المجال؟ وكيف يمكن الاستغناء عنها؟.
لا بد لنا من أن نكرر القول مرارا وتكرارا: إن تعاليم ماركس القائمة على دراسة الكومونة قد نسيت تماما لدرجة أن الاشتراكي الديموقراطي الحالي (أي خائن الاشتراكية في يومنا هذا) لا يستطيع أن يفهم أي انتقاد للبرلمان إلا على أنه انتقاد فوضوي أو رجعي.
إن المخرج من البرلمانية ليس هو بالطبع إلغاء المؤسسات النيابية والمبدأ الانتخابي، وإنما تحويل المؤسسات النيابية من ندوات للثرثرة إلى هيئات "عاملة". «وكان يراد بالكومونة أن تكون هيئة عاملة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت نفسه لا أن تكون هيئة برلمانية».
« مؤسسة عاملة لا هيئة برلمانية». كان هذا القول ضربة في الصميم موجهة إلى البرلمانيين المعاصرين «وكلاب الصالونات» برلمانيي الاشتراكية الديموقراطية! أمعنوا النظر في أي بلد برلماني من أمريكا إلى سويسرا ومن فرنسا إلى بريطانيا أو النرويج وغيرها، تروا أن عمل الدولة الحقيقي يجري وراء الكواليس وتنفذه الإدارات والمكاتب وهيئات الأركان. أما في البرلمان فهم يكتفون بالحديث بقصد خداع «العامة». وهذا صحيح حتى أنه في الجمهورية الروسية، وهي جمهورية برجوازية ديموقراطية، ظهرت كافة سوءات البرلمانية هذه على الفور حتى قبل أن تتمكن من إقامة برلمان حقيقي. فقد نجح أبطال البرجوازية الصغيرة المتفسخة من أمثال سيكوبيليف وتسيريتيلي وتشيرنوف وافكسنيتيف في تلويث السوفييتات على نمط البرلمانية البرجوازية المقززة وتحويلها إلى ندوات لتجارة الكلام. ففي السوفييتات يخدع الوزراء "الاشتراكيون" الفلاحين المصدقين بالقرارات والتلاعب بالألفاظ، أما في الحكومة فيجري نوع من التغيير الدائم حتى يتمكن أكبر عدد من الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك بالتناوب على التهام جزء من "الكعكة" – المناصب المربحة المشرفة – ولتحويل أنظار الشعب من ناحية أخرى. وخلال ذلك كله تقوم الإدارات وهيئات الأركان بأداء عمل الدولة.
ومنذ عهد قريب كتبت جريدة "ديلونارودا" لسان حال حزب الاشتراكيين الثوريين الحاكم معترفة في مقال افتتاحي – بالصراحة المنقطعة النظير «لأبناء الناس الطيبين» حيث يمارس «الجميع» الدعارة السياسية – أنه حتى في الوزارات التي يرأسها "اشتراكيون" (ولا مؤاخذة على التعبير) لم يتغير الجهاز البيروقراطي كله في الواقع وأنه لا يزال يعمل على النمط القديم ويخرب "بحرية" الإجراءات الثورية! وحتى بدون هذا الاعتراف، ألا يبرهن التاريخ العملي لاشتراك الاشتراكيين الثوريين، والمنشفيك في الحكومة على ذلك؟ ومما تجدر الإشارة إليه على أي حال أنه في الشركة الوزارية للكاديت فقد السادة تشيرنوف وروزانوف وزينزينوف وغيرهم من محرري الديلي نارودا فقدوا كل حياء لحد أنهم يعلنون على الملأ بلا خجل كما لو كان الأمر تافها، إن كل شيء في وزاراتهم لا يزال كما هو! فالعبارات الثورية الديموقراطية لخداع سذج الأرياف، والبيروقراطية والمكاتبات الرسمية لإرضاء الرأسمالية – هذا هو جوهر التحالف الشريف. لقد استعاضت الكومونة عن برلمانية المجتمع البرجوازي المرتشية والمتفسخة بمؤسسات لا تنحط فيها حرية الرأي والمناقشة إلى درجة الخداع، لأنه يجب على البرلمانيين أنفسهم أن يعملوا، وأن ينفذوا قوانينهم بأنفسهم وأن يتحققوا من نتائجها العملية، وأن يقدموا الحساب مباشرة لناخبيهم. وهنا تبقى المؤسسات النيابية ولكن لا توجد برلمانية باعتبارها نظاما خاصا وتقسيما للعمل بيت السلطتين التشريعية والتنفيذية ومكانة ممتازة للنواب. ونحن لا يمكننا تصور الديموقراطية حتى الديموقراطية البروليتارية بدون مؤسسات نيابية ولا يمكننا أن نتصور الديموقراطية بدون البرلمانية، هذا إذا لم يكن نقدنا للمجتمع البرجوازي مجرد تشدق بالألفاظ وإذا كانت رغبتنا في إسقاط حكم البرجوازية رغبة جادة ومخلصة وليست دعاية انتخابية لاصطياد أصوات العمال كما هو الحالة مع المنشفيك والاشتراكيين الديموقراطيين والسادة شيدمان وليجين وسامبا وفاندرفلد. ولعله أمر ذو دلالة بليغة أن نجد أن ماركس عندما تكلم عن وظائف أولئك الموظفين الذين تحتاج إليهم الكومونة والديموقراطية البروليتارية نجد أنه يقارنهم بعمال صاحب العمل أي بالمشروع الرأسمالي العادي «بعماله وملاحظيه ومحاسبيه».
إننا لا نجد أي اثر للطوباوية عند ماركس بمعنى أنه لا يخترع مجتمعا جديدا من صنع خياله. كلا إنه يدرس ميلاد المجتمع الجديد من المجتمع القديم وأشكال الانتقال من السابق إلى اللاحق باعتبارها عملية من عمليات التاريخ الطبيعي. فقد فحص الخبرة العملية لحركة جماهيرية بروليتارية وحاول أن يستخلص منها الدروس العملية. و"تعلم" من الكومونة، مثلما تعلم كافة المفكرين الثوريين العظام بلا تردد من خبرة الحركات العظيمة للطبقات المضطهدة، ولم يلق عليهم المواعظ المتعجرفة قط (على غرار موعظة بليخانوف: «ما كان ينبغي حمل السلاح» أو موعظة تسيرتيلي: «يجب أن تلزم الطبقة حدودها»).
إن إلغاء البيروقراطية تماما دفعة واحدة في كل مكان أمر لا يمكن التفكير فيه إنه تفكير طوباوي. ولكن تحطيم الجهاز البيروقراطي القديم دفعة واحدة والشروع فورا في بناء جهاز جديد يجعل من الممكن الإلغاء التدريجي للبيروقراطية – هذا ليس طوباوية وإنما هو خبرة الكومونة والواجب الملحّ والمباشر على البروليتاريا الثورية.
إن الرأسمالية تبسط وظائف إدارة الدولة وتجعل من الممكن التخلص من "الترؤس" وحصر الأمر كله في تنظيم البروليتاريا بوصفها طبقة حاكمة تستأجر «العمال والملاحظين والمحاسبين» باسم المجتمع كله.
نحن لسنا طوباويينUtopians، نحن لا نحلم بالاستغناء دفعة واحدة عن كل إدارة وكل خضوع. فهذه أحلام فوضوية ناشئة عن عدم فهم مهام ديكتاتورية البروليتاريا وهي غريبة تماما على الماركسية وهي لا تؤدي في الواقع إلا إلى تأجيل الثورة الاشتراكية حتى يتغير الناس عما هم عليه. كلا نحن نريد الثورة الاشتراكية بالناس كما هم الآن، بالناس الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الخضوع والسيطرة «والملاحظين والمحاسبين».
ولكن الخضوع ينبغي أن يكون للطليعة المسلحة لكافة المستغَلين والشعب العامل إي للبروليتاريا. ويمكن بل وينبغي الشروع على الفور بين عشية وضحاها البدء في الاستعاضة عن العمليات "الرياسية" لموظفي الدولة بالوظائف البسيطة «للملاحظين والمحاسبين» وهي الوظائف التي تقع تماما في دائرة قدرات سكان المدن العاديين ويمكن القيام بها تماما مقابل "اجر العامل".
ولسوف ننظم نحن العمال الإنتاج الكبير على الأساس الذي سبق أن أوجدته الرأسمالية، معتمدين على خبرتنا الخاصة كعمال ومقيمين نظاما حديديا صارما تدعمه سلطة دولة العمال المسلحين. ولسوف نقلل من دور موظفي الدولة إلى مجرد تنفيذ تعليماتنا باعتبارهم ملاحظين ومحاسبين يتقاضون أجورا متواضعة (وينم هذا بالطبع بالاستعانة بكافة الفنيين على اختلاف أنواعهم وأشكالهم ودرجاتهم). هذه هي مهمتنا البروليتارية، هذا ما يمكن وما يجب أن نبدأ به عند القيام بالثورة البروليتارية. ولسوف تؤدي هذه البداية القائمة على أساس الإنتاج الكبير من ذاتها إلى الاضمحلال التدريجي للبيروقراطية كلها والخلق التدريجي لنظام – نظام بدون استثناءات ولا يشبه عبودية العمل المأجور – تسير فيه وظائف الإدارة والمحاسبة من أبسط إلى ابسط ويؤديها الجميع بالتناوب، ثم تغدو عادة وتزول في النهاية كوظائف خاصة تقوم بها فئة خاصة من السكان.
لقد وصف أحد الاشتراكيين الديموقراطيين الألمان الأذكياء، في سنوات العقد الثامن من القرن الماضي، نظام الخدمة البريدية بأنه نموذج للنظام الاقتصادي الاشتراكي. وهذا صحيح كل الصحة فالبريد هو الآن عمل منظم على طراز احتكارات رأسمالية الدولة وتحول الإمبريالية تدريجيا كافة التروستات إلى منظمات من هذا الطراز يخضع فيه بسطاء الناس الجياع الغارقون في العمل حتى الآذان لنفس البيروقراطية البرجوازية. ومكانيزم الإدارة الاجتماعية جاهز في هذه المنظمات. فما أن نطيح بالرأسماليين وتسحق يد العمال المسلحين الحديدية مقاومة هؤلاء المستغِلين وتحطم - الجهاز البيروقراطي للدولة الحديثة، حتى نجد لدينا نظاما آليا مجهزا أحسن تجهيز ومحررا من الطفيلية، جهاز يمكن للعمال المتحدين تشغيله على أحسن وجه باستئجار الفنيين والملاحظين والمحاسبين ومكافأتهم جميعهم، شأنهم شأن كافة موظفي الدولة بعامة، بأجر العامل. هذه مهمة عملية ملموسة يمكن تحقيقها على الفور فيما يتعلق بكافة التروستات، وسيؤدي إنجاز هذه المهمة إلى خلاص الشعب العامل من الاستغلال، وهذه المهمة تأخذ في اعتبارها ما بدأت الكومونة في ممارسته ولا سيما في مجال بناء الدولة.
إن هدفنا العاجل هو تنظيم الاقتصاد برمته على طراز البريد بحيث يتلقى كافة الفنيين والملاحظين والمحاسبين شأنهم شأن كافة الموظفين مرتبات لا تزيد عن اجر العامل وذلك تحت سيطرة وقيادة البروليتاريا المسلحة، هذه هي الدولة التي نحتاجها والأساس الاقتصادي الذي نحتاجه. وهذا هو ما سيؤدي إلى إلغاء البرلمانية والإبقاء على المؤسسات النيابية. هذا هو ما سيخلص الطبقات العاملة من متاجرة البرجوازية بعرض هذه المؤسسات.
اسم الكتاب كاملا: الدولة والثورة - تعاليم الماركسية حول الدولة ومهمات البروليتاريا في الثورة -
كتبه لينين في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 1917
نشر لأول مرة سنة 1918
الناشر العربي: دار التقدم - موسكو
من دار النشر: تمت ترجمة مؤلف ف. ا. لينين "الدولة والثورة" نقلا عن المجلد 33 من الطبعة الروسية الخامسة لمؤلفات لينين التي أعدها معهد الماركسية-اللينينية لدى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي.
ترجمة: لم يُذكر اسم المترجم
النسخ الالكتروني: مجموعة من المتطوعين (فبراير 2005)
شارك هذا الموضوع على: ↓