2016/03/24

البديل الجذري// في ذكرى انتفاضة 23 مارس 1965 المكتسبات الثورية لشعبنا أرضية خصبة للبناء

في 23 مارس 1965 اهتزت مدينة الدار البيضاء على انتفاضة شعبية عظيمة لتنزع الستار كليا عن حقيقة مغرب ما بعد "إيكس-ليبان". وكان طبيعيا أن يلجأ النظام إلى
الوسائل الموروثة من منصبيه الاستعماريين لقمع الانتفاضة المجيدة باستعمال الرصاص الحي والاعتقالات والتعذيب وغيرها من الوسائل الفظيعة لمواجهة الصمود البطولي والخارق لأبناء شعبنا. 

وقدم الإعلام الرسمي المنتفضين كمدمرين ومخربين لمؤسسات الدولة والملك العمومي وكقائمين على أعمال السلب والنهب والسرقة للتغطية عن المجازر البشعة في حق الأبطال الرافضين للتهميش والإقصاء الطبقيين. وختم مجزرته بإعلان أو التستر وراء حالة الاستثناء والذي يعني في عرف التجربة الإجرامية للنظام القائم إلغاء جميع "القوانين" وعلى رأسها "الدستور"، والحكم وفقا لسلطة القمع تحت إمرة رئيس الدولة آنذاك دون أي التزام ولو شكليا (وهي الحقيقة القائمة دائما على أرض الواقع)، وليشن حربا شرسة على الفعل النضالي وعلى الأصوات المقاومة للانبطاح ومن ضمنها من تبقى من أعضاء المقاومة وجيش التحرير. لقد سادت لغة الاغتيالات والاختطافات والاعتقالات بالجملة وخيم الإرهاب وصارت حياة الشعب المغربي جحيما ومآسي وإجراما. وكشفت الانتفاضة حقيقة المشهد السياسي وبالتحديد الأدوار الخسيسة للقوى التي بنت وجودها على الاستثمار في إرث وتضحيات المقاومة وجيش التحرير وعموم أبناء شعبنا من عمال وفلاحين فقراء ومضطهدين. وزعزعت الكثير من القناعات وعرت أوهام البرجوازية بكل تلاوينها وطرحت جانبا على رصيف الفشل مشاريعها المجتمعية وبينت عجزها عن أن تمثل بدائل حقيقية مناهضة للاستعمار الجديد وللاستبداد والاستغلال بمفهومهما الشامل. وخصبت الأرضية لبروز مشروع التغيير الحقيقي، مشروع تقوًم بالقطع مع التجارب الفاشلة والعاجزة عن قيادة الفعل النضالي، وتأسس على قناعة تحمل مسؤولية بناء الأداة السياسية الثورية العمالية لقياد النضال الثوري. وكان مكسبا تاريخيا لشعبنا جند النظام كل قواه، مدعوما بالقوى الإصلاحية والبيروقراطية، لاجتثاثه وإجهاضه في المهد. 
ولم ينجح جبروت النظام المسنود بالقوة المالية والعسكرية والآلة الإعلامية المتكدسة لخدمته، بشكل غريب، في قهر إرادة الفقراء والكادحين في الخلاص والتحرر وفي الحد من النهوض الثوري مجددا وذلك بعد تاريخ، يمتد على طول تجربة الاستقلال الشكلي، باستخدام أكثر الأفعال إجرامية ووحشية من الأسلحة الحية وزوار الليل والأقبية السرية والمخافر المجهولة وجميع أصناف التعذيب الوحشي المستمر والمتجدد. وتعد الدماء التي تسيل في شوارع مدننا الجريحة يوميا بفعل التدخلات الهمجية لقوى القمع، والمحاكمات الصورية والأحكام الثقيلة والاعتقالات العشوائية والتعذيب داخل المخافر المسجلة باستمرار خير شهادة لعجز الآلة القمعية عن الحد من انبعاث الفعل النضالي وتجدده وتأجيجه للصراع الطبقي. لأن التطور الاجتماعي في كل مرحلة من مراحله يجري وفق قوانين مستقلة عن إرادة الإنسان، تعجز وعجزت كل الطواغيت وأعتى الدكتاتوريات عن إيقافه. وفي المرحلة التاريخية تحولت علاقات الإنتاج الرأسمالية من علاقات ملائمة لتطور قوى الإنتاج الى علاقات إنتاج معادية لتطور قوى الإنتاج. وبموجب قوانين تطور المجتمع أصبح من الضروري إنجاز الثورة على علاقات الإنتاج الرأسمالية وخلق علاقات إنتاج ملائمة لتطور قوى الإنتاج. وطبقا لهذا القانون الكوني خفق الإرهاب والرعب والجزر في الحد من استمرار النهوض الشعبي ونزوحه نحو الثورة التي أصبحت ضرورة تاريخية. وهو ما عبرت عنه الشعوب المضطهدة بعفوية في الشعار التاريخي "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذي تبلور في الانتفاضات التي شهدتها المنطقتين العربية والمغاربية مع بداية 2011 وامتد لهيبها إلى عمق بقع الأنظمة الامبريالية. ولهذا تبدو في الواقع، الأساليب الجزرية المرتبطة بطبيعة النظام القائم، دليلا عن العجز والفشل وأعمال الجبن والإفلاس التاريخي. وصار الفاعلون السياسيون والجمعويون والنقابيون والمثقفون وأشباه المناضلين والإعلاميون المتشبثون بخدمة النظام، بالشكل المباشر وغير المباشر، عاجزين عن التفكير الفاحص، وعاجزين عن المسؤولية، وعن أي نوع من أنواع الاهتمام بالأوضاع العامة للبلاد، ولم يعودوا يعملون إلا كأجزاء في جسم "إنسان" آلي مخيف ينفذون ما يؤمرون، هذا الجسم الذي يمثل لهفة الامبريالية لابتلاع كل خيرات العالم واستعباد الإنسان بتخييره بين العبودية أو الفناء تحت هجومات الليل والنهار على شكل قنابل متفجرة والقنابل الشظايا وأسراب الطائرات الشبح وقنابل النابالم والفسفورية والعنقودية والأسلحة النووية والغازات السامة.. جسم استثمر المليارات الدولارات المنهوبة من كل بقع العالم في وسائط التدمير والخراب، وسائط لا يمكن لها أن تعود بالربح سوى على قوى مصابة بجنون القتل أمام أزماتها الخانقة المستمرة بالرغم من ثرائها الفاحش.
فالأوضاع في المغرب طبقا لكل المؤشرات، بما فيها ما تشهد به المؤسسات المالية الامبريالية، الحكومية وغير الحكومية، لا يمكن أن تسير إلا في دفع استمرارية المد النضالي وفي تصاعده. صحيح أن النظام استطاع، في المرحلة التاريخية التي نجتازها، الالتفاف على مطالب انتفاضة وحركة 20 فبراير وتمكن من لي عنقها بمخطط سياسي استراتيجي منظم والفاعلون فيه كانوا يعرفون أدوارهم المطالبون بها، وشارك في المخطط جميع المنبطحين والخونة المدعومين. وكان الهجوم محكما على جميع الواجهات الإعلامية والعسكرية والسياسية، وكان يهدف لمحورة المعركة على أرضية دستورية تؤسس لانتخابات تشريعية كبديل عن معركة التغيير الجذري الجارية في الشوارع. وكان المخطط يهدف الى بتر أي إمكانية لتجذر الفعل النضالي، وأن لا تنتج الجماهير أدواتها الثورية البديلة والجذرية، والحفاظ عليها أسيرة لقيادات انتهازية إصلاحية ورجعية، وبيروقراطيات نقابية جبانة وعميلة لا تبحث سوى عن الفتات والمفعمة بالمشاركة لإنقاذ النظام. لكن كل الوعود التي تم تسويقها للالتفاف على الفعل النضالي وعلى انتفاضة وحركة 20 فبراير تكسرت وتبخرت أمام الواقع العنيد والحي. والدليل القاطع، تواصل الاحتجاجات الشعبية دون انقطاع اليوم، وتحولها في محطات عديدة الى انتفاضات وعصيانات في الشوارع وأمام المعامل والضيعات والجامعات والمعاهد بالرغم من محدوديتها، بفاعلية أبناء شعبنا الذين لم يعد لهم ما يخسرون غير قيودهم ومن تساوت عندهم الشهادة بالحياة كما يتجسد في التحدي لقوى القمع ولجبروتها في شوارع البلد، وتؤشر لوعي متقد رافض لنظام رجعي أصبح واضحا أن وجوده مرتبط بالعمالة لقوى الاستعمار والامبريالية والصهيونية. ولا شك سيتجذر في باقي أطوار الصراع ولن يخمد كلما تقدم البناء السياسي الثوري. وما عاد خطاب "التماسيح" الذي اقتبسته حكومة الثرثار "بنكيران" من تجربة من أداروا حكومة التناوب بعد انكشاف المفارقة بين شعاراتهم وما كانوا يجسدونه على الأرض من مؤامرات، أو أي خطاب ديماغوجي، يقنع الجماهير، وهي تقف بنفسها على أن لا شيء تغير أو يمكن أن يتغير عما كان عليه قبل 20 فبراير 2011 في ظل النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، وأن أزمتها تعمقت وتفاقمت أكثر مما كانت عليه بفعل مخططات طبقية تصادر يوميا ما تبقى من مكتسباتها وتهدد لقمة عيشها، كما هو اليوم حال المدرسة العمومية، والمستشفيات والخدمات العمومية. ويتأكد أن احتداد وتعمق الأزمة في تواصل مستمر وليس لها من حل إلا مواصلة النضالات وتعميقها وتأطيرها وتطويرها بهدف دك بنيان النظام. لذا فالجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة ليس من مصلحتها اليوم إسناد أي طرف من الأطراف السياسية المنبطحة والمهادنة مع سياسة قوى الاستغلال والقهر والتبعية، بل من مصلحتها اليوم أن تكون مستقلة عن كل هذه الأطراف المتخاذلة من الإصلاحيين والبيروقراطيين والظلاميين وكل الذين حولوا أرواح الشهداء والدماء التي سالت على الوجوه ودموع الأمهات ومآسي المقهورين وتضحياتهم إلى منصة لاعتلائها ومادة للمتاجرة بها، وأن تواصل النضال على قاعدة مطالبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هذه المطالب التي هي اليوم جزء لا يتجزأ من المهمات الثورية المطروح تحقيقها.
إن تجارب شعبنا قد أنتجت خبرات ثورية، ودروسا عظيمة، في المقاومة والصراع مع العدو، لا تقل أهمية عن دروس الشعوب الثورية عبر العالم. وهي تجارب غنية ومكتسبات ثورية تشكل أرضية خصبة للبناء عليها من طرف كل من ينزع فعلا لتجذير الصراع والمقاومة ومواصلة خبرة التجربة السياسية النوعية التي جسدتها الحركة الماركسية اللينينية المغربية بهدف إسقاط نظام التبعية والاستغلال ودك مؤسساته وتشييد السلطة الوطنية الديمقراطية الشعبية وفتح الآفاق لبناء الاشتراكية. فالمرحلة تفرض على كل من يهدف فعلا الى التغيير أن ينخرط في هذا المشروع إلى جانب الجماهير ومن داخلها بتنظيمها وتجذير وعيها، وعلى أرضية المواجهة مع الإصلاحية بمختلف تلاوينها والظلامية والشوفينية باعتبار هذا الخيار أساس الحل الجذري لمواصلة المقاومة وتطوير الصراع للمساهمة الفعالة لبناء أدوات الثورة وللحضور المسؤول لقيادة زخات الغضب الثوري القادم حتما. وأن أي تعثر في انجاز هذه المهمة وبالتحديد بناء الأداة الثورية العمالية المكافحة سيوفر للعدو إمكانية تجديد قوته وتأجيل انهياره. وإنها الدروس العميقة لانتفاضة 23 مارس 1965 وكافة الانتفاضات الشعبية التي عرفتها بلادنا... 

تيار البديل الجذري المغربي
.C.A.RA.M
23 مارس 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق