2015/09/17

وكزيز موحى// حفل "الإنسانية" بباريس: الحضور والأبعاد..

ابتدأ، بل انتهى "حفل الإنسانية" (Fête de l’Humanité) السنوي بضواحي باريس تحت سماء غائمة وممطرة، وقلقة سياسيا بالنسبة لمنظمي ومسؤولي الحفل الوطني والدولي. يعد الحدث حفلا وكذلك مناسبة تؤرخ كل سنة للدخول
الاجتماعي والسياسي بفرنسا، لما له من رمزية في إطار صراع القوى الاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي وفق جداول أزمنتها السياسية على طول السنة والمرحلة المحددة سلفا والفاصلة بين كل "استحقاق" انتخابي لتولي زمام التسيير والتدبير للشأن العام، محليا وجهويا ووطنيا، وفق ما تمليه المؤسسات الاقتصادية والسياسية للنظام الرأسمالي ببلد كمونة باريس. مند سنين، و« حفل الإنسانية »، حفل الحزب الشيوعي وجريدته "الإنسانية"، يستقبل آلاف الزوار والمؤيدين والمتعاطفين مع القيم التقدمية والاشتراكية، بل وحتى الزوار المتشبثين بنمط الرخاء الاجتماعي والعيش الكريم والاستمتاع بلحظات الحفل المتميز وطنيا ودوليا. وإن ما يميز الحفل هو كونه مناسبة انطلاق وختام حياة سياسية تنطلق عبر خطب وإشارات سياسية قوية لزعماء الحزب الشيوعي وحلفائه لترتيب بيت التحالفات السياسية والانتخابية "لليسار" الفرنسي. مثلا، بعد فرانسوا متيران في السبعينات، يستقبل الحزب الشيوعي رموز جبهة سيريزا باليونان وجبهات "اليسار" بألمانيا وفرنسا وحتى حزب العمال البريطاني. والآن، يستمر الحفل ولم يفقد شيئا من حيويته ومن رمزيته التي تأسست بفضل الطبقة العاملة الفرنسية رغما عن التحولات اليمينية للحزب الشيوعي الفرنسي ونقابة الكنفدرالية العامة للشغل (CGT). يعد الحفل كذلك فضاء شاسعا له القدرة على احتواء كل الأطياف السياسية والفكرية والثقافية، ولقاء يستقطب اهتمام كل القوى على الصعيد العالمي، بما فيها من يخالف المنظمين والمسؤولين عن الحفل في الرأي والموقف والتصور السياسي. 
عمل المناضلون المغاربة وذلك بشكل أو بأشكال مختلفة منذ مدة وانتبهوا للأمر، مما يعني إمكانية الحضور النضالي والسياسي من أجل خدمة قضايا التغيير بالمغرب. ولم يرتكز عمل المناضلين ولم يختصر في رفع الشعارات بالمناسبة أو غيرها، بل أسسوا لممارسة انطلقت منذ مدة طويلة. وكان من بين ثمار هذا الحضور النضالي المنتظم والمسؤول الحملة الدولية من اجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتضامن مع المضربين عن الطعام، والتي ساهمت في تعرية النظام وإطلاق سراح العديد من المعتقلين السياسيين وكسب التعاطف معهم ومع قضايا التغيير بالمغرب. عمل المناضلون، ولو في حدود إمكانياتهم المتواضعة جدا. وأحيانا، كان العمل يستقيم ولو بمجهودات فردية. باختصار، استجمع المناضلون قواهم وخلقوا شروط ممارسة سياسية وإعلامية وازنة فرضت نفسها على الجميع وفاقت قدراتها ومعانيها، أي الممارسة، فكرة التضامن مع المعتقلين السياسيين وحسب. بل انتظم الفعل في مجالات مختلفة وأصبح دعامة أساسية لانتظام الفعل العام للمناضلين. إلا أن تجربة الحضور والتميز السياسي والنضالي الوازن الذي أسس في مجالات عدة، بما فيها حفل الإنسانية، عوض أن يحضى بالتنويه والتشجيع والانخراط النضالي المسؤول باحتضانه من طرف من هم معنيون أو على الأقل مدعون. عوض ذلك، انطلقت حملة مسعورة على المناضلين الفاعلين بالميدان وبشكل مستمر ووصفوا بالطابور الخامس للنظام وتهجم البعض الآخر منتحلا أسماء الشهداء ومختبئا في جبة الأسماء المستعارة على المناضلين، وهناك من توسل النظام لاعتقالهم. وذهب البعض الآخر الى مؤاخذة المناضلين على الحضور بحفل الإنسانية ووصفهم نظرا لذلك بالتحريفيين، وهلم جرا. وها نحن والتاريخ، نشهد على من عاتبنا واتهمنا بأقذع الأوصاف وكافة النعوت البشعة والأحكام الجاهزة يتسابق ويتراشق من أجل الحضور بالحفل المذكور، ليس من أجل الانخراط في الفعل الجاد والمسؤول، بل من أجل البهرجة والتسابق المجاني ليقول الكل "ها أنا". بل والخطير في الأمر، وهذا ما أدعو المناضلين الى الانتباه إليه، أي الركوب على مجهودات وتضحيات المناضلين الذين عملوا ويعملون دون "الكاميرات" والأضواء لمجرد الظهور في الواجهة، ثم كسر أنوية الفعل النضالي المتميز والتشويش على التربية النضالية الجادة للمناضلين بالخارج. وهذا هو بيت القصيد "للحضور" بالحفل وغير الحفل، باسم الثورية والماركسية... الخ، للتشويش على المناضلين وفعلهم. ومن موقعي، أدعو مرة أخرى، المناضلين الى اتخاذ الحذر وعدم السقوط في الأفخاخ المنتصبة على طول وعرض مسار معاركنا الطويلة الأمد والنفس...
وكزيز موحى فرنسا 15 شتنبر2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق