23‏/01‏/2016

م.م.ن.ص// تونس: "انتصار" الثورة المضادة لا يعني هزيمة الجماهير الثائرة

بعد مرور أكثر من خمس سنوات على قيام ثورة 14 يناير 2011 المجيدة التي قدم خلالها الشعب التونسي ملحمة بطولية ألهمت شعوب المنطقة والعالم وأرغمت
واحدا من أعتى ديكتاتوريات منطقة شمال افريقيا، الذين حولوا المنطقة الى جنة المستعمرين بتأمينهم الاستغلال الوحشي للعمال والكادحين واستنزاف الخيرات المحلية، على الفرار؛ لا يزال النظام على حاله ولم يحدث فيه أي تغيير من وجهة نظر الطبقة العاملة وعموم الكادحين التونسيين. فالبرجوازية الكمبرادورية العميلة والمدعومة من طرف الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية والمغاربية أرخت قبضتها المترددة على السلطة السياسية واستطاعت ترميم ذاتها من خلال لعبة الانتخابات التشريعية والرئاسية.
فالجماهير التي أرغمت بن علي على الفرار، وواجهت قواته العسكرية، وقدمت الشهداء، وتمسكت بإسقاط النظام، لم تستطع أن تدمر البرجوازية، أي طغمة الكمبرادور التي تتحمل كل ما عاشه ويعيشه الشعب التونسي من مآسي منذ الاستقلال الشكلي الى اليوم؛ وانتزعت منها السلطة السياسية، من خلال بقايا النظام و"ممثليها" السياسيين المزعومين الأكثر تخلفا وظلامية. لقد تهيأ النظام في حلته الجديدة بكل وضوح وبالجهر للدفاع عن الامبريالية والعلاقات الرأسمالية التابعة والخضوع لإملاءات مراكز القرار المالي مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وقمع ثورة الكادحين منذ البداية. ولم يكن ليحدث هذا سوى لنفوذ وهيمنة البرجوازية الصغيرة في شخص من يعرف الآن بالقوى "اليسارية الإصلاحية" (مكونات "الجبهة الشعبية" حاليا...) وبيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل التي حققت ما عجز عن تحقيقه بن علي بجيشه وبمناوراته السياسية في أيامه الأخيرة.
 وهكذا لم تتغير الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لبواعث الغضب والتمرد والانتفاض. فإن كانت الثورة قد أجهضت على يد قوى الثورة المضادة فإنها لم تدفن نبض الشعب وفوران وغليان الشوارع، لأنه وبكل بساطة  لم يتحقق أي من مطالب المنتفضين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل إن أوضاعهم تفاقمت وزاد التدهور بشكل فظيع وتوسعت قاعدة البطالة والفقر مع الإنزال لمخططات طبقية تستهدف حقوق ومكتسبات كانت محصنة في عهد الديكتاتور بنعلي. وتحولت أجهزة الدولة الى وسيلة لقمع الاحتجاج والحركات المطلبية في يد البرجوازية من خلال ممثليها السياسيين "نداء تونس" و"حركة النهضة"، لتترك الجماهير على موعد مفتوح على مصراعيه مع الشوارع. 
إن اندلاع الغضب الشعبي الذي أعطى انطلاقة شرارته شباب ولاية القصرين وتواصله لحدود الآن، لما يقارب أسبوع، وتوسعه لباقي المدن التونسية، عرى مسار الانقلاب الذي قادته طغمة بن علي، وقدم دليلا آخرا يثبت أن انتصار الثورة المضادة لا يعني هزيمة الجماهير الثائرة. فالجماهير التي صنعت ثورة 14 يناير وأرغمت الدكتاتور على الفرار لن يستحيل عليها صناعة محطات نوعية جديدة. إنها المعارك المتواصلة التي يحتاج لنجاحها التنظيم الثوري على أرضية الصراع  الحاد مع ممثلي رأس المال وعملاء المعمرين والصهاينة لتنحيتهم ودفن الرأسمالية التبعية بما تحمله من تناقضات وتشييد على أنقاضها نظاما وطنيا ديموقراطيا شعبيا كبديل حقيقي لضمان العيش الكريم والحرية للشعب التونسي وفتح الآفاق لبناء الاشتراكية. لأن أساس المآسي والشر هو التبعية للامبريالية من قبل نظام الانقلاب على ثورة 14 يناير.
 وبالمناسبة، نعود لنشر مقال ل"تيار البديل الجذري المغربي" نشر بمناسبة مرور الانتخابات التشريعية ليوم 26 أكتوبر 2014 انطلاقا لقيمته التحليلية في ملامسة اللحظة التاريخية ولموقفه القوي الذي تثبت تطورات الصراع الجاري حاليا صحته وصوابه.


البديل الجذري//العملاء يمسكون قبضة السلطة بتونس
2014 / 11 / 3

"بعد لعبة الانتخابات التشريعية ليوم 26 أكتوبر بتونس، يستكمل النظام القديم عملية الترميم لذاته بوضعه السلطة في يد بقايا نظام بن علي المجرمين وقتلة الشعب المنتفض.. في يد القوى الرجعية صاحبة الخبرة والباع الطويل في صنع الأغلبية الوهمية والمسرحيات والمشاهد الخادعة، المدعومة بالمال والإعلام والسلاح من طرف الإمبريالية والصهيونية والرجعية بالمنطقة العربية والمغاربية، متمما بذلك مشروعه المضاد لثورة 14 يناير المجيدة، وللانتفاضة التي عصفت برموز نظام بن علي، والتي قدم خلالها الشعب التونسي البطل تضحيات عالية تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل"، الشعارات التاريخية الخالدة التي ألهمت شعوبا لا تختلف وضعيتها وظروفها في شيء عن واقع الشعب التونسي. 

مسرحية 26 أكتوبر، كانت فيها القوى "اليسارية الإصلاحية" (الجبهة الشعبية...) والبيروقراطية النقابية التي سارت خلف تكتيكات مهندسي النظام ملح الطعم الخادع والكاذب ورداء للإثارة والتزيين. وتأكد أن المنافسة الانتخابية في عصرنا تحت سقف لعبة "الديمقراطية التمثيلية" مع الأقلية المسيطرة على الرأسمال والثروة والإعلام وذات الخبرة العريقة في صنع الوهم والخداع وتسويقه والمرتبطة بمئات الخيوط مع القوى الاستعمارية، هي لعبة خاسرة وفاسدة، ولن تكون معبرا لضفاف مستقبل يصنع فيه البديل للشعوب والعمال ويشيد من خلاله السيادة الوطنية وسلطة الشعب وسيطرته على ثرواته وخيراته واسترجاع ما نهب منه وتقديم القتلة والمجرمين لعدالة الشعب.. فأقصى ما قد تسمح به هو الصياح داخل المؤسسات لمن لا يرضيه المشهد أو لم يقبل بالنصيب المقدم له من الكعكة.
هل فعلا خيار المشاركة كان مفيدا لاستكمال المسار الثوري؟ وهل سنصدق أن الثورة قد تستكمل من داخل البرلمان؟ هل من البرلمان ستصنع السيادة على خيرات البلاد؟ وهل الشعب قدم تضحياته من أجل أن ينعم بيوم للاقتراع أم من أجل بناء سلطته الفعلية؟.. هل كان المطلوب هو عزل أنصار الردة والانقلاب عن ثورة الشعب التونسي البطل وعرقلة مشروعهم وإخراج وتأطير الجماهير التي صنعت 14 يناير للشوارع لنسف وإفشال مشاريعهم أم مشاركتهم اللعبة والتوافق على تلطيف الصراع حسب الأدوار لاستدراج الجماهير لصناديق الاقتراع لانتداب جلاديهم وللإجهاز على المسار الثوري؟.. هل كان سليما تزكية وهم التمثيل من خلال لعبة الانتخابات ورهن الشعب ومصالحه لسنوات نيابية بيد سماسرة الانتخابات والجلادين والقتلة؟.. ومن يكون الباجي القايد السبسي وجماعته غير بقايا النظام المجرم..؟ ومن يكون الغنوشي وإخوته على رأس "حركة النهضة" غير من نقلتهم أنظمة الخليج إلى تونس بترتيب محكم مع الإمبريالية والصهيونية ومولتهم ودعمتهم لسرقة الثورة من أصحابها الفعليين وتسريب الظلاميين لليبيا وسوريا والعراق.. لتدمير نضالات الشعوب التواقة للحرية والانعتاق؟ فهل المطلوب المعارضة الجذرية لمسار هؤلاء الأعداء في ظل الحماسة والغليان الشعبي أم قبول التوافق معهم والترتيب لخوض اللعبة إلى جانبهم وتصريف وهم سلطة صناديق الاقتراع؟ إنه من السذاجة الاعتقاد بقدرة إسقاط من يسيطر على الثروات والأموال ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش والأجهزة القمعية الأخرى من خلال الانتخابات!! إنها الخيانة عندما يكون الموقف موقف من ينسبون أنفسهم لليسار الماركسي والطبقة العاملة مثل مكونات الجبهة الشعبية والبيروقراطية النقابية للإتحاد العام الذين ثبت عجزهم عن النظر للبلاد وللمشروع السياسي والمجتمعي باستقلال عن العلاقة مع الرأسمالية.
هل العمال والمعطلون والفلاحون المعدمون وكل الفئات المفقرة يعنيها فوز "نداء تونس" أو تراجع حركة النهضة للصف الثاني؟ هل الكادحون الذين اكتووا بنار المخططات المملاة من لدن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يعنيهم صعود هذا الوكيل أو ذاك؟ من المستفيد من صناديق الاقتراع في ظل سيطرة أصحاب رأس المال على كل مراكز القرار؟ ومن ستريحه هذه اللعبة دون هؤلاء والى جانبهم الفئات الوسطى المتذبذبة والانتهازية؟.. إن الباجي القايد السبسي وفريقه المشكل من مجرمي وقتلة الماضي الأسود، والذين برأهم القضاء بعد لعبة الاستدعاء لامتصاص الغضب الثوري، ذوو ماض مكشوف للشعب التونسي ورعايتهم لمصالح الرأسمال الإمبريالي والصهيوني لا غبار عليها، و"حركة النهضة" أبانت عن عمالتها للإمبريالية والصهيونية وللأنظمة الرجعية الخليجية وانكشفت أدوارها الظلامية بعمق أكبر وعلى أرض الميدان أثناء وجودها بالسلطة، وأبانت بالملموس عن طبيعتها كحركة إرهابية حامية لمصالح قوى النهب وخاضعة لإملاءات مراكز القرار الإمبريالي. وهؤلاء هم أصحاب القوة المالية والإعلامية وأصحاب النفوذ والقرار السياسي الحاسم، وهؤلاء هم المدعومون من مختلف مراكز القرار لتنفيذ مخطط إقبار الزخم الثوري وفرملة الصراع الطبقي، وهؤلاء هم أعداء الثورة وأعداء التحرر وأعداء تحرير الاقتصاد والثروات الوطنية، وهؤلاء هم أعوان البنوك الدولية المانحة للقروض لتمرير المخططات المجحفة في حق الشعب التونسي، وهؤلاء هم الضمانة لاستمرار التبعية وسياسة تحرير الأسواق ولتعميق التدهور والتردي والأزمات ولرفع وتيرة القمع والاضطهاد.. لذا، فالشعب غير معني لا بفوز هذا ولا ذاك ولا في تحالفهما أو في "تقاطبهما". بل إن الواقع الذي أفرز الزخم الثوري لازال مستمرا وسيتعمق في ظل المخططات القادمة المضمونة للتطبيق من طرف الصاعدين الى سدة الحكم، وتبقى المهمة الأكبر والمسؤولية العميقة الموكولة لمناضلي الشعب التونسي المخلصين وكل الثوار عبر العالم، والتي لا تقبل التأجيل، هي بناء القوة البديل القادرة على صيانة التضحيات وقيادة العمال وتعبيد الطريق الذي رسمه الشهداء والدماء التي صنعت 14 يناير2014 وباقي المحطات النضالية المشعة.. إن تجربة تونس، وتجارب أخرى قريبة من بينها التجربة المصرية، عنوان درس عميق لنا جميعا.. ففي غياب الحزب الثوري، من الوهم الاعتقاد بنجاح الثورة، أي ثورة.."
فعلا، إنه من الوهم تصديق نجاح ثورة في غياب الحزب الثوري، سواء في تونس أو مصر أو سوريا أو في المغرب، أو حتى في اليونان أو اسبانيا أو فنزويلا... لنرتب أولوياتنا ومهامنا الثورية، وإلا سنغرق في ظلمات التيه اليوم وغدا ودائما..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق