2016/09/23

حسن أحراث// نبش في الذاكرة الحية أو عندما تكون الذاكرة مرآة المناضل ونبراسه..

في مثل هذا الشهر من سنة 1985، أصدرت وزارة الداخلية بالمغرب بلاغا للرد على الحملة التضامنية، خاصة بالخارج، مع معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري. فيما
 يلي نص البلاغ ورد عائلاتنا على المغالطات الواردة فيه، بالإضافة لرسالة مفتوحة موجهة الى حجاج زمانه ادريس البصري، وزير الداخلية آنذاك (المرجع: كتاب "مجموعة مراكش.. انتفاضة يناير 1984الخالدة.. معركة الشهيدين بلهواري والدريدي" لمؤلفه حسن أحراث):

نص بلاغ وزارة الداخلية (نشر بجريدة أنوال في 12 / 09 / 1985):
يتعرض المغرب من حين لآخر لحملة مغرضة منهجية تتذرع لإضراب عن الطعام الذي يقوم به ستة معتقلين أبت بعض الأوساط المعادية إلا أن تعطيهم صفة "سجناء سياسيين".
وبلغت هذه الحملة أوجها خلال زيارة قداسة البابا بولس الثاني للمغرب، وقد قام خصوم المغرب بهذه المناسبة بحملة عدوانية استعملت فيها وسائل الإعلام وكافة الوسائل الممكنة للإساءة الى السمعة الطيبة التي تحظى بها المملكة المغربية في العالم.
وفي الأيام الأخيرة زعمت هذه الأوساط أن المضربين عن الطعام دخلوا في غيبوبة عميقة وأن حياتهم في خطر.
وأمام هذه الحملة تود السلطات المغربية أن تدلي ببعض التوضيحات لتنوير الرأي العام الدولي حول حقيقة الأمور من جهة ووضع حد لكل تأويل مغرض أو قيام جماعات أجنبية يسيرها خصوم المغرب المعروفون بتحريك وسائل الإعلام علما بأن هؤلاء الخصوم لم يتوانوا قط عن إشهار عدوانيتهم كلما أرادوا تشويه صورة المغرب.
1 - ينبغي بادئ الأمر توضيح كون المعتقلين المضربين عن الطعام هم معتقلو الحق العام كما هو الحال بالنسبة لكافة السجناء في المغرب.
والواقع أن التشريع الجنائي على غرار البلدان الديمقراطية حيث يسود القانون وتحترم حقوق الأفراد لا يضع تمييزا فيما يخص معاقبة الأفعال التي يمنعها القانون.
2 - أن هؤلاء الأشخاص الذين اعتقلوا في شهر يناير 1984 قد اتهموا وتوبعوا وأدينوا لارتكابهم أفعالا موضوعية ومادية مثل:
- القتل
الاعتداء - 
- القيام بأعمال التخريب والسطو والحرائق الإجرامية وإتلاف السيارات ووسائل النقل العمومي
- الضرب والجرح العمد
إن كل هذه التهم التي ثبتت ضد هؤلاء الأشخاص لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بمسألة التعبير العادي عن رأي سياسي أو نقابي وهو الرأي الذي يضمنه دستور المملكة ويحميه صراحة قانون الحريات العامة بالمغرب الذي يضمن ممارسة حرية التعبير والتجمع والاجتماع.
وإن كون مرتكبي هذه الأفعال ناضلوا أو يناضلون في صفوف تنظيمات يمنعها القانون أو تم حلها بمقتضى أحكام قضائية لكونها موالية لجهات خارجية لا يمكن أن يعطي صفة أخرى أو طبيعة أخرى للأفعال المعاقب عليها من طرف القانون و يعطيها طابعا سياسيا.
والواقع أن القانون المغربي في هذا الباب يعاقب على الفعل الإجرامي دون اعتبار للصفة التي يحاول انتحالها مرتكبو هذه الأفعال.
3 - يجذر التذكير أن محاكمة هؤلاء المعتقلين تمت في جلسات علنية وفي إطار احترام حقوق الدفاع.
وقد اعترفوا بالتهم الموجهة إليهم وأدينوا طبقا للقوانين الجاري بها العمل ويتعين بعد تقيم بيان الحقيقة هذا حول الوضعية الحقيقية للمعتقلين إعطاء الرأي العام بعض التوضيحات بشأن الحالة الصحية لهؤلاء الأشخاص.
- لا يوجد أي واحد من المعتقلين المضربين في حالة غيبوبة.
- إن نقلهم الى المستشفى تم بأمر من السلطة القضائية.
- إن الحالة الصحية لا تدعو في الوقت الراهن الى القلق وهي محل عناية مستمرة.
إن مطالب هؤلاء المضربين الذين يحاولون بكل الوسائل التمتع بنظام خاص ومتميز وخارج عن نظام السجون مع التزود بالصحف والإذاعة والتلفزة وحق متابعة الدروس والزيارات العائلية دون اعتبار نظام السجون لا يمكن أن يتلاءم بأي حال من الأحوال مع النظام المعمول به.
وتوضح السلطات المختصة في الختام ما يلي:
1 - بصفتهم معتقلين يستفيد هؤلاء الأشخاص بكيفية طبيعية من حق متابعة الدروس واجتياز الامتحانات التي حرموا أنفسهم منها اختياريا بمطالبتهم بنظام خاص غير موجود.
2 - لقد استفاد هؤلاء المعتقلون دائما وسيظلوا يستفيدون من العلاجات الطبية.
3 - إن هؤلاء المعتقلين يستقبلون عائلاتهم طبقا لنظام السجون.
رد عائلاتنا على بلاغ وزارة الداخلية:
نخبر الرأي العام الوطني والدولي أن أبناءنا لا زالوا مستمرين في إضرابهم اللامحدود عن الطعام الذي وصل يومه السابع والثمانين (87) منذ انطلاقه بتاريخ 23 / 06 / 1985 من أجل مطالب بسيطة ومشروعة. ونؤكد أن استمرار هذا الإضراب طيلة هذه المدة قد تم عن طريق استعمال وسائل لا قانونية ولا إنسانية تتنافى مع الأعراف والقوانين الطبيعية حيث علمنا أنه يتم تقييدهم مع الأسرة لتخديرهم بكميات مفرطة قصد إرغامهم على استعمال ما يسمى ب: (لا سوند كاستريك) في غياب إرادتهم... وهذه الممارسة تدخل في إطار التنصل من المسؤولية وتهدف الى التعذيب النفسي والبدني لأبنائنا.
ونعيد الى الأذهان أن أبناءنا قد تم اعتقالهم ومحاكمتهم في يناير 1984 وفق صك الاتهام التالي، حسب ما جاء في محضر متابعة النيابة العامة:
1 - المؤامرة ضد النظام.
2 - الإخلال بالنظام العام.
3 - الإضراب والتحريض عنه.
4 - مسك مناشير قصد توزيعها.
5 - التنظيم والمشاركة في تظاهرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني بتاريخ 30 مارس 1983.
6 - الانتماء لمنظمة سرية.
من هذا الجرد يتضح الطابع الحقيقي للمحاكمة، وهو طابع سياسي، مع العلم أن أبناءنا قد رفضوا هذه الاتهامات جميعا، وبينوا عدم صحتها في شكلها ومضمونها، وأكدوا انتماءهم لمنظمة مشروعة هي (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) بالنسبة للطلبة منهم، أما بالنسبة للتلاميذ فقد أكدوا اشتغالهم في اللجان الثقافية للثانويات.
ومما أشيع وقيل، أن أبناءنا قد حوكموا لارتكابهم أفعالا موضوعية إجرامية مثل القتل والجرح والسرقة... ولا يسعنا إلا أن نطلب من وزارة العدل، المسؤولة الأولى عن قضية أبنائنا أن تدلي لنا وللرأي العام ببعض الإيضاحات حول هذه الاتهامات الجديدة التي لم تكن أبدا موضوع متابعتهم ومحاكمتهم... وحتى بالرجوع الى التصريح الحكومي الرسمي الذي يتحدث عن الخسائر التي خلفتها أحداث يناير 1984، يتضح أن مدينة مراكش لم تعرف ولا حالة واحدة من القتل أو الجرح أو السرقة...
كما نخبر الرأي العام أننا لم يسمح لنا منذ أكثر من شهرين بزيارة أبنائنا خلافا لما أذيع مؤخرا ولازلنا لحد الساعة نجهل كل شيء عن حالتهم رغم اتصالاتنا المستمرة، علما أنهم يوجدون في حالة صحية متدهورة.
إننا إذ نرفع هذا البيان الى الرأي العام، نهيب بكل القوى الحية وسائر الضمائر الشريفة أن تساندنا وتعمل كل ما في وسعها من أجل وقف هذا النزيف البشري بالعمل على حمل المسؤولين على تلبية مطالب أبنائنا المتمثلة في أبسط شروط اعتقال إنساني. كما نشير الى أن استعمال وسائل التخدير من طرف المشرفين يدخل في إطار تعذيب أبنائنا وتمديد مدة الإضراب أكثر ما يمكن بهدف النيل من عزيمة أبنائنا.
لقد آن الأوان للتدخل قصد تلافي سقوط شهداء جدد، كما حصل في غشت 84، حين سقط شهيدانا الدريدي م. بوبكر وبلهواري مصطفى.
البيضاء في 15 / 09 / 85
عائلات:
البوزياني أحمد، أحراث الحسن، السكيتي كمال، الدريدي م. الطاهر، جوهاري نور الدين، لقدور الحبيب، سايف عبد الرحيم، باري الحسين.
كلمة مقتضبة الى حجاج زمانه، وزير الداخلية، ادريس البصري
من حقك السيد البصري أن تحب من تشاء وأن تخلص لمن تشاء وإن يكن شيطانا. ومن حقك أن تنفي ما لا يعجبك وما لا يروق لك، ومن حقك أن تكذب مادام الكذب مباحا ببلادنا بل ومفيدا، وما دام المسؤولون الكبار يكذبون وباستمرار، ومن حقك كذلك أن تفتخر بإنجازاتك أو ما تعتبره كذلك، ومن حقك أن تتهم من تشاء خاصة إذا توفرت لديك القرائن لتوريطه. فلا أحد يقبل أن يسيء الى نفسه أو أن يورط شخصه فيما قد يقوده الى المتاعب أو الى المشانق أو الى ما لا تحمد عقباه.
وبالمثل، فإنه من حق كل المغاربة أن يتهموك بما يرونه تعسفا أو إجراما سبق لك أن ارتكبته ضدهم كضحايا للقمع والاضطهاد الذين كنت أحد رموزهما بدون منازع وأن يحاسبوك عن الآلام و العذابات التي تسببت لهم فيها. علما أن نفيك للفظاعات التي ارتكبت باسمك وادعاء جهلك بوجود سراديب الموت لن يغيرا من واقع الأمر شيئا، سوى أن ذلك يحملنا مسؤولية الرد على اتهاماتك الخطيرة التي تتوخى منها الانتقال من قفص الاتهام كمتهم الى متهم، ثم مسؤولية إثبات التهم الموجهة إليك. إنه التحدي الذي يفرض واقع الحال ركوبه بعيدا عن التحامل أو الانتقام، مع استحضار أنه في حالات كثيرة كنت منفذا، ومنفذا ذي حنكة ومستوى عاليين. إن فتح هذا الموضوع سيدشن بالفعل القراءة المطلوبة لصفحات الماضي الأسود وسيرقى بها الى درجة أعلى وأكثر عمق. 
والآن، لن أتحدث عن حملات الاعتقال والاختطاف والنفي أو عن أشكال التعذيب الوحشية داخل الدهاليز الباردة والنتنة كتازمامارت وأكدز ودرب م. الشريف والتي أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الشهداء وخلفت آثارا وعاهات ما فتئ ضحايا القمع السياسي يعانون تبعاتها، كما لن أتطرق الى الأحكام الجائرة التي أجهزت على شباب ومستقبل خيرة أبناء شعبنا أو عن التقتيل بالجملة الذي مارسته وزارة البصري، أم الوزارات، وأجهزتها المتنوعة إبان الانتفاضات الشعبية لسنوات 1981 و1984 و1990 وكلما تعلق الأمر بفعل نضالي أو بحركة احتجاجية، سأكتفي بأن أطرح عليك السؤال التالي:
من قتل الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري؟ 
وأسمح لنفسي بأن أطرح هذا السؤال باعتباري أحد رفاق الشهيدين وكشاهد عيان ولأني كنت محاورا الى جانبها في إطار معركة المجموعة المضربة. وأتمنى ألا تنفي علمك باستشهادهما، لأني في هذه الحالة أملك الأدلة الكافية لتفنيد ادعائك. قد تقول إن وزارة العدل هي المسؤولة عن المعتقلين المضربين من مجموعة مراكش، وقد تقول وزارة الصحة، وقد تتهم الأطباء كما جاء على لسان الملك الحسن الثاني في إحدى ندواته مع الصحافة الأجنبية -انظر كتاب صديقنا الملك لجيل بيرو- كما يمكن أن تقول بأطروحة المغامرة والانتحار...، إلا أن مسؤوليتك هنا ثابتة من خلال عدة قرائن من بينها: 
* الزج بالمضربين داخل الكاشوات بعد تجريدهم من ملابسهم وتشويه حالة بعضهم كقص الشعر أو جزء من الشارب أو اللحية، بدون ماء ولا سكر ودون أي اعتبار لظروفهم الصحية، والحيلولة دون نقلهم الى المستشفيات إلا بعد فوات الأوان وسقوط أغلبهم في الغيبوبة...
* وضع المضربين بالمستشفى تحت الوصاية الكاملة لوزارة الداخلية، الحراسة، المراقبة، الحصار...
* منع إسعاف المضربين وخاصة الشهيدين عندما كانا في حالة احتضار بكل من آسفي والصويرة وتقديمهما عبرة لترهيب باقي المضربين، لاحظوا: شهيد بالصويرة وشهيد آخر بآسفي، وأمام أعين المضربين.
* ترهيب الأطباء والممرضين وإعطائهم التعليمات بتجاهل المضربين واتخاذ ما يكفي من الحذر اتجاههم. وأذكرك، السيد البصري، بالاستفزاز الذي تعرضت له إحدى الممرضات بمستشفى ابن زهر، المامونية، لمجرد إبدائها بعض التعاطف مع المضربين، حيث استنطقت بمخفر الشرطة وتمت معاقبتها والتنكيل بها.
* تهديد أحد الأطباء بالجناح 17، قسم الإنعاش الجراحي، بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء بالاختطاف ليلا إذا استمر في التواصل مع عائلات المضربين.
* تصريح المدير العام للسجون أمام لجنة التنسيق المنبثقة عن الجمعية المغربية لحقوق الـإنسان والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن المضربين عن الطعام يوجدون بين أيدي الأمن الوطني ما داموا خارج السجن (جريدة أنوال، 26 يناير 1989).
* تصريح وزير الصحة آنذاك السيد الطيب بن الشيخ أن كل المسؤولية بشأن المضربين عن الطعام كانت بيد وزارة الداخلية، وذلك بعد احتجاج أستاذة بكلية الطب ورئيسة قسم بمستشفى ابن رشد عن الوضعية الجهنمية التي كان المضربون يكتوون بنارها في صمت تام. وهو نفس الكلام الذي كان يتردد على مسامع عائلات المضربين بوزارة العدل والإدارة العامة للسجون وإدارات المستشفيات، أي أن المسؤولية تعود الى أم الوزارات.
* إصدار وزارة الداخلية بلاغ سنة 1985 يدعي وجود مضربي ابن رشد في وضع صحي لائق، وهو ما يعني أن الداخلية كانت معنية مباشرة بالموضوع. فمن كان أولى بالحديث عن الوضع الصحي للمضربين: وزارة الصحة، الوزارة الأولى أم وزارة الداخلية؟ وهل تستطيع، السيد البصري، أن تنكر مأساة ابن رشد 1985 - 1991 كما أنكرت فضيحة تازمامارت وملحقاتها؟ وبالمناسبة، ما ذا كانت تفعل وزارتكم بالصور الفوتوغرافية التي كانت تأخذها من حين الى آخر للمضربين عن الطعام بابن رشد؟ 
* تمديد معاناة مضربي ابن رشد لما يزيد عن ست سنوات، تحت التخدير والتقييد مع الأسرة بدون زيارة وبدون نظافة وبدون علاج، والحرمان من التعليم ومن وسائل الإعلام...
* اعتقال مجموعة من أفراد عائلات المضربين عن الطعام لمجرد تجندهم لاقتفاء اثر أبنائهم ومؤازرتهم وفك العزلة عنهم.
* اعتقال أخ وأخت أحد المضربين عن الطعام لمجرد اقترابهما من ساحة المستشفى. كان ذلك في 25 غشت 1985، ودام اعتقالهما خمسة أيام.
عموما، لقد حان الوقت لوقوف ضحايا القمع السياسي ضد النسيان وضد الإفلات من العقاب من أجل ركوب التحدي وقراءة الماضي بما ينعش الذاكرة ويقطع الطريق على التغليط وتشويه الحقائق...
حسن أحراث



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق