في استحضارنا للذكرى الثالثة والعشرين لاغتيال مناضل الحركة الطلابية الشهيد محمد آيت الجيد بنعيسى؛ المعروف بنشاطه السياسي وحركيته النضالية بمدينة
فاس عموما وبجامعة ظهر المهراز خصوصا؛ من طرف عناصر تنتمي في غالبيتها إلى جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، من واجبنا النضالي الوقوف على دوافع الاغتيال السياسي التي تمارسه وتنهجه الحركات الإسلامية في حق المناضلين الديمقراطيين والثوريين على حد سواء. لقد أتحفتنا أقلام متعددة مأجورة وحاقدة مرتدة بسانفونيات متنوعة ومتهالكة وتهافتت وسارعت نحو إدانة العنف والعنف المضاد تحت جمل معسولة "ندين العنف مهما كان مصدره" بل الغريب في الأمر هو استباق القوى الظلامية جنبا إلى جنب مع بعض الأطراف السياسية التي تدعي الانتماء إلى اليسار الأحداث وركوب نفس الحملة المغرضة والمشوهة والمضللة والمغالطة لمفاهيم استدعت العديد من الدراسات والبحوث لترى الوجود على سطح الصراع الطبقي لإدانة العنف، إلا أن هذا المداد الإليكتروني الجاف يستهدف بالدرجة الأولى وعي الجماهير الشعبية المقاومة مما يجعل هذا الهجوم هجوما حاقدا من دون مصداقية ومن دون تمييز ويفتقد إلى أي أسس علمية مادية ومنطقية ولا يميز بين ما وراء حروف أحداث العنف الهمجية من إشكالات تاريخية وسياسية في خوض الصراع الطبقي.
إن الاغتيال السياسي هو نتيجة لمحطة من محطات تطور الصراع الإيديولوجي والسياسي. فكلما أصبح الفكر العلمي يشكل تهديدا وزعزعة للفكر اللاعلمي إلا وسارع هذا الأخير إلى إيقاف نقيضه ووضع حد لتهديداته وبشتى الأشكال المتاحة له، لقد استنفذت القوى الظلامية كل أشكال التمويه والخداع و بثت مجموعة من المغالطات (الاتحاد "الوتني" لطلبة المغرب...) طيلة محاولاتها القضاء على التيار القوي الذي يتمتع بأوسع قاعدة طلابية في تاريخ الحركة عندما كانت عاجزة عن القيام باغتيال وتصفية المناضلين وغير قادرة على ضمان حضورها في صفوف الحركة الطلابية بقوة السيف والساطور. فمن واجب المناضل أن يميز بين الفكر المادي والفكر الغيبي، بين الفكر المتجدد والفكر الجاهز. إن الفكر الغيبي هو في صدام دائم مع تطور الأحداث المادية، وللحفاظ على وحدة تناسقه ووحدة بنائه وجب القضاء على الفكر المادي المعادي له الذي هو نفسه نتاج هذه الأحداث المادية. فهو كفكر علمي غير قابل للانهزام، بل العكس إنه يستمد قوته من هذا التطور، ومن تم فهو يصارع الفكر المضاد المهزوم حتما بتناقضاته. ففي إطار هذا الصراع إن الفكر المادي هو متفوق وحاملو هذا الفكر لن يتطلب منهم العنف المادي للدفاع عنه كفكر علمي مادي ومتناسق في حقل من حقول الصراع الإيديولوجي. لأن قوتهم هي في الاقتناع وتبني بهذا الفكر المادي المتناسق البناء. فالخصم الحامل للفكر المتناقض هو الذي يجد نفسه في صراع غير قابل للنقد وبالتالي فالعنف المادي بالنسبة له هو الحل، والحل الوحيد للدفاع عن البقاء الجامد لهذا الفكر غير المتناسق البناء. وفي تطور الصراع الإيديولوجي بين الفكر المادي والفكر الغيبي يجد هذا الأخير نفسه غير قادر على الاستمرار في المواجهة، فيلجأ إلى البديهيات المضحدة لتصبح مقدسة ويجعلها حاجزا وخطا أحمر لا يجب تجاوزه كإحدى المسلمات الموروثة للحفاظ على تناسقه اللاعلمي. وأي تجاوز للخط الأحمر أو طعن للمقدس هو إشارة خضراء لممارسة العنف الهمجي. وفي المقابل لا أغلال ولا مقدس للفكر المادي، بل يقتحم كل الأفكار والنظريات المشكلة لهذا الفكر أو ذاك في أفق استشراف القوانين المحددة للحركة المادية.
إن عدم قدرة حاملي الفكر الغيبي على الدفاع عن وحدة تناسقه اللاعقلانية هو ما يؤطر وعيهم بالدفاع عنه بالهجوم وتشويه ذات الفكر المادي، ومن تم تحديد موقع خطورتها على فكرهم ووفق هذا التحديد سينتج الفقه الفتاوى من أجل شرعنة الأحكام الصادرة عن محاكم الفقه/التفتيش الرجعية في حق ذات أو ذوات الفكر المادي. وذلك من خلال التصفيات الجسدية والإعدامات أو غير ذلك كحل لتناقضات الفكر الغيبي. إن العنف الظلامي ليس عبارة عن أحداث معزولة، إنه مواجهة في ظل تضارب المصالح الطبقية من خلال سلسلة من الأحداث المادية التاريخية في علاقة جدلية معقدة، إنه عنف مؤطر بتصور ظلامي تضليلي رجعي.. والصراع من أجل استئصال الفكر الغيبي يستدعي العمل والفعل بدون كلل لتقوية الفكر المادي وتقوية أسسه العلمية. وفي تمدد هذا الوعي المادي على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي تهديد للبناء السياسي والاقتصادي، فالعنف الرجعي حتمي للحفاظ على هذا البناء. ويبقى الحل الوحيد إما الاستسلام وإما المقاومة والهجوم من أجل تغيير هذا البناء الهش. إن في اغتيال عمر بن جلون والمعطي بوملي ومحمد آيت الجيد بنعيسى والمهدي عامل وفرج فودة وحسين مروة... ضعف الفكر الغيبي وعدم قدرته على الحفاظ على بنائه المتناقض والمتهاوي على رؤوس المتخاذلين..
المجد والخلود للشهيد أيت الجيد ولكافة شهداء شعبنا الأبطال.
3 مارس 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓