"سلم على أمي وعلى أختي التي تركت عندها جنينا لست أدري هل وضعت أم لا؟ أهو ذكر أم أنثى؟ أعذرني يا والدي العزيز لقد صنعتني ثوريا. لقد كان بودي أن أعمل إلى جانبكم لأساعدكم على الرفع من مستوى عيش الأسرة. لكن يا أبي صنعتني ثوريا".
هكذا راسل الشهيد و الإطار الكبير في منظمة '' إلى الأمام'' عبد اللطيف زروال والده عبد القادر قبل استشهاده بقليل كلمات صادقة ومعبرة، كلمات نابعة من أعماق مناضل ثوري حقيقي هزم النظام من خلال صموده البطولي وتحديه الخارق. فرغم سياط الجلادين والتعذيب الوحشي الذي مورس في حقه لمدة تجاوزت الأسبوع في دهاليز وأقبية النظام لم يبح ولم ينهار أمام سادية العدو إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة من دون أن يعلم أحد مثواه الأخير، سوى الأيادي الملطخة بدمائه ليلة 14 من نونبر لسنة 1974، كلمات نابعة من صلب أحد كوادر منظمة ''إلى الأمام''، أحد القادة الذين عبدوا الطريق للخط الثوري بقلمه وبدمه الطاهر. لقد ساهم في إغناء رصيد المنظمة بشكل خاص والحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم) بشكل عام، هذه الحركة التي عرفت النور في أحلك الشروط، شروط البطش الهمجي والقمع الدموي، وأرست أولى لبناتها مع الرد الانتقامي العشوائي ضد قادة الانقلابيين العسكريين. لقد قاومت وأسست ولادتها العسيرة تحت نيران العدو. كلمات متواضعة وفي تواضعها تكمن قوتها، كلمات تزلزل الصخور تحت أقدام الساديين والمجرمين والانتهازيين والمتخادلين وترتعش من عمقها الأيادي المضطربة والخائنة.
ها نحن اليوم نخلد الذكرى الواحدة والأربعين على استشهاد أحد الأبطال الثوريين الناذرين الذين افتقدتهم ''الحملم'' والشعب المغربي معا، أحد الرموز الماركسيين اللينينيين، أحد الأبطال، فكرا وممارسة، الذين صنعوا أحداث التاريخ المعاصر بدون ضجيج. لقد ألقوا على كاهلهم المهام الملحة للحركة الثورية، مهمة البحث اليومي والفعل الدائم للربط الجدلي بين النظرية والممارسة في أفق بناء الأداة الثورية، الدرب الوحيد لانعتاق وتحرر الشعب المغربي من نير الاستغلال والاضطهاد الطبقيين. لقد اتخذ المناضلون الحقيقيون من كلمات بسيطة ومتواضعة أسماء لمشاريع الحزب الثوري بل من حرف ''الألف'' و''الباء'' أسماء لتنظيمات ستقض مضاجع النظام، واعين كل الوعي بأن ذات التنظيم في صراعها الطبقي الذي تخوضه ضد النظام هو من سيصنع الاسم والعكس غير صحيح. لم يبحثوا عن أسماء من خلالها ندرك ونتعرف فور قراءتنا لها على هويتهم النضالية ومرجعيتهم السياسية والإيديولوجية. بل العكس، فمن خلال النظرية والممارسة ستأخذ أسماء التنظيمات الثورية هوية لها. كيف لا وهم من خبر أن "الحزب الشيوعي المغربي" ليست له من الشيوعية إلا الاسم. لقد كانت مهمتهم الملحة هي كيفية بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو.. لقد كرس الشهيد عبد اللطيف زروال حياته اليومية للعمل على الدفع بعجلة الصراع نحو إحداث القفزة النوعية في التنظيم. لم يتوان ولو ثانية واحدة للتفاعل والإجابة العلمية على الإشكالات السياسية والتنظيمية القائمة حينذاك. كان الحضن الدافئ والقلب الكبير والقلم الرصين.. فرغم الضغط والجمر والرصاص كان يكتب ويحلل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. كان ينظر بالفعل (التحليل الملموس للواقع الملموس)، ولم يكن يسب، يمينا و شمالا. لم يكن يوزع أحكام القيمة والتهم المجانية. ولم يكن يصنع "التوابع" المريضة... فالمناضل يكتب ليسير القطار على سكته الصحيحة ولا ينتظر تقادم الأحداث السياسية ليطالها الصدأ والارتداد.. كان يرد على المتآمرين في الوقت الذي ترتجف فيه أقلام ''الشيوعيين''.. كان يكتب في وقت الهجوم الشرس الذي كان يشنه العدو و"الصديق".. كان يكتب ليتصدى لعمليات التآمر.. كان يكتب ليحارب الانتهازية والانتظارية المغلفتين بذريعة الغموض الإيديولوجي.. كان يكتب ليفضح من ينطلي عليهم المثل الشعبي ''إذا ماتت البقرة تكثر السكاكين''..
وبعبارة أخرى خلت الحلبة فكثر الضجيج...
شارك هذا الموضوع على: ↓