2015/12/17

حسن أحراث// نتف ثلج من ذاكرة ساخنة (عندما أغلقت المدرسة العليا للأساتذة بمراكش)

في مثل هذا الشهر من سنة 1983، وبالضبط يوم إعلان وفاة الأمير عبد الله (الثلاثاء 20 دجنبر 1983)، أغلقت المدرسة العليا للأساتذة بمراكش.

كيف ولماذا؟
كانت سنة 1983 بمراكش محطة ساخنة. لقد عرفت نضالات متواصلة، خاصة بالكليات الثلاث (العلوم والحقوق والادب)، جامعة القاضي عياض، وبالعديد من المؤسسات التعليمية الثانوية؛ حيث كان مجموعة من التلاميذ والطلبة محط مضايقة ومتابعة لصيقة، بل وقد وصل الأمر بالأجهزة القمعية الى حد المطالبة برأس الشهيد مصطفى بلهواري (كلية العلوم) الذي اضطر الى خوض تجربة السرية منذ ذلك الحين.
لم يقتصر الأمر حينذاك على التلاميذ والطلبة. لقد كانت الحياة السياسية والنقابية والثقافية في البلاد عموما على صفيح ساخن. فلم تجف بعد شوارع مدينة الدار البيضاء من دماء شهداء انتفاضة 20 يونيو 1981، ولم تزدد إبانه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا تفاقما، مع تثبيت أعمدة برنامج التقويم الهيكلي لخدمة المصالح الطبقية للنظام والأهداف الإستراتيجية للامبريالية. 
وأذكر أنه في خضم ذلك الزخم النضالي ذي البعد الأممي، نظمنا مسيرة بمناسبة ذكرى يوم الأرض (الأربعاء 30 مارس) التي يخلدها الشعب الفلسطيني بكل ما يتطلبه الأمر من تضحيات. لقد انطلقت المسيرة من سوق الأربعاء بحي باب تاغزوت حوالي الساعة الرابعة ولم "تستيقظ" الأجهزة القمعية حتى وصولنا الى ساحة جامع الفنا. وتم بدون شك مطاردة المشاركين في المسيرة الناجحة دون أن يتمكنوا من فك "شفراتها"، أي الوصول الى منظميها.
كانت اجتماعات سرية هنا وهناك، وكانت لقاءات واتصالات بمراكش وبمدن أخرى (الرباط ووادي زم...). 
من يذكر الآن الوفاة المشبوهة للأستاذ بن رضى بمدينة وادي زم؟ من بحث في ملابسات وفاته الغامضة أو اغتياله الصامت؟
من وقف عند مأساة حوالي أربعين (40) تلميذا الذين حوكموا بسرعة البرق في مطلع سنة 1984، ووزعت على كل واحد منهم سنتان سجنا نافذا؟
مياه جارفة مرت تحت الجسر سنة 1983 وسنة 1984 (ومن قبل ومن بعد).. لكن، من يجرؤ على "تشريح" تلك الحقبة السوداء؟ وللتاريخ من يجرؤ على "تشريح" كامل تاريخنا؟ إنه التحدي الكبير أمام المناضلين. فإن ترفع معاول "التشريح" العلمي، لن يجد أحد الوقت لرفع معاول الطعن من الخلف أو التخوين أو المزايدة.. وهلم جرا.
لنعد الى إغلاق المدرسة العليا للأساتذة بمراكش..
لقد عقدنا عدة اجتماعات بمراكش كطلبة أساتذة، وتواصلنا بطلبة أساتذة آخرين بمدينة الرباط، وخاصة بالمدرسة العليا للأساتذة بحي التقدم. 
وفي الأخير، استقر رأينا على عقد جمع عام بالمدرسة العليا للأساتذة بمدينة مراكش (كان مقرها بحي الداوديات، شارع علال الفاسي) يوم الثلاثاء 20 دجنبر 1983 بعد الزوال.
وبكل مبدئية ومسؤولية، تجندنا لإنجاح تلك المحطة النضالية النوعية، خاصة أن للمناضلين إشعاع قوي بهذه المؤسسة، وأقصد بالدرجة الأولى الرفيقين محمد فخر الدين غندي (07 سنوات سجنا نافذا، في إطار مجموعة مراكش 1984) وعبد الله العمراني (ثماني سنوات سجنا نافذا، في إطار مجموعة مراكش 1984).
ونحن في طريقنا الى أرض المعركة، حوالي الساعة الثانية بعد الزوال، أعلن عبر القنوات الرسمية عن وفاة الأمير عبد الله.. لم نعلم بذلك حينه.. لقد فجرنا معركتنا بحماس منقطع النظير. كل الطلبة الأساتذة تجاوب مع مبادرتنا النضالية. امتلأ المدرج عن آخره. 
وأنا أقرأ بيان التنسيق للطلبة الأساتذة بمجموع المدارس العليا للأساتذة، تدخل الحرس الجامعي (الأواكس) بكل عنف ودموية لإجهاض المعركة. لقد سادت "الفوضى" داخل المدرج (الطايح أكثر من النايض). 
وأذكر للتاريخ، أن محمد الرقبة، الأستاذ حاليا بثانوية أبي العباس السبتي التأهيلية لمادة الرياضيات، الطالب أستاذ حينذاك (جمعنا نفس التخصص، الرياضيات)، قد تدخل بشكل انتحاري لإنقاذي من مخالب "الأواكس" الشرسة. وتعرض نتيجة ذلك لطعنة غادرة كادت أن تؤدي بحياته.
لقد شهدت المدرسة العليا للأساتذة بمراكش ذلك اليوم المشؤوم حدثا مأساويا. تجند "الأواكس" بشكل غير مسبوق لقمعنا. ولم ندرك سبب ذلك الجنون، أو أحد أسباب ذلك حتى عودتنا الى معاقلنا، وطبعا غير سالمين، أو على الأقل البعض منا (حالة الأستاذ الرقبة، خاصة). 
ومباشرة، أغلقت أبواب مدرستنا "الحلوة/الجميلة". واستمر الإغلاق حتى بداية شهر يناير، حيث ضرورة إجراء الاختبارات الجزئية (كنا حينه بالسنة الثالثة، شعبة الرياضيات).
اجتزنا الامتحانات في هدوء تام.. واستمرت "الحياة" على صفيح ساخن.
كان ذلك إحدى المقدمات المشتعلة لتفجير انتفاضة يناير 1984 المجيدة من القلعة الحمراء. 
كانت الاعتقالات بالجملة. وحظيت بعد سكون العاصفة (الصباح الباكر من يوم الاثنين 27 فبراير 1984) بزيارة خفافيش الليل. وتوجت الزيارة غير الميمونة وبعد أكثر من شهر من التعذيب الفظيع، بحكم مثير: 15 سنة سجنا نافذا.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق