إن تاريخ القوى الظلامية تاريخ ملطخ بالدماء، دماء شهداء الحرية والانعتاق، الشهداء الذين اغتالتهم هذه القوى الرجعية بدم بارد وأعصاب هادئة وفي واضحة
النهار. وذلك من أجل تصفية كل الحركات المناضلة والأصوات المزعجة واجتثاثها.
وفي هذا الإطار، نالت الحركة الطلابية النصيب الأوفر من الهجومات والاستهدافات من طرف القوى الظلامية المسخرة من طرف النظام القائم لشل الحركة الطلابية وقتل قلبها النابض النهج الديمقراطي القاعدي، الفصيل الثوري، الماركسي اللينيني داخل الجامعات المغربية.
ويعد مسلسل هجومات العصابات الظلامية على الحركة الطلابية، التي بقيت شوكة في حلق النظام القائم رغم القمع الدموي الذي عرفته تلك المرحلة وما سبقها من شعارات "السلم الاجتماعي" و"المسلسل الديمقرطي" و"الإجماع الوطني" عملا إجراميا مكشوفا. وباعتبار الحركة الطلابية جزء لا يتجزأ من الحركة الجماهيرية، فقد واجهت بصدرها العاري كل مخططات النظام الطبقية وأساليبه السياسية الماكرة في حقل التعليم، ورفضت الوقوع في مستنقع المهادنة والاستسلام، واختارت طريق المواجهة والمجابهة ضدا على ا لخيار الانهزامي لكل القوى السياسية الإصلاحية والتحريفية وكذلك كل المركزيات النقابية.
ومن الطبيعي بالنسبة للنظام القائم اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي بوجود الفصيل الماركسي اللينيني المتمثل في النهج الديمقراطي القاعدي أن يعمل انسجاما وتوجيهات الدوائر الإمبريالية على تجنيد وتجييش القوى الظلامية وربيبتها القوى الشوفينية لاجتثاث وإقبار الحركة الطلابية وإطارها العتيد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كانوا يسمونه آنذاك بالاتحاد "الوثني لملاحدة" المغرب. وكانت جامعة ظهر المهراز التي أطلقوا عليها اسم "هافانا" قبلة مفضلة لهؤلاء العصابات. وكان كل المناضلين المدافعين عن قضية أبناء الشعب المغربي متهمين بالزندقة والإلحاد. وأخص بالذكر المناضلين الجذريين الرافعين لراية الثورة كحل جذري لدك النظام الطبقي القائم. وكانت التهم الموجهة للمناضلين الشرفاء أرضية للفتاوى وإصدار أحكام القتل وإزهاق الأرواح وتحويل الساحات الجامعية إلى حمامات من الدماء. وكانت مرحلة نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات مرحلة فارقة، حولت فيها القوى الظلامية الجامعة المغربية إلى ساحات حرب حقيقية وبتحالف مكشوف تتبادل فيه الأدوار مع الأجهزة القمعية. وكانت لجامعتي ظهر المهراز بفاس ومحمد الأول بوجدة النصيب الأكبر من هذه الهجومات. وكان أشدها وأخطرها الهجوم الذي تعرضت له الجماهير الطلابية بجامعة ظهر المهراز بفاس صبيحة يوم 25 اكتوبر سنة 1991، وكان غاية في الدقة بالنظر لطريقة التنظيم العسكري التي استدعت إمكانيات كبيرة جدا، والمشرف عليها طبعا هو النظام القائم، وكذلك حجم العصابات المشاركة في الهجوم والمكونة من ميليشيات تابعة لجماعات ظلامية معروفة. وكانت هذه العصابات مدججة بمختلف أنواع الأسلحة البيضاء والوسائل الحربية وكل المعدات اللوجيستيكية الأخرى. وقد شارك في هذا الهجوم التتاري عناصر غريبة عن الجسم الطلابي وعن المغرب أيضا، حدث كل هذا طبعا تحت أعين وبمباركة جحافل قوى القمع التي شكلت الدرع الواقي لحماية القوى الظلامية (البوليس والخوانجية تحالفات رجعية). وبشكل مفضوح عملت أجهزة المخابرات على تقديم معلومات ومعطيات عن أماكن تواجد المناضلين للعصابات الظلامية، لتبدأ المجزرة بتمزيق أوصال كل من سقط في قبضتهم وتقديمه لقوى القمع لتلقي القبض عليه. وقد تم الزج بالعديد من مناضلي اوطم في سجون الذل والعار والتي كانت آنذاك مليئة بالمعتقلين السياسيين. وبعد أقل من أسبوع ستشهد جامعة محمد الأول بوجدة وعلى شاكلة ما حدث بفاس هجومات متتالية لنفس العصابات الظلامية بعد ما وفر لها النظام كل الحرية في التنقل والحصانة الضرورية وبالطريقة المعهودة لتشهر سيوفها في وجه الطلاب. وأمام مرأى ومسمع الجميع نفدت جريمة بشعة يوم 31 اكتوبر 1991، حيث اقتحمت إحدى قاعات الأشغال التطبيقية بكلية العلوم واختطفت الشهيد المعطي بوملي، مناضل النهج الديمقراطي القاعدي والشعب المغربي، من بين رفاقه في القسم وأمام أعين أستاذه، لتصدر في حقه فتوى سفك دمه بإحدى منازل حي القدس، حيث تعرض هناك لأبشع أنواع التعذيب. وبطريقة همجية وحشية تم قطع أوصاله بدم بارد وجمع دمائه في قنينات، لتنتهي فصول هذه الجريمة التي تشمئز منها النفس البشرية. وقد ألقي به جثة هامدة بعدما لفظ آخر أنفاسه بأحد أزقة حي القدس بوجدة، معلنا ميلاده الجديد وصرخته المدوية، ليلتحق شامخا بقافلة الشهداء العظام، الشهداء الأبطال الذين استرخصوا أرواحهم فداء للقضية والموقف. وكعادة النظام القائم وفي محاولته لطمس وإخفاء معالم هذه الجريمة النكراء والتملص من المسؤولية عمل على نقل جثمان الشهيد سرا إلى أحد المستشفيات. وبعد ذلك تم دفنه سرا بأمر من "الوكيل العام للملك" ليسدل الستار عن آخر فصل من فصول جريمة بشعة كان مهندسها ومخططها النظام القائم ومنفذها طبعا القوى الظلامية العميلة. وللإشارة ولحدود اللحظة التاريخية لازال قبر الشهيد مجهولا. ومما لاشك فيه أن عجز القوى الظلامية عن إنجاز المهام الموكولة لها باعتبارها شكلا من أشكال الحظر العملي على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعلى رأسها اجتثاث دينامية الحركة الطلابية والنهج الديمقراطي القاعدي، لجأ النظام إلى أساليب وتكتيكات أخرى كوسائل القمع المباشرة والاعتقالات وطرد المناضلين، مما خلف العديد من المعتقلين والمطرودين والشهداء.. فبعد توالي السنوات تأكد للنظام القائم فشله الذريع في احتواء ولجم الحركة وإيقاف الفعل النضالي، خصوصا بعد انتهاء المدة الزمنية التي حددها له أسياده بغية تنزيل وفرض رسوم التسجيل ابتداء من سنة 2006. لقد جعل النظام القائم من بين أولوياته تنفيذ مخططات طبقية في التعليم بعد ملف الصحراء الغربية. وهذا ما يتبين من خلال الخطابات والإشارات المتكررة، مما أدى إلى البحث عن رجل إطفاء جديد ليتبادل الأدوار معه. لكن هذه المرة لم يكلف نفسه كثيرا لأجل هذا الغرض، وذلك لوجود قوى سياسية داخل الجامعة تتقاطع معه (هموم المرحلة) بالمكشوف، وتتمثل في خوصصة التعليم. إنها القوى الشوفينية الرجعية والمسماة "بالحركة الثقافية الأمازيغية"، فهي لا تختلف عن سابقتها القوى الظلامية إلا في الشكل، أما المضمون فهو واحد.
لقد عملت القوى الشوفينية الرجعية على حشد كل الإمكانيات والطاقات من أجل الهجوم على الحركة الطلابية، وذلك اعتمادا على "ضغضغة" عواطف أبناء الشعب على مستوى مناطق الجنوب الشرقي وتصويرها على أن اوطم والنهج الديمقراطي القاعدي يكنان العداء للأمازيغية والأمازيغ في محاولة لتحريف ومحورة الصراع من صراع طبقي طاحن بين النظام القائم من جهة والجماهير الشعبية من جهة أخرى، إلى صراع وهمي عرقي لغوي مصطنع بين الأمازيغ والعرب. فهذه القوى، شأنها شأن القوى الظلامية، عملت جاهدة وبكل الوسائل على الهجوم وبنفس الطريقة على الحركة الطلابية ومناضلي النهج الديمقراطي القاعدي عبر أشكالها المشبوهة التي تنظمها داخل الجامعة وخارجها. لقد قامت هي الأخرى بالهجوم وبنفس الطريقة، وهذه المرة سنة 2007، حيث تم هجوم هذه العصابات على المواقع الجامعية (اكادير، مكناس، الراشدية، تازة...) مخلفة من ورائها جريمة بشعة وهي استشهاد المناضلين عبد الرحمان الحسناوي ومحمد الطاهر الساسوي في ظرف عشرة أيام. وقد كانت هذه القوى مشكلة من عصابات فاشية تلقت كل الدعم السياسي واللوجيستيكي المادي والمعنوي من طرف النظام القائم للقيام بهجومها المستمر حتى اللحظة الراهنة. إن القوى الظلامية والقوى الشوفينية الرجعية هما وجهان لعملة واحدة. فالأولى متعصبة للدين وتستغله من أجل أهداف سياسية وتصدر الأحكام والفتاوي باسمه. والثانية متعصبة للعرق واللغة. فهما يمحورون ويخفون حقيقة وجوهر الصراع القائم، بما هو صراع طبقي بين التحالف الطبقي المسيطر من جهة والجماهير الشعبية كطرف نقيض وفي مقدمتها الطبقة العاملة. إن حقيقة هذه القوى الفاشية باعتبارها عدوة الفكر والشعب، هي أيادي ولعبة بيد النظام، يوظفها ويحركها متى يشاء وبتكتيكات مختلفة. فإذا كانت القوى الظلامية قد خاضت الحرب بالوكالة عن النظام خلال مرحلة التسعينيات من خلال الهجومات والاغتيالات التي طالت مناضلي الحركة الطلابية، فإنها لم تنل من شوكة الحركة ولن تستطيع شلها. وبعد فشلها الدريع ووصول النظام الى عنق الزجاجة، انكشفت حقيقة القوى الظلامية بالنسبة للجماهير الطلابية بشكل خاص والجماهير الشعبية بشكل عام.
ولذلك، عمل النظام على التفكير في خلق بديل لذلك، خصوصا بعد نهاية التسعينيات، وبالضبط عند شروعه في تنزيل بنود المخطط الطبقي "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" وبعده "المخطط الاستعجالي" وصولا إلى "المخطط الإستراتيجي". والأمر هذه المرة أوكل للقوى الشوفينية الرجعية التي تمارس الحرب بالوكالة نيابة عن النظام في الهجوم على الحركة الطلابية ومناضليها الشرفاء.
لكن مهما حاولوا ويحاولوا، لن ينالوا من عزيمة الجماهير الطلابية في التشبث بإطارها العتيد اوطم وتحصين مكتسباتها التاريخية مادام أبناء العمال والمقهورين متواجدين بالساحات والجامعات المغربية.
إن خير ما نقدمه للشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن قضية التحرر والانعتاق، سواء الذين سقطوا على أيادي قوى الغدر الظلامية أو الذين اغتيلوا بشتى الطرق من طرف النظام الطبقي القائم، هو السير على خطاهم والتشبث بالقضية التي استشهدوا من أجلها. وهنا بالفعل يعطى لتخليد ذكرى الشهداء مغزاها ومضمونها الحقيقي، في الارتباط بالقضايا الحقيقية للشعب المغربي، وليس جعل ذكرى الشهيد مجرد محطة للبكاء على الأطلال وإلصاق الصور على الجدران واستعراض العضلات..
وللأسف، نلاحظ أنه وبانتهازية مقيتة يتم استغلال ذكريات الشهداء والاسترزاق السياسي عليها. ومهما حاول النظام القائم إخفاء التاريخ المشرق للشعب المغربي وطمس ذكريات الشهداء ، فإنه لن يمحوه من التاريخ المجيد.. فهي محطات حية لن ولم تمت.. ستبقى راسخة في ذاكرة أبناء الشعب المقهورين حتى النصر الأكيد...
30 أكتوبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓