موحى وكزيز، فرنسا ٢٢ اكتوبر٢٠١٥
استمرارا لمقالي باللغة الفرنسية حول الوقاية الاجتماعية protection sociale المنشور بالمدونة (lutte-radicale.blogspot.fr/2015/10/a-loccasion-des-70-ans-de-la-securite.html)،
وبهدف المزيد من الوضوح وجعل موضوع الوقاية الاجتماعية في صلب الاهتمامات الأولية الفكرية والسياسية والميدانية للمناضلين وخاصة منهم من يشتغل بالحقل النقابي وبصلة دائمة مع العمال والمأجورين، أعود للموضوع:
إن الوقاية الاجتماعية للعمال ولسائر أفراد المجتمع موضوع شائك، تقني ونقابي لكنه سياسي بامتياز، بالنظر الى جوانبه المالية source de financement والاقتصادية وكذلك الانعكاسات الاجتماعية لحضور أو غياب الوقاية الاجتماعية موضوع التجاذب والصراع بين العمال والرأسماليين أو بين الأجر والرأسمال.
حاولت من خلال البيان أدناه voir graphique joint أن أوضح ولو باختزال موضوع تمويل صناديق الضمان الاجتماعي صلب الموضوع والصراع النقابي بين الأجراء والرأسماليون، وركزت على النموذج الفرنسي باعتباره "أرقى" نماذج التغطية الاجتماعية على الصعيد العالمي. إن الحاجة ملحة هنا والآن نظرا لأهمية وملحاحية موضوع غياب نظام الوقاية الاجتماعية بالمغرب بالمواصفات وآليات التمويل لضمان وضع اجتماعي وصحي للمواطنين أي أن الحديث عن أي تطور وأي نهوض بالمستوى المعاشي والصحي والاجتماعي للعمال وسائر الأجراء لا يمكن تحقيق مستوياته الدنيا إلا بالمطالبة وتحقيق نظام اجتماعي يقوم على أسس مالية تجبر الرأسمال على المساهمة في تأمين حياة دنيا للأجراء وسائر المواطنين من خلال إجباره على تمويل الوقاية الاجتماعية.
إن مطلب نظام الوقاية الاجتماعية للمواطنين مطلب حساس للغاية ورفع هذا المطلب لوقاية وحماية الأجراء وكل المواطنين ليس فقط اهتمام نقابي صرف رغما عن أن النقابة معنية عمليا وتطبيقيا قبل غيرها من المؤسسات بالموضوع، وذلك من موقع تنظيمها وتأطيرها للعمال. وهي المعنية بالدفاع عن المطالب العمالية وخاصة الاجتماعية منها.
إن عقد العمل contrat de travail ملزم بإجراءات قانون الشغل droit de travail ويفترض في هذا الأخير أن يحمي الطرف الضعيف في العقدcontrat أي الأجير بالنظر لوضعه كطرف ملحق subordonné بالطرف الآخر القوي أي الرأسمالي والعقد الذي يربطه بالرأسمالي هو في كل الأحوال عقد غير متكافئ contrat déséquilibré نظرا لطبيعة الأطراف وقوتها ونظرا لعلاقات الإنتاجrelation de travail ou de production التي تجعل من الأجير وسيلة من وسائل الإنتاج أي أن الرأسمالي هو الطرف القوي للعقد والعامل يشكل الطرف الضعيف للعقد. وانطلاقا من هذه المعادلة استطاع العمال عبر عقود من النضال والصراع انتزاع إجراءات وقوانين يجمعها قانون الشغل يدعي نظريا على الأقل حماية الأجير، أي الطرف المستغل والتبعي exploité et aliéné، من خلال تأطير عقد العمل (تحديد ساعات العمل والراحة والعطل والأجر والوقاية الاجتماعية للأجير... الخ)
إن الرأسمالي والأجير من خلال علاقتهم العقدية والإنتاجية يتناحران ويتصارعان ويختلفان في كل شيئ: حول العلاقة الإنتاجية التي تربطهما وكذلك حول المطالب الاجتماعية وبالخصوص حول من سيساهم في الحماية الاجتماعية والصحية للأجير، الطرف الضعيف للعقد حسب قانون الشغل. إن معادلات الصراع الطبقي بفرنسا أرغمت الرأسمال والدولة بعد الحرب العالمية الثانية على التفاوض مع العمال بموجب الوقاية الاجتماعية واستطاعت الطبقة العاملة الفرنسية وضع نظام اجتماعي système de la sécurité sociale يحمي العمال ويضمن حياة اجتماعية وصحية لكافة المواطنين وأرغمت الطبقة العاملة الفرنسة وبمساندة المجلس الوطني للمقاومة le conseil national de la résistance والنقابة CGT والحزب الشيوعي PCF آنذاك الرأسمال والدولة على التوقيع على نظام الوقاية الاجتماعية وحددت مصادر تمويل système de financement هذا النظام الاجتماعي، أي أن مصدر تمويل نظام الوقاية الاجتماعية هو الأجر الخام salaire brut للأجير ومساهمة الرأسمال cotisation (أنظر البيان أدناه)، وهذا ما يفسر الخدمات الصحية والاجتماعية ذات المستوى المتقدم بفرنسا أي أن الرأسمال مجبر نظرا لقوة الطبقة العاملة على رفع الأجور بما فيها الأجر الخام وإجباره أي الرأسمال على المساهمة المالية في تمويل صناديق الضمان الاجتماعي، أي أن ما يعادل الأجر الصافي للأجير يتم صرفه بالصناديق الاجتماعية. وهذا ما انعكس على المستوى المعاشي للأجراء والمواطنين بفرنسا.
هذه الوضعية ستعرف تحولا ليس لصالح العمال، بل لصالح الراسمال. في بداية الثمانينات اتخذ رئيس الدولة وحكومته قرارا خطيرا ولبى دعوات الرأسمال بعدما تمكن من لجم وتقييد أيادي القوى السياسية والنقابية للعمال عبر ما يسمى ببرنامج الجبهة الشعبية للحزبين الاشتراكي والشيوعي، قلت لبى الرئيس الدعوات والمطالب الملحة للرأسمال وكان أول هذه المطالب هو تجميد الأجور وتقليص المساهمة المالية للرأسمال في تمويل صناديق الضمان الاجتماعي (أحيل على الإصلاحات المالية والاجتماعية في عهد فرانسوا متيران) وعوض الرئيس اليساري مساهمة الرأسمال في تمويل صناديق الضمان الاجتماعي بضريبة على الدخل الصافي للأجير المسماة المساهمة الاجتماعية المعممة «CSG : la contribution sociale généralisée ». وهكذا دشن فرانسوا ميتيران الطريق نحو التخلي عن نظام تمويل الوقاية الاجتماعية كما وضع أسسه الوزير الشيوعي أنبرواز كروازا Ambroise Croizat. دشن ميتيران منحى خطيرا ومضرا بالعمال والمواطنين، ومنذ ذاك التاريخ والرأسمال يشن حملاته وحروبه على العمال والمواطنين بتقليصه لحصته في تمويل النظام الاجتماعي وصناديقه، بل وتجميد تلك الحصة وبالتالي تجميد الأجر الصافي والخام أي مما يعني تدهور الخدمات الاجتماعية والصحية بفرنسا لكل المواطنين والأجراء والمتقاعدين والأطفال والنساء هم أول ضحايا هدا المنحى الذي دشنه الحزب الاشتراكي وزعيمه فرانسوا ميتيران.
واستمر هذا المنحى الى حدود الآن، وكان "الشرف" للحزب الاشتراكي الفرنسي في هدم حجر الزاوية لنظام الوقاية الاجتماعية بعدما أعفى الرأسمال من حصصه المالية لضمان التمويل الأدنى للصناديق الاجتماعية.
إن المستهدف الأول من هذه الهجمة هو الأجير والعامل بعدما يتم تقليص أجره وإجباره على العمل أكثر فأكثر بأبخس الأجور. إن الأجير بعد صرفه لأجره الصافي المدعو والمجبر على الانخفاض مطالب ثانية بالاسهام في تمويل صناديق التغطية الاجتماعية أي أن النتيجة في آخر المطاف هي المزيد من تقليص أجر الأجراء والعمال والمزيد من إعفاء الرأسمال من واجبه في الإسهام في تمويل نظام الوقاية الاجتماعية رغما عن أن الرأسمال يمتص حصة الأسد من الإنتاج العام الوطني والدولي.
أما بالمغرب فان الطبقة العاملة ترزح تحت نظام اجتماعي تفصله مسافات بعيدة بعد السماء عن الأرض عن النظام الاجتماعي بفرنسا. ولهذا أدعو المناضلين على الانكباب على موضوع الوقاية الاجتماعية وجعله في صلب انشغالاتهم اليومية والفكرية لصقل أرضية عمل نقابي وسياسي جاد في صفوف العمال وسائر الأجراء...
شارك هذا الموضوع على: ↓