2015/03/06

زينة أوبيهي // المرأة هي الثورة


لقد خبرت المرأة السجون وقدمت دمها الغالي لتحيا قضية الرجل والمرأة معا، قضية العمال والفلاحين الفقراء وكافة المقهورين.. 

المرأة هي الأم التي تتحملنا بمتاعبنا وبمتطلبات نمونا حتى نصبح "ناضجين"، رجالا ونساء. وهي نصف المجتمع تقريبا من الناحية العددية، وهي في العمق الاجتماعي أم المجتمع أو خالقة المجتمع في أسسه الأخلاقية ومؤهلات قواه البشرية، وهي المدرسة الأولى للإنسان. لكن المجتمع الطبقي يتنكر لها، وينكر أنها كانت ولازالت هي الأم وهي المدرسة والمربي والراعي الأول لنا والساهر على نمونا، متهما إياها بالدونية وقصور العقل، وينظر إليها كآلة صالحة فقط للإنجاب والطبخ...، في تسييد لمخلفات المجتمعات المريضة المبنية على تمتع طبقة محدودة عدديا بحرية/جرائم الفساد والنهب وتدمير قدرات الإنسان والطبيعة وحرمان الأم والبنت والأخت -أمهات المستقبل- من كل حقوقها الطبيعية والاقتصادية وغيرها كإنسان، واتهامها بكل الرذائل بمعزل عن دور الرجل في ذلك. فهي المتهمة بالزنا دون الزاني، وهي من تطارد بلعنة البغاء دون الطرف الثاني المكمل لممارسة البغاء، وهي المتهمة بتلطيخ شرف العائلة دون مغتصبيها.. ناهيك عن حرمانها من أنشطة وامتيازات، في مجالات مختلفة وفضاءات اجتماعية عدة، محفظة ومسجلة باسم الرجل.. وتحويلها إلى سلعة تباع وتشترى، وهي حالة لم تمح حتى من وسط المجتمعات المسماة متقدمة بالرغم من رزنامة القوانين المدعمة من أعلى الهيئات الدولية، لأن هذه الحالة ليست في حاجة الى القانون وفقط، بل هي في حاجة الى فرص العيش التي توفر الشرف والكرامة للإنسانية. وهو ما يتوقف، ويرتبط موضوعيا، بالمجتمعات القادرة على تحرير قوة الإنسان.. في حين أن المرأة كانت دائما حاضرة في كل الصراعات التي خاضها الإنسان، أي أغلبية المجتمع، في كل مراحل تطور التاريخ، ومازالت ليومنا هذا تسجل وقوفها إلى جانب نصفها الثاني في كل معاركه وتضحياته من أجل الحقوق وحرية الإنسان. لقد خبرت السجون وقدمت دمها الغالي لتحيا قضية الرجل والمرأة معا، قضية العمال والفلاحين الفقراء وكافة المقهورين.. لكن حرية المرأة وحقوقها لم تتجاوز أو تتساوى وحقوق الرجل وحريته حتى في المجتمعات التي تدعي التمدن والديموقراطية، فلازالت أقل حتى من حقوق القوى الاجتماعية التي تتمتع بحرية إعادة إنتاج قوتها، أي الطبقة العاملة، لبيعها للبرجوازية وإنتاج عبيد الرأسمال.. ناهيك عن واقعها في مجتمعاتنا المتخلفة التي ترتعش من جسدها الذي حولته ثقافة عصور الظلام إلى "عورة" ورمز للعار والذنب والجرم وحكم عليه بالتلفيف بالقماش والسجن في الركن المظلم من المنزل لكي لا يغري الرجل.. 
إن هذا الواقع وهذه الحقيقة المرة، أي وضع المرأة في المجتمع، دفعها ولا زال يدفعها الى النضال والمقاومة، من جهة لمناهضة الظلم والاستغلال الطبقيين والنهب والفساد اللذين تعاني منهما الأغلبية الساحقة من المجتمع والتدمير الذي يهدد حياة الإنسان على هذا الكوكب إلى جانب الشرفاء والمضطهدين والمستغلين وكل الأحرار والثوار، ومن جهة ثانية ضد الظلم والاضطهاد والاستعباد الجنسيين اللذين يفرضهما عليها المجتمع في جميع الحقول والمجالات (السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية). ولهذا كان ولازال صراع المرأة صراعا مزدوجا، صراع تخوضه إلى جانب شريكها ضد الاستغلال والاضطهاد الطبقيين، وصراع ثان هو صراع لمساواة الجنسين. وهو ما دفع الحركات النسائية لبناء تنظيماتها لكي تجمع قواها لخوض معركتها التاريخية والشرسة للتحرر من ظلمات المجتمع الرجولي، وهو الجهد الذي أسس ليوم 08 مارس ليكون يوما أمميا للمرأة بعد أنهار من الدماء، وشهيدات معامل النسيج بأمريكا لازالت شاهدة على ذلك كما تشهد على همجية الأنظمة الرأسمالية واستغلالها البشع للمرأة العاملة. وهو نجاح تاريخي يسجل للمرأة الديموقراطية والثورية عبر العالم إلى جانب القوى التحررية، وهو في العمق جزء من مسار تاريخي لتحرر الإنسان. لأن تحرر المرأة هو تحرر للإنسان من قبضة طغمة من البشر تمتص الدماء وتخنق الحياة وتعبث بكل ما هو جميل وخير في هذا الكون. هذا التقدم والنجاح شكل تهديدا لمصالح الرأسمالية عبر العالم، لأن تجمعات المرأة كان يبدو بمثابة نصف قوة المجتمع تنضاف وتنحاز موضوعيا إلى القوة التحررية وتنذر باقتراب موعد جنازة الطبقات المريضة والمتخلفة وسارقة فائض وقوة وثروات المجتمع. وبهذا المعنى، فإن المرأة هي الثورة، وخاصة المرأة الكادحة (العاملة، الفلاحة...). 
والبرجوازية التي تعلمت عبر قرون من الصراع كيفية الحفاظ على مصالحها وعلى سيطرتها لا تترك أي مجال أو فضاء ينفلت من قبضتها، فكلما تبين لها أن هناك تهديد قادم من هنا أو هناك تجند كل قواها من أجل تدميره وتخريبه إن لم تحوله إلى وسيلة وآلية لخدمة مشاريعها والحفاظ على مصالحها.. وهذه الحقيقة تبينت من خلال تاريخ الصراعات التي خاضتها وتخوضها الرأسمالية للحفاظ على سيطرتها ومصالحها. ولهذا كانت المنظمات النسائية هدفا للأنظمة الرأسمالية لتكسير شوكتها وتدمير قدراتها وتحويلها في أغلب الأماكن لأدوات تخدم أجندتها مثلما كان حال النقابات العمالية والأحزاب السياسية. لقد نجحت البرجوازية في مهمتها مع التراجع الذي عرفته الحركات التحررية وانحرافات القيادات الشيوعية التي كانت على رأس القيادة للمعركة الكبرى ضد الإمبريالية وعملائها في البلدان التابعة..
والسؤال الذي يطرح هو لماذا دمرت وتدمر البرجوازية الحركات النسائية ومنظماتها؟ هل فعلا تشكل نضالات المرأة تهديدا للإمبريالية؟ أجل إن التنظيمات النسائية قد أقول وبدون مبالغة هي قوة فعلية داخل المجتمع الى جانب الحزب السياسي الثوري الفعلي للطبقة العاملة وحلفائها. وقد تتجاوز، في حالة بنائها على أرضية سليمة ومبدئية وبعمل جاد ومسؤول، النقابات العمالية من الناحية التنظيمية والنضالية، لماذا؟ أجيب وأقول أولا، لوحدة قضية النساء بغض النظر عن المكانة التي تشغلها في المجتمع سواء كانت عاملة أو فلاحة أو كادحة أو تاجرة صغيرة أو موظفة أو تلميذة أو طالبة.. فالمعاناة في هذا الباب موقوفة على جنسية الأنوثة ولا تميز بين العاملة ولا الفلاحة ولا الموظفة ولا غيرهن من النساء، وهذا لا يعني تساويهن في المعاناة الطبقية. والوحدة والبناء التنظيمي على أساس هذا المبدأ أي مناهضة الاضطهاد الجنسي بمقدوره لف أوسع النساء حول التنظيم النسائي وجمع أكبر قوة في شروط تخلف الأحزاب السياسية والنقابات. وهنا أستعين بنموذجين من التجربة البلشفية من مثل شعار كل السلطة للسوفييتات وشعار الخبز والسلام وهما تكتيكين قلبا موازين القوة لصالح البلاشفة في مرحلة دقيقة بحيث الأول حصل به البلاشفة على الأغلبية داخل السوفييتات والثاني حشد أغلبية الشعب للثورة. وأجيب ثانيا، لأنها تشكل في الغالب نصف المجتمع أو أزيد من الناحية العددية وهذا يعني أن معركتها هي معركة المرأة العاملة ومعركة المرأة الفلاحة ومعركة المرأة الموظفة ومعركة المرأة التاجرة ومعركة المرأة الحرفية ومعركة المرأة الطالبة والتلميذة.. أو بتعبير آخر هي معركة أشبه بالعصيان المدني إن لم تكن هي معركة العصيان المدني نفسه. وهذا ما تتخلف عنه القوى التحررية وما تتجند الأنظمة لمنع نضجه ونموه.
إن هذه الوضعية الواقعية والملموسة أدركتها البرجوازية منذ زمان وأثبتت بقوة مع نضالات المرأة عبر صيرورة من الصراع، وخصيصا في مرحلة المد التحرري عبر العالم. ولهذا جندت أدواتها السياسية، مع ما أصاب الأطراف النقيضة من انحراف وتسييد فهم مغلوط للعمل بني على التنافس مع العدو بنفس أدواته وطرقه، لخلق فسيفساء من المنظمات النسائية الملحقة بأحزابها والمفروضة من فوق عبر التنصيب والانتقاءات والإملاءات، وحصر عملها طبقا لأهداف الأنظمة السائدة وتلطيخ سمعة النشاط النضالي النسائي وتمييعه وتحديد سقف ممارسته (المغرب، نموذجا).. وهذا المستنقع الذي خلقه أعداء العمل التحرري لم تنج منه جل الأطراف المحسوبة على الطرف النقيض، فتحت ذريعة خلق الأذرع للعمل الحزبي، يتم بناء التنظيم النسائي على مقاس يخضع فيه للانتماء ليس الى أهداف القضية التي يتوخى خدمتها بل الى الطرف السياسي المشرف على عملية البناء، ليتم تحييد النضال والتضحية والمبدئية جانبا في عملية بلورة القناعات والمصداقية السياسية التي تؤسس موضوعيا لالتقاء الاختيارات السياسية. وهذه الحالة لا يستثنى منها واقع التجربة المغربية بل هي أكثر حضورا وتجسيدا في التنظيمات السياسية المغربية بمختلف مواقعها، وبشكل موسع وشامل، بحيث لا ينحصر هذا التكتيك التحريفي، وفي الغالب المقصود والمتواطئ، والذي ينسجم وإستراتيجية الأعداء في المنظمات النسائية، بل يمس كل حقول الممارسة، بما فيها النقابات والجمعيات الحقوقية والثقافية والإطارات الصحافية والفنية وغيرها.. فالبناء التنظيمي للقطاعات أو الفئات أو النخب مشروط بالبناء السياسي من الأعلى ولا علاقة له بما يقدمه الطرف السياسي نضاليا وسط المنخرطين على أرضية منسجمة ومصالح المعنيين.. 

زينة أوبيهي
06 مارس 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓




↓للتعليق على الموضوع
تعليقات
1 تعليقات

1 التعليقات:

رسالة أقدم الصفحة الرئيسية