2015/03/16

سعيدة العزوزي// الشهيد نبيل الزوهري، تلميذ في مقتبل العمر اغتاله النظام في عز الانتفاضة الشعبية المجيدة.

"أنا لست للبيع...وأنت؟"، كانت هذه آخر كلمات الشهيد نبيل الزوهري قبل أن تقدم فرقة من جهاز القمع على اغتياله بطريقة وحشية ورموه في إحدى المنحدرات أمام أنظار الشاب محمد البوبسي-الشاهد الوحيد والمعتقل حاليا بسبب معاينته وشهادته على جريمة الاغتيال.


كانت مدينة تازة تتصدر الغليان المنتشر عبر ربوع البلاد، وكان العدو يحاصرها من كل الجهات، وعلى جميع المستويات، مجهزا ترسانة قمعية بشتى تلاوينها لإخماد فتيل الانتفاضة الشعبية المجيدة التي عاشتها المدينة لشهرين ،يناير وفبراير 2012. إنها المدينة الصغيرة التي لقنت العدو فنون الصمود والمقاومة بالصدور العارية وأعادت أسطورة تازة التاريخية.
كل شوارع وأزقة المدينة، خصوصا حي الكوشة الشعبي، معقل الانتفاضة، تعيش تحت وطأة القمع والمنع وحضر التجمعات الصغيرة والكبيرة، وكل شباب الحي صاروا هذفا للعدو، ولحملة المطاردات. وكل الأجهزة الإستخباراتية للعدو مستنفرة. ويوم 17 مارس 2012، وبالموازاة مع اتساع شرارة الانتفاضة في الجوار وامتداد لهيبها لمدينة بني بوعياش، ستقوم إحدى فرق الموت المشكلة من عناصر "البلير" و"السيمي" بمحاصرة الشهيد نبيل الزوهري وانهالت عليه بالضرب المبرح في شتى أنحاء الجسم، وبعد أن أشبعوا غريزتهم الوحشية ونالوا من كل عظمة وعضو من جسده بما في ذلك الرأس والعنق والوجه، قاموا برميه من أعلى إحدى المنحدرات القريبة من مقلع للحجارة في محاولة لإظهار الأمر وكأنه مجرد حادث سقوط، مباشرة بعد ذلك قام جهاز البوليس باعتقال الشهيد وهو في حالة احتضار واستنطقوه تحت وابل من السب والشتم دون أن يقدموا له المساعدة أو ينقلوه لتلقي العلاجات الضرورية، بينما لم تأتي سيارة الإسعاف إلا بعد فوات الأوان ونقلوه إلى المستشفى يرافقه محمد البوبسي الشاهد الوحيد على الجريمة والذي اعتقل مباشرة بعد أن عرفت الأجهزة القمعية بتواجده في مكان الجريمة حين صرخ قائلا "قتلتوه راني شفت كلشي"، كما قام البوليس بطرد أخته ومنعها من مرافقته إلا أنها استطاعت قبل ذلك التقاط آخر كلماته قبل وفاته حيث قال -كما جاء على لسانها-:''ضربوني آخيتي ودفعوني، كل ذلك ليخرجوا بتصاريح من غرفهم المغلقة بشكل مزور''.
بعد أن لفظ الشهيد أنفاسه الأخيرة حاول النظام كل ما في وسعه إخفاء معالم الجريمة، وأول ما قامت به الأجهزة القمعية هو اعتقال الشاهد الوحيد في القضية ولفقوا له تهم صورية في ملف مطبوخ لمنع أية محاولة لإيصال الحقيقة للرأي العام وتفاصيل الجريمة، وقد حكمت عليه محكمة الاستئناف بتازة بأربع سنوات سجنا نافذة لازال يقضي ما تبقى منها بالسجن المحلي بتازة، ووفق بعض الأخبار الواردة من داخل نفس السجن سنة 2013، فإنه كان يعاني من اضطرابات نفسية لم تحدد طبيعتها أو أسبابها، وكان العديد من المتتبعين للملف قد رجحوا أن تكون تلك الحالة النفسية المضطربة من تخطيط وعمل الأجهزة القمعية حتى لا تكون للمعتقل أية فرصة ليحكي تفاصيل الجريمة التي ارتكبها النظام في حق الشهيد الزوهري.
أثناء تشييع جثمان الشهيد حضرت حشود غفيرة من أبناء الجماهير الشعبية من كل الفئات العمرية، هذا الحضور كان تعبيرا صارخا عن إدانة الجماهير الشعبية للنظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي وأجهزته القمعية وشكل تحديا كبيرا لهم لكسر الحصار بحكم حالة العسكرة الرهيبة للمدينة، والتي نجح النظام من خلالها في إخماد نار الانتفاضة بتازة وبعدها بقليل بمدينة بني بوعياش التي لازالت تعيش لحدود أيامنا الحالية على إيقاع العسكرة والحصار شبه الدائمين.
لقد شكلت انتفاضة مدينة تازة نموذجا يجب الاهتمام به وإعطاؤه حقه الكافي في الدراسة واستخلاص الدروس، نظرا للمشاركة الواسعة لكل فئات الشعب المقهور في الإعداد والمشاركة في كل أطوار الانتفاضة، فطلبة المدينة الجامعية كان لهم الدور الكبير في التأطير والتحريض كما هو شأن مناضلي حركة 20 فبراير والمعطلين وبعض الأساتذة والموظفين الصغار، كما انخرط في الانتفاضة قبل اندلاعها العمال والباعة المتجولين...
لقد أثبتت الانتفاضة المجيدة وطول نفسها (من أواخر دجنبر 2011 إلى مارس 2012) على القدرة الجبارة للجماهير الشعبية على الصمود وإبداع أشكال التنظيم والتأطير والمواجهة رغم كل ما شاب هذه الأشكال من نواقص وسلبيات وذلك راجع إلى نقص الخبرة لدى المناضلين المؤطرين للانتفاضة وأغلبهم كانوا من طلبة الجامعة والمعاهد أو خريجي هذه الأخيرة وليست لهم تجارب سابقة في تأطير الانتفاضات والتمردات ، فيما أخذ مناضلو باقي القطاعات والإطارات الجماهيرية موقفا متذبذبا وهناك من وصلت بهم الوقاحة إلى إدانة عنف الجماهير الشعبية في ردها على عنف الآلة القمعية، باستثناء عدد قليل من المناضلين ممن ناصروا الجماهير وأيدوها وأعلنوا موقفا جريئا وواضحا من مجريات الأحداث آنذاك وكان لتشرذم هذه الفئة من المناضلين الجذريين وتشتتهم الأثر البالغ في عدم تأثيرهم القوي في الأحداث وصعوبة قيادتهم وتأطيرهم للانتفاضة، ورغم هذه النواقص فقد سجلت الجماهير الشعبية بمعية المناضلين حدثا تاريخيا سيبقى محفورا في ذاكرة أبناء المنطقة برمتها وذاكرة الشعب المغربي على العموم، وقد خلفت الانتفاضة اصداءا قوية وعدة دروس وعبر وأعادت طرح وتأكيد أهمية وملحاحية الأداة الثورية لدى المعنيين بقضية الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية وضرورة التقدم في بناء الذات الثورية القادرة على قيادة وتنظيم الأعمال الثورية للجماهير الشعبية في كل منعطفاتها من أجل النصر، وهو ما يتطلب من المناضلين النضح والمسؤولية في التعاطي مع هذه المسألة (التنظيم الثوري) والبحث عن السبل السليمة والثورية للتقدم في الإجابة عليها وليس التهجم المجاني والبغيض على المناضلين بمناسبة أو بدونها.
فتازة الشهيد نبيل الزوهري لازالت تحتضن الشباب والرفاق احتضانا للآمال وللمستقبل المشرق لشعبنا. شباب ورفاق انخرطوا بقوة ومسؤولية في الإعداد القبلي وتأطير انتفاضة تازة المجيدة ومنهم من تصلبت قناعتهم أكثر بخيار الثورة ويبحثون عن السبل والوسائل لتجاوز الضعف الحاصل وكذلك ساكنة تركت الإنتفاضة الباسلة في صدورها الحقد على العدو ورسمت لها الصورة الحقيقية لطبيعته الحقيقية التي لن تمحوها كل مساحيق البياعة والسماسرة والخونة وخلفت كذلك معتقلين سياسيين صامدين بالسجن المحلي بتازة محكومون بأحكام قاسية كضريبة غالية لقاء ارتباطهم بالجماهير وانخراطهم في الانتفاضة الشعبية (طارق الحماني 6 سنوات، محمد البوبسي 4 سنوات، محمد اعبابو 4 سنوات، عبد الصمد الهيدور 3 سنوات -غادر السجن مؤخرا بعد قضاء المدة-، كريم العلمي سنتين وعز الدين الروسي الذي خاض إضرابا عن الطعام دام 135 يوما وتزامنت بعض فتراته مع الانتفاضة الشعبية ومعتقلون سياسيون آخرون)، كما هو شأن انتفاضة بني بوعياش وغيرها التي تستوجب منا ذكر معتقليها السياسيين معتقلي الشعب المغربي ومنهم على الخصوص البشير بنشعيب 12 سنة، عبد العظيم بنشعيب 5 سنوات، محمد جلول 6 سنوات، الأخوين عبد الجليل و عبد المجيد بوسكوت و عبد الله أفلاح و أحمد الموساوي 4 سنوات لكل واحد منهم وآخرون.

المجد والخلود للشهيد نبيل الزوهري
المجد والخلود لشهداء الشعب المغربي
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين



16 مارس 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق