لقد جعلوا فاتح ماي هذه السنة رغم أنف الجميع "العرس الذي ينتهي".. إنه هنا بالضبط "الاستثناء المغربي" أمام العالم أجمع.. إنه الإجماع المفضوح على خدمة مصالح النظام القائم ضدا على مصالح الطبقة العاملة وعموم المأجورين..
لقد دأبنا على تسمية اليوم العمالي التاريخي فاتح ماي بالعرس الذي "لا ينتهي".. واعتبرنا كل أيامنا التاريخية وكل معاركنا أعراسا "لا تنتهي".. لقد قدم الشعب المغربي الشهداء والمعتقلين السياسيين والمنفيين والمشردين وراكم العديد من التضحيات والبطولات.. وقد أبدع الانتفاضات الشعبية ولوحات متعددة من أشكال الاحتجاج والمقاومة.. ونقصد كماركسيين لينينيين بالعرس الذي "لا ينتهي" مواصلة الكفاح رغم القمع الأسود والاضطهاد والكبوات والانكسارات، حتى تحقيق النصر الأكيد. النصر الأول: الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.. والنصر الثاني: الثورة الاشتراكية... وسنستمر بدون شك على طريق أعراس شعبنا التي "لا تنتهي" حتى تحقيق النصر الأخير..
و"نفاجأ" اليوم، عشية فاتج ماي 2015، بقرار بيروقراطي لقيادات خمس نقابات من بين النقابات "الأكثر تمثيلية" (الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفدراليتان الديمقراطيتان للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب) يدعو الى مقاطعة تخليد اليوم العالمي للشغل.
ونتساءل "ببراءة" وبصوت مرتفع: هل من حق هذه القيادات اتخاذ هذا القرار/الموقف السياسي؟
طبعا وببساطة، لا.. على الأقل لأنه قرار فوقي بيروقراطي. فلم تستشر القواعد النقابية، ولم يطرح مشروع القرار كمقترح على الأجهزة المقررة، أو للتداول الواسع بشأنه داخل المجالس الوطنية للنقابات المعنية.. وبدون شك سقط القرار كالصاعقة على رأس الجميع. علما أن مجموعة من الفروع الإقليمية لهذه النقابات سبق أن أعلنت برنامجها النضالي لتخليد اليوم الأممي للعمال، بما في ذلك تحديد مكان وتوقيت انطلاق المسيرات العمالية.
إن الديمقراطية، أبسط قواعد الديمقراطية، تقتضي عرض القرار كمشروع للتداول في شأنه داخل الأجهزة المسؤولة والاستماع الى آراء أوسع القواعد النقابية.
إنه من باب استبلاد الشعب المغربي والطبقة العاملة والمناضلين القول إن "مقاطعة الاحتفالات باليوم العالمي للشغل، وسيلة احتجاج، وتعبير عن غضب الشعب المغربي والعمال من حكومة لم تقدم أي شيء للمغاربة"..
ورغم ذلك، فالمعضلة الكبيرة ليست في إلغاء تخليد فاتح ماي؛ فجل التظاهرات السابقة قد مرت كمناسبات احتفالية (كرنفالات) بعيدة عن أن تشكل محطات كفاحية للتعبير عن واقع البؤس والاضطهاد الذي يعيشه العمال، فبالأحرى أن تشكل حافزا لوحدة الطبقة العاملة ولثورتها القادمة لا محالة، علما أنه كان يتم التصدي بالقوة لحضور المناضلين ولشعاراتهم التي تعكس حقيقة معاناة وآلام الطبقة العاملة وتعطي المعنى الكفاحي للعيد العمالي؛ إنها تكمن في استمرار تربع هذه القيادات البيروقراطية المتعفنة، صاحبة القرار المفجع، على مآسي ومعاناة العمال..
فلا يجب أن ننشغل كثيرا بالأسئلة الثانوية (رغم مشروعيتها) والتي قد نتيه في دروب وأزقة الجواب عنها: لماذا هذا القرار؟ ما هي خلفياته؟ من يقف وراءه؟ خاصة أننا نعلم (تفسير الواضحات من المفضحات) درجة انصياع القيادات النقابية والأحزاب الرجعية والإصلاحية لتعليمات وأوامر النظام.. فهذا الأخير، إذا أراد شيئا يقول له "كن"، فيكون.. والمنفذون دائما هم "أحزابنا ونقاباتنا ونخبنا المفلسة".. ولا نستغرب أن يكون النظام مرة أخرى وراء قرار "الإلغاء" لضرب عدة عصافير بحجر واحد: تفويت الفرصة على الأصوات القوية المنددة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية وبالديمقراطية الشكلية وبالانخراط في العدوان على الشعب اليمني والمستنكرة لاستقبال الصهيوني شمعون بيريز والمتضامنة مع المعتقلين السياسيين ومع كافة الحركات النضالية (20 فبراير والحركة الطلابية والمعطلين...) والحركات الاحتجاجية (السكن، الطرد من العمل، التشريد...). دون أن ننسى أن هذا القرار قد أعفى زبانية النقابات من جريمة القبض على المناضلين وتقديمهم قرابين للنظام، فهذا الأخير قد يتولى المهمة بالمكشوف في حالة أي "تمرد" أو "عصيان"..
إن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: لماذا "استمرار تربع هذه القيادات البيروقراطية المتعفنة على مآسي ومعاناة العمال"؟ أو الى متى"استمرار تربع هذه القيادات البيروقراطية المتعفنة على مآسي ومعاناة العمال"؟
من الوهم في اعتقادي انتظار "دمقرطة" النقابة، أي نقابة، أو الانشغال بذلك، فالمناضل مدعو الى العمل الى جانب العمال والقواعد النقابية (أينما وجدت) حتى داخل "النقابات الصفراء". لكن أن ينقاد المناضلون ويزكون هذه القيادات البيروقراطية المتعفنة وأن يجالسوها وأن يتقاسموا معها مؤامراتها وقراراتها وينفذوها، فالأمر غير مقبول بالمطلق..
يقول مثل سائر: "رب ضارة نافعة". بدون شك "إلغاء تخليد فاتح ماي" هذه السنة قرار ضار ومريع (لا يفرح ولا يستدعي الشماتة). لكن، ما هو جواب الرافضين العملي لهذا القرار؟
إن النافع هنا هو عدم الخضوع/الانضباط لهذا القرار البيروقراطي. وليس ذلك فقط، بل خوض معركة التصدي للإطاحة بالقيادات البيروقراطية المتعفنة وعرابيها، بدء بمقاطعة أجهزتها الشكلية اللاديمقراطية. إنها معركة سياسية طويلة النفس، ولا تتوقف عند مناسبة فاتح ماي أو مناسبة الانتخابات المهنية.. وسيكون ثمنها لا محالة غاليا..
لقد آن الأوان لتسمع هذه المافيا المتجبرة وعرابوها: نحن هنا، انتهى زمن الريع والقطيع..
لا نتوقع فرز قيادات ثورية للنقابات. لكن، لا يمكن أن نقبل بالاستهتار بمصالح الطبقة العاملة وعموم الشغيلة الى هذا المستوى المريع.
30 أبريل 2015
شارك هذا الموضوع على: ↓