2016/07/25

أحمد بيان// مناديب العمال أم سعاة بريد وعملاء الباطرونا؟!! المناطق الصناعية "الحرة" بمدينة طنجة، نموذجا..

إن طبيعة القوانين والتشريعات المختلفة باختلاف مجالات تطبيقاتها داخل جميع المجتمعات الطبقية هي تعبير واضح عن مصالح الطبقات السائدة ضدا على الغالبية العظمى من الطبقات المسودة. 

بمعنى آخر، ما هذه القوانين إلا انعكاس للبنية التحتية للمجتمع، حسب نوع وشكل علاقات الإنتاج الاقتصادية والاجتماعية القائمة. فالبورجوازية في المجتمع الطبقي هي التي تملك حق وضع وتشريع القوانين تماشيا ومصالحها الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية، وهي التي تصنع المؤسسات الصورية انسجاما وأهدافها (برلمان، حكومة، مجالس، أجهزة قمعية وإيديولوجية…)، وبالتالي فهي التي تتحكم في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومجتمعنا المغربي هو وجه وصورة طبق الأصل لهذه المجتمعات الطبقية، حيث التناقضات التناحرية والصارخة بين النظام القائم من جهة والجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة من جهة أخرى. فالتحالف الطبقي المسيطر، هو من يتحكم في دواليب الاقتصاد، وكذلك في السياسة والإعلام والإيديولوجيا… وهو من يضع ويسن القوانين لحماية مصالحه ومخططاته الطبقية، وهو من شرع ووضع مدونة الشغل الرجعية، التي تبين من خلال المقتضيات والأحكام القانونية المتضمنة داخلها، انحيازها الواضح والمكشوف للشركات الرأسمالية والامبريالية على حساب حقوق ومصالح الطبقة العاملة المغربية. 

وفي هذا الإطار، عمل النظام من خلال هذه المدونة على إعطاء اهتمام كبير للعلاقات الجماعية، بعد أن كان الاهتمام في السابق بالعلاقات الفردية هو السائد لمدة طويلة، حيث عملت على توسيع مجالات إشراك مندوبي العمال، حسب ما جاء في  المادة 430، على أن العمل بما يسمى بمؤسسة مندوبي الأجراء تخضع لها جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل على عشرة أجراء دائمين، بل أن المادة 431 أعطت لرب العمل إمكانية اتباع نظام مندوبي الأجراء حين يتوفر العدد المطلوب "قانونا" وهو عشرة أجراء دائمين شريطة وجود اتفاق كتابي في هذا الصدد  بين رب العمل والأجراء العاملين لديه، مع الأخذ بعين الاعتبار دخول القطاع الفلاحي مجال انتخاب مندوبي العمال بعد أن تم إقصاءه في التشريع القديم. وإذا كانت المدونة قد تطرقت الى أحكام مؤسسة مندوبي الأجراء في قسمها الثاني، وحددت مهامهم ومسطرة وشروط انتخاب مندوبي العمال وكيفية مزاولة عملهم، فإن الأسئلة الجوهرية المطروحة وفي ارتباط بهذه الأحكام والمقتضيات التي تم وضعها والتنصيص عليها في هذه المدونة، هي ما مدى تمتع مؤسسة مندوبي الأجراء بالشخصية المعنوية والاستقلال الذاتي الحقيقي في أداء مهامها؟ وما مدى شرعية وقانونية انتخابات ممثلي ومناديب عمال القطاع الخاص؟ وهل يتمتع هؤلاء بمشروعية في العلاقة مع العمال داخل الشركات في تمثيلهم ودفاعهم على مصالح عموم الأجراء ووقوفهم ضد تعسفات أرباب الشركات؟ أم أن هذه المؤسسة تبقى خاضعة لوصاية أرباب العمل؟ ألا يمكن القول إن القانون جعل من مندوب العمال مجرد ساعي البريد يوصل شكايات العمال إلى أرباب العمل؟

إن تاريخ العمل بنظام ما يسمى بمندوبي العمال بالمغرب يرجع لأول مرة الى سنة 1955، بمقتضى ظهير 16 شتنبر 1955. وقد تم أخذ مقتضياته من القانون الفرنسي، وقد جاء هذا الظهير مبلورا لفكرة "المجموعة العمالية" كإطار لتجمع العمال والأجراء المغاربة، وذلك بهدف إبعادهم من الانخراط في العمل النقابي، خصوصا وقد عرف المغرب في نفس السنة ميلاد أول اتحاد عمالي مغربي، الذي جاء كرد فعل على مطالبة العمال المغاربة بالحق في الحرية النقابية، بحيث أريد لنظام مندوب الأجراء أن يلعب دور المنظمة النقابية ذات الطابع المطلبي. وإلى غاية سنة  1962 ألغي ظهير 1955 بموجب ظهير 29 أكتوبر 1962 حول مندوبي الأجراء. وقد جاء هذا الظهير الجديد المنظم لمناديب العمال في إطار ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية  كان يعيشها المغرب أنداك، وهي اشتداد أزمته البنيوية، حيث كانت البلاد تمر من فترات عصيبة بعد الاستقلال الشكلي. وما أفرزته اتفاقية/مؤامرة "ايكس-ليبان" الخيانية وصولا إلى سنة 1962 التي اتسمت بتصاعد المد الجماهيري والذي شاركت فيه قطاعات واسعة من أبناء الجماهير الشعبية، وسعيا من النظام الى إجهاض هذا المد، تمت صياغة الدستور وعرضه للاستفتاء بهدف تدجين واحتواء نضالات الجماهير الشعبية..

وقد كان من بين أهداف هذا الظهير تقييد عمل مناديب العمال. ومهما يكن، فإن الظهير أو ما تضمنه من مقتضيات تهم مناديب العمال أدخلت عليها تعديلات مختلفة، وشدد على أن الذين يزعمون بأن مقتضيات مدونة الشغل لا تسمح بتطبيق  القانون، بأن ذلك كلام يراد منه التهرب فقط من تطبيق "القانون"، وهو بالتالي كلام حق يراد به "باطل". وبعد أن أشار إلى أن نسبة المأجورين المصرح بهم بالضمان الاجتماعي لا تتعدى الآن % 40 من مجموع الأجراء، قد أكد هذا الظهير المشؤوم أن الظرف الراهن يقتضي حماية المقاولة والقطاع المهيكل. وهو تعبير واضح يبين انحيازه الكامل والتام  الى أصحاب  الشركات الرأسمالية ضدا على مصالح الطبقة العاملة. أما الكلام عن حماية العمال والمأجورين من خلال تطبيق  القانون في انتظار الزيادة في الحد الأدنى للأجور، وكون أن %90 من نزاعات الشغل ببلادنا تعود الى عدم تطبيق القانون الاجتماعي في شموليتها وهلم جرا…، تبقى مجرد شعارات وادعاءات فارغة يسوقها النظام من أجل إخفاء حقيقة وواقع التناقضات الطبقية والصراع الطبقي واستبداله بمقولة "التوافق والتعاون/السلم الطبقي" في إطار ما يسمى بالحوار الاجتماعي المزعوم من أجل تلطيف الصراع وطمس حقيقة وجوهر الاستغلال والاضطهاد الطبقيين.  

إن الرجوع إلى مقتضيات وبنود مدونة الشغل الطبقية وبالضبط في القسم الثاني من الكتاب الثالث المتعلق بأحكام ما يسمى ب"مؤسسة مندوبي العمال"، نجدها قد تحدثت بشيء من التفصيل حول هذا الموضوع. فكيف إذن حددت المدونة عملية انتخاب مندوبي عمال القطاع الخاص؟ وما هي شروط الانتخاب والترشيح لهذه الانتخابات؟ وما مدى مشروعيتها؟ وما هي مهمتهم؟ وما هي أهداف العملية الانتخابية والمؤسسات الخاضعة لانتخابات مندوبي العمال؟ وهل وجود هذه المؤسسة هو حماية للعمال أم لأرباب العمل؟ وهل من جدوى لهذه الانتخابات؟

وفق ما هو محدد من داخل هذه المدونة المشؤومة، "فإن عملية انتخاب مندوبي الأجراء هي العملية التي تجري مرة كل 06 سنوات، من أجل انتخاب مندوبين للأجراء داخل المؤسسات التي تشغل اعتياديا 10عمال. وتتمثل مهمة هؤلاء المندوبين على الخصوص في تقديم جميع الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل الناتجة عن تطبيق تشريع الشغل أو عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي إلى المشغل، إذا لم تقع الاستجابة لها مباشرة إحالة تلك الشكايات إلى العون المكلف بتفتيش الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها، والقيام بمهام استشارية مختلفة داخل المؤسسة أو المقاولة.

أهداف العملية الانتخابية:
النهوض بالحوار الاجتماعي على مستوى المؤسسة أو المقاولة، تحديد النقابات المهنية الأكثر تمثيلا، تمثيل المأجورين على مستوى مجلس المستشارين والمجالس الجهوية، تمثيل المأجورين على مستوى المجالس الثلاثية التركيب الوطنية، الجهوية والمحلية.

شروط الانتخاب: 
لكي يكون ناخبا يجب أن تتوفر في الأجير الشروط التالية: 
- أن يكون بالغا 16سنة كاملة عند تاريخ الاقتراع؛
- أن يشتغل لمدة 06 أشهر بالنسبة للمؤسسات ذات النشاط الدائم أو 156 يوما من العمل المتصلة أو غير المتصلة خلال المواسم الفارطة بالنسبة للمؤسسات التي تزاول نشاطها موسميا؛
- أن لا يكون قد صدر في حقه حكم نهائي إما بعقوبة جنائية أو بعقوبة حبس نافذة من أجل جناية  أو جنحة باستثناء الجرائم الغير العمدية، ما لم يرد اعتباره.

شروط الترشيح:
يؤهل للترشيح للانتخابات الناخب المتوفر على الشروط التالية:
- أن يكون متوفرا على الجنسية المغربية؛
- أن يكون بالغا 20 سنة كاملة عند تاريخ الاقتراع؛
-  أن يشتغل في المؤسسة لمدة متصلة لا تقل عن سنة واحدة؛
- أن لا يكون المرشح من أصول المشغل أو فروعه أو إخوته أو أصهاره المباشرين؛
- أن لا يكون قد صدر في حقه حكم نهائي بعقوبة جنائية أو بعقوبة حبس نافذة من أجل جناية أو جنحة، باستثناء الجرائم الغير العمدية ما لم يرد اعتباره...".

تجرى بالمنطقة الصناعية "الحرة" بطنجة وكما هو حال باقي المناطق الصناعية الأخرى الموجودة بالمغرب، انتخابات مندوبي العمال بالقطاع الخاص عند كل 06 سنوات كما هو محدد في قانون الشغل، وعلى شاكلة مهزلة الانتخابات التي تجرى في  الشارع السياسي، (الانتخابات الجماعية والبرلمانية) تقام على مستوى هذه  المنطقة الصناعية "الحرة" مهزلة انتخابات مندوبي العمال داخل العديد من الشركات الرأسمالية، ومع اقتراب موعد هذه الانتخابات/الجريمة، تدخل مختلف الاتحادات النقابية الغارقة في الفساد والبيروقراطية في سباق محموم مع الزمن من أجل هندسة ورسم معالم هذا المشهد بكل احترافية وإتقان وبتواطؤ مكشوف مع الباطرونا وإدارة الشركات، يحاول الكل من موقعه في خضم تنافس حاد بذل كل الجهود والوسائل للظفر بأكبر عدد من المقاعد، مادام همهم الوحيد هو الجري والسعي بكل الطرق من أجل اكتساب صفة التمثيلية  المعتمدة وفق معايير أخرى على عدد المندوبين، وانطلاقا من هذه التمثيلية/الكعكة تحدد مكانة وموقع هذه النقابة أو تلك بالنسبة للنظام القائم سواء تعلق الأمر فيما يسمى ب"الحوار الاجتماعي" وكذلك على مستوى الإعانات المالية، أو التمثيل في عدد من المؤسسات، ولعل أهمها بالنسبة لحالة القطاع الخاص، مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، رغم كل ما تحاول الباطرونا تبيانه قبل وموعد هذه الانتخابات، في العلاقة مع عموم العمال من مزاعم وإدعاءات بخصوص احترام والانضباط للمساطر والإجراءات القانونية التي تسبق هذه العملية، من قبيل (إعلام عموم العمال بأحقية الانتخاب والترشيح لهذه الانتخابات وفق الشروط والآجل المحددة قانونا، الإعلان عن لوائح الناخبين، ثم عن لائحة المرشحين، مع تحديد يوم الاقتراع المخصص لذلك…).

إن المتتبع لهذه الأجواء والبهرجة التي تسبق هذه المهزلة/الجريمة، يلاحظ كيف تتفنن إدارة الشركات في ممارسة أساليب الحيل والتضليل وخداع العمال من خلال الوجه الذي تحاول أن تظهره وتضفي عليه هذه العملية التي ستجرى فيها هذه الانتخابات من قبيل مجموعة من الشعارات "الديمقراطية، الاستقلالية، المنافسة، حرية الاختيار…"

إن واقع الحال يعكس غير ذلك تماما، حيث إنه مع مجيء موعد هذه الانتخابات تتحرك إدارة الشركات وكل عملائها، بشكل غير مسبوق من أجل هندسة المشهد وترتيب أوراقها من أجل التحكم في التوجه العام، بالشكل الذي يخدمها. كيف لا وهي من ستشرف وتتحكم في هذه الانتخابات، عكس ما يحاولون ترويجه للعمال، كون (اللجنة المشرفة على عملية الاقتراع هي مستقلة، تأتي من مندوبية الشغل، وأن العملية تجرى في جو من الديمقراطية والشفافية...). وعكس ما يتم التطبيل له، وفي خطوة استباقية مع الزمن وبكل وقاحة  تعمل معظم إدارات الشركات داخل المنطقة الصناعية "الحرة" بطنجة، في خضم هذه الأجواء قبل الإعلان عن لائحة المرشحين لانتخاب مناديب العمال، على الاتصال بكل من تراه مؤهلا وفق المعايير والشروط المطلوبة، لتوجيه الدعوة لمن تراهم في صفها وولائها. والأمر يهم كالعادة مجموعة من عملائها وبيادقها سواء كانوا من موظفي الإدارة أو محسوبين على العمال. وبالطرق والأشكال المعهودة يتم الجلوس معهم في الخفاء، مخافة أن يصل الخبر إلى الرأي العام ولكن العكس الذي يحصل، حيث تنكشف كل هذه الفضائح، وفي هذا الإطار تحثهم إدارة الشركات على تقديم ملفات ترشيحهم في أقرب الأوقات من أجل شغل منصب مندوبي العمال، مقابل تقديم وعود للاستفادة من مجموعة من الامتيازات، وذلك قبل الإعلان عن اللوائح النهائية. وبعد أيام من إعلان الإدارة عن لوائح الناخبين وأسماء المرشحين وتحديد يوم عملية الاقتراع، تبدأ الدعاية والتضليل لهده الانتخابات/الجريمة  وسط العمال وينزل المرشحون/البيادق والعملاء مجلببين بجلباب تمثيل العمال والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم في مواجهة الإدارة، إلى أماكن تواجدهم، ويحاول كل واحد من هؤلاء، وبالطرق المعروفة، إلى استمالة وضغضغة عاطفة العمال من أجل إقناعهم وجعلهم يثقون بكل الإدعاءات والأقاويل والكلام الفارغ بتقديم وعود بالدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، لكن حقيقة الأمر أن أغلبية العمال لا يثقون في ما يسمى "بمؤسسة مندوبي العمال"، ويعتبرونها مؤسسة فاقدة للشرعية التمثيلية، مادامت الإدارة هي التي تتحكم وتختار البيادق المناسبة لخدمة مصالحها، وتنصبهم ضدا على إرادة الأغلبية الساحقة من العمال، وبالتالي فهم  يقاطعون ولا يشاركون في هذه المهزلة ما دامت المسرحية مطبوخة ومحبوكة سلفا، وعند حلول يوم الاقتراع، تكون الأجواء غير عادية داخل معظم الشركات بالمنطقة الصناعية، حركية غير مسبوقة من طرف إدارة الشركات وعملائها إلى أماكن عمل العمال، وفي الأمكنة التي توجد بها مكاتب التصويت، وفي خرق سافر حتى للقواعد والقوانين التي وضعوها بأنفسهم، والمنظمة لهذه العملية، تقوم  الإدارة في أغلب الشركات إلى النزول والتوجه صوب العمال المقاطعين لهذه الانتخابات، وتحت الضغط والترهيب، من أجل فرض أمر الواقع، يتم إرغام العمال المقاطعين لهذه المهزلة إلى الدخول إلى مكاتب التصويت للإدلاء بأصواتهم، من أجل المشاركة وإنجاح هذه الانتخابات، مما يبين حقيقة أنه حتى في القواعد المنظمة لهذه الانتخابات التي وضعتها البورجوازية بنفسها لم يتم احترامها، وبالتالي فهي مطعون فيها حسب "القانون" المستعمل في قاموسهم اللغوي الذي وضعوه، بالنظر للخروقات والتجاوزات التي شابتها، هذا إن تحدثنا فقط على مستوى الشكل، أما على مستوى المضمون فحدث ولا حرج، لأن ما "بني على باطل فهو باطل" أصلا. ونصل في الأخير إلى حقيقة تؤمن بها الغالبية العظمى من العمال كون أن تمثيلية هؤلاء المناديب لا أساس ولا مشروعية حقيقية لها، أولا لكونها لا تمثل الأغلبية، وثانيا لكون هؤلاء المناديب/البيادق فرضوا ونصبوا عليهم زورا وإكراها ، وبالتالي فهم لا يمثلونهم في شيء.

إن مؤسسة "مندوبي العمال" بالقطاع الخاص وجدت لتحقيق ما يسمى ب"الحوار الاجتماعي" داخل الشركات الرأسمالية وإخفاء حقيقة الصراع الطبقي وما تتعرض له الطبقة العاملة من استغلال واضطهاد وامتصاص للدماء بشكل يومي من طرف الباطرونا وإدارة شركاتها، وقطع الطريق على ظهور أي فعل نقابي كفاحي، وكذلك تعمل على حماية هذه الشركات من الإفلاس نتيجة الأزمات الاقتصادية التي تضرب النظام الرأسمالي بين الفينة والأخرى، كما أحدثت هذه المؤسسة كذلك لإضفاء نوع من "الديمقراطية" المزيفة داخل الشركات الرأسمالية بالمناطق الصناعية "الحرة". 

وقد أكدت التجارب أنه بمجرد ما يتم انتخابهم كممثلين للأجراء، يلعبون دور الدفاع عن مصالح الإدارة بكل تفان ضاربين عرض الحائط مصالح العمال، لأن حقيقة الشمس ساطعة لا يحجبها الغربال كما يقال، فسرعان ما تنكشف وتظهر كل هذه الفضائح والمؤامرات التي تحاك في حق العمال والمأجورين، وتتضح مهزلة ومسرحية هذه الانتخابات، ومن يقوم بدور المخرج ودور  الممثل على خشبة المسرح.. إنها قمة الوقاحة والنذالة، إنه الإجرام الذي يمارس في حق الطبقة العاملة.

ولقد أكدت العديد من التجارب، وبعد مرور أكثر من 47 سنة على وجود ما يسمى ب"مؤسسة مندوبي العمال" أنها عبارة عن هياكل وتمثيليات مشلولة وفارغة من أي مضمون، وغير مجدية من حيث الدفاع عن مصالح وحقوق العمال والمأجورين. فمدونة الشغل الرجعية جعلت من مندوب العمال مجرد لعبة في يد أرباب العمل، لتنفيذ توصياته وقراراته التي تضرب في العمق حقوق ومصالح العمال، فهو عبارة عن ساعي البريد مهمته في أحسن الأحوال إيصال شكايات العمال إلى أرباب العمل، وهذه الشكايات لا تتجاوز حدود غير المطبق من قانون الشغل، وعقد العمل الفردي أو الاتفاقية الجماعية. أما المطالب الأخرى، فهي غير واردة في مهام مندوبي العمال، وفي الحالة التي يتم فيها تملص ورفض أرباب العمل تسوية المشكل موضوع الشكاية، يحال الأمر على مفتش الشغل، ونحن نعلم مسبقا كيف يتعاطى هذا الأخير مع مثل هذه الشكايات، إذ غالبا ما يفضل غض النظر عن هذه الانتهاكات الواقعة، مقابل رشاوي من أرباب العمل.

إن هذه المؤسسة كما هي منظمة ومنصوص عليها داخل مدونة الشغل، غير مجدية مطلقا ووجدت خصيصا لتكريس الوضع القائم بعيدا عن اللغة والكلام الفارغ، من قبيل الدفاع عن مصالح وحقوق العمال وتحسين أوضاعهم، فهي تكرس ثقافة القطيع وفق ما هو سائد، وتزيد من جراح ومعاناة العمال، بتفويض الأمر إلى ممثلين فاقدين لأية سلطة في مواجهة أرباب العمل، بدلا من الفعل الجماعي الواعي والمنظم، فهي تربي العمال على الخنوع والخضوع للأمر الواقع وإسناد أمرهم إلى وسيط بينهم وبين رب العمل، والرجوع إلى الوراء والركون إلى السلبية والانتظارية، كما وجدت هذه المؤسسة بهدف منع بروز وظهور بناء أي عمل  نقابي جاد يقوم بتنظيم وتأطير عموم العمال والمأجورين داخل المنطقة الصناعية "الحرة"...
إن "لمؤسسة مندوبي العمال" وجه آخر كذلك، فهي من جهة غالبا ما يتم الترويج لها وتقديمها بصفتها تعتبر زورا وشكلا من أشكال "الديمقراطية" داخل الشركات الرأسمالية، ومن جهة أخرى يساهم ويشارك مندوبو العمال في مهزلة انتخاب قسم من مجلس المستشارين، الغرفة الثانية بالبرلمان من أجل اقتسام الكعكة.

إن الحديث عن "الديمقراطية" أو ما شابه ذلك داخل الشركات والمقاولات هو أسلوب وخرافة للتضليل وإخفاء الحقائق، حيث يتم تنصيب سلطة الرأسمال المتوحش على رقاب العمال، القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والاستغلال البشع لليد العاملة الرخيصة في ظروف جد قاسية، من أجل مراكمة المزيد من الأرباح بكل الوسائل، وأن مجلس المستشارين والبرلمان عموما ما هو إلا مؤسسة ممنوحة وجهاز شكلي بيد النظام القائم الفاقدة لأية شرعية في العلاقة مع الجماهير الشعبية. 

إن الرهان على ما يسمى "بمؤسسة مندوبي العمال" هو رهان خاسر بالنسبة لعموم الشغيلة، داخل المنطقة الصناعية "الحرة" بطنجة بشكل خاص، وجميع  المناطق الصناعية بالمغرب بشكل عام. لذا تبقى المهمة ملقاة على عاتق المناضلين المخلصين، وكل الغيورين على مصلحة الطبقة العاملة من أجل رفع راية النضال والتحدي من أجل فضح وتعرية طبيعة هذه المؤسسة التي يتم تنصيبها قسرا على رقاب الأغلبية الساحقة من العمال والمأجورين، وهذا لن يتحقق طبعا إلا بتأسيس   مكاتب نقابية ذات مضمون كفاحي تسد الطريق على هذه التمثيلية والمؤسسة المشبوهة، وتعيد الاعتبار والكرامة للطبقة العاملة...

   25 يوليوز 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق