تأخرنا كثيرا عن غيرنا من الشعوب المضطهدة فيما يخص تحطيم الأصنام السياسية، رغم إجهاض تجاربها المتميزة (تونس ومصر...). لقد فعلت بنا "أصنامنا"
ما شاءت باسم شعارات تافهة ومتجاوزة سياسيا وتاريخيا، بل وجعلت منا عبيدا "ركعا سجدا" الى حين غير منظور ندور في الدوائر المغلقة المفضية الى تعميق جراحنا وجراح شعبنا. فالنظام القائم وجوقة الأحزاب السياسية عاتت فسادا غير مسبوق وكذلك القيادات النقابية بدون استثناء. لقد نفذوا ما عجز الاستعمار المباشر عن القيام به، بل واصلوا مسيرته بكل نظام وانتظام. إنهم الأبناء/الورثة الشرعيون للاستعمار في صيغته القديمة والامبريالية في الصيغة الجديدة. لقد تجندوا لجعل شعبنا يصدق ما لا يصدق ويعملون دون كلل على تعطيل ذاكرتنا وتخدير حواسنا وعقلنا، باسم الوطنية المزعومة والبطولة المفترى عليها تارة وباسم الدين تارة أخرى. والخطير أننا نمزق ونعاني بمساهمة ومباركة "مناضلين" مسلطين على رقابنا رغما عنا. لقد جعلوا "النضال" وسيلة لاستمرار قهرنا واضطهادنا، كما فعلوا باسم شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان...
لقد سرقوا أحلام شعبنا في مغرب حر ومستقل، أمام أعيننا وباسمنا. وكذلك مجد شعبنا في واضحة النهار وامتطوا صهوة تضحياته بكل رعونة. لقد زيفوا تاريخنا وكتبوا تاريخهم وفق ما يحلوا لهم. لقد خربوا معالمنا وطمسوا مجد رموزنا. وبالمناسبة، ما هو حيز أو مكانة ذكرى وفاة زعيم/رمز ثورة الريف المجيدة محمد بن عبد الكريم الخطابي (06 فبراير) في خضم "إعلامنا" المملوك ، خاصة والانتفاضة المشتعلة بمنطقة الحسيمة، وكذلك أجواء انتفاضة 20 فبراير المجيدة؟ تمر الذكريات الخالدة في صمت وتقام الدنيا ولا تقعد بالنسبة لمحطات الخنوع ولحظات الهزيمة، ويتم التهريج للخونة والمتاجرين في قضايانا المصيرية. الى متى سنبقى ننخدع للزعامات الكارطونية المصنوعة على المقاس من طرف النظام في السر والعلن، بالمباشر وبغير المباشر؟ إنها مؤامرات لإلهائنا عن المهام الحقيقية التي من شأنها تخليص رقاب شعبنا من مقصلة النظام القائم.
لقد سرقوا ثروات وخيرات شعبنا بالجملة والتقسيط، في البر والبحر والسماء.
تعانقت المصالح الطبقية للنظام وأزلامه ومصالح الاستعمار ضد مصالح شعبنا منذ محطة "إيكس- لي-بان" المشؤومة، وكل الأصنام السياسية والنقابية باركت العناق الماكر. إنه العناق الذي يخنق شعبنا حتى الآن. إنها البداية الجديدة لمعاناة شعبنا. إنها الحلقة الأولى لتصفية المقاومة المسلحة وجيش التحرير، لتليها الحلقة التي نفذها الاستعمار الفرنسي والاسباني والنظام القائم بالمغرب باسم "إيكوفيون" (ECUVILLON- المكنسة)...
لا ندعو الى التباكي على الأطلال، ولا نبرئ أنفسنا. إننا نتحمل مسؤوليتنا، كامل المسؤولية. فأن تختار قضية شعبك، يعني أن تتحمل قوتها وضعفها، إيجابياتها وانتصاراتها وأيضا سلبياتها وإخفاقاتها..
لقد حصل ما حصل، بل ويستمر ما حصل. لكن، ما العمل؟
لا أحد يملك العصا السحرية، وكفى من الأوهام والشعارات والوعود الزائفة. فلا معنى لتكرار جرائم الأصنام السياسية والنقابية والجمعوية..
لنقل الحقيقة لأنفسنا أولا ولشعبنا ثانيا. ليتبارى المناضلون من أجل تفكيك أساليب الاستغلال والاضطهاد وفضح المؤامرات التي تحاك ضد شعبنا وإبداع أشكال الانفلات من قبضة التيه الذي نعيشه ومخالب الفوضى التي تمتص كل جهودنا وتضحياتنا.
ليتوحد وليتنظم المناضلون الصادقون على قاعدة مركزية ديمقراطية مبدعة بعيدا عن الولاءات القاتلة والأشكال البيروقراطية السامة، المناضلون أصحاب القضية الحقة، قضية العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، على أرض الواقع أولا، نظرية وممارسة من أجل القطع مع كل ما يحيل على الماضي بمعاني التواطؤ والسكوت عن الإجرام الذي مارسه النظام في حق أبناء شعبنا. لننطلق من حيث "سقط" رفاقنا معتقلون أو شهداء، على الأقل منذ بزوغ شمس الحركة الماركسية اللينينية المغربية في مطلع السبعينات من القرن الماضي، كتجربة سياسية رائدة تستحق منا الإخصاب والتطوير.
لقد حطمت الكثير من الأصنام في مختلف المواقع بفضل تضحيات المناضلين المتواصلة وتم فضح النباتات الضارة والمسمومة (الطفيليات) التي تلعب بالنار وتوظف النضال لقضاء مآربها ومصالحها الضيقة. وانكشفت أساليب الأزلام المندسة لتسميم العلاقات الرفاقية وخلق أجواء الشك والريبة لعرقلة الجهود نحو بناء الذات المناضلة والمنسجمة.
فلا معنى بعد الآن (بل ومنذ زمن بعيد)، أي بعد تورط جل الأحزاب السياسية وكل القيادات النقابية في التآمر على قضية شعبنا، لمواصلة مهادنتها أو التعايش معها. إن الاستمرار في مغازلة الأحزاب السياسية التي صار جلها "إداريا" ومواصلة التنسيق والتواصل مع القيادات النقابية المنهزمة والتي صارت تلجم النضالات بدل تأجيجها، يعبر عن التواطؤ المفضوح مع الواقع المتعفن والموبوء.
إن ما تعيشه منطقة الحسيمة الآن يجعلنا نستفيق من سباتنا السياسي. أولا، غياب الأحزاب السياسية، كما دائما، وكأنها غير معنية بما يجري، بل وانشغالها بالكراسي الوتيرة والحقائب الوزارية. ثانيا، جهود نضالية مشتتة عاجزة عن القبض على خيوط التأطير والتنظيم، حيث فظاعة الاختراقات البوليسية وقوة الأيادي الشوفينية التي تشتغل على إجهاض أي نهوض حقيقي لشعبنا موظفة كل الأساليب دناءة من مثل تجييش العواطف وتسييد "الروح القبلية" المقيتة.
لن نمل، كما علمنا رفاقنا، من ترديد ما يفيدنا ويفيد أبناء شعبنا. كل الاحترام لرموز شعبنا المناضلة والخزي للأسماء الميتة نضاليا والحية تخاذلا وخيانة، والعار للأصنام السياسية والمالية ومافيات المخدرات.
لا معنى لمعانقة زيد بدل عمر، انتهى زمن "شخصنة" النضال. نعم للعقل الجمعي والتفكير العلمي، التحليل الملموس للواقع الملموس. انتهى زمن الأصنام وعبادة الأصنام وتقديس الأصنام. نحن في زمن الإبداع والابتكار العلميين. لا بديل عن الصدق النضالي وعن النقد والنقد الذاتي.
لا مجال للغياب دهرا والنطق كفرا. نعم للفعل المنتظم والمنظم وفي المواقع المناسبة. ليقدم المناضلون الحساب كمعيار لنضاليتهم وعطائهم. لتكن لدينا الجرأة لنعلن عن إسهاماتنا الناجحة وعن إخفاقاتنا. فلا مجال لادعاء النضال عن بعد ولا مجال للثرثرة والتكرار الممل، كما لا بديل عن الوضوح والانسجام النضاليين، وإن للقضايا الكبرى مناضلوها...
شارك هذا الموضوع على: ↓