متى كان بنكيران يقرر أو يحكم؟ ومتى كان أي وزير أول سابق أو رئيس حكومة سابق أو أي وزير، بالأمس أو اليوم، يمارس وفق صلاحياته (الشكلية والمحدودة بقوة الواقع والقانون، بما في ذلك الدستور الممنوح) أو وفق برنامج حزبه (وأي برنامج)؟
هل كان حزب "العدالة والتنمية" يقود الحكومة فعلا؟ وهل حزب "العدالة والتنمية" من شكل الحكومة حقيقة؟
وهل الحكومة تحكم أو تقرر؟
وأكثر/أفظع من ذلك، هل لدينا أحزاب سياسية أم فقط مافيات/عصابات تحت الطلب؟ أسئلة وأخرى لابد من طرحها لفهم "العبث" السياسي الحالي المرتبط بتشكيل الحكومة. فما يسمى لدينا بالأحزاب السياسية أدوات ميتة مختزلة برداءة في "زعمائها" الطيعين والمنفذين، وفي أحسن الأحوال في كمشة من السماسرة "المحنكين"..
إن للعملة السياسية المغربية أوجه عديدة، إنها عملة أخطبوطية.. فالعثماني كما بن كيران، وكما غيره منذ البكاي في نونبر 1955... وكذلك الشأن بالنسبة لباقي "الزعماء" الورقيين الذين لا تعني لهم مصلحة الوطن غير مصلحتهم الشخصية. فلا مبادئ ولا أخلاق ولا اجتهاد غير ما يخص تقديم الولاء والطاعة...
إن مربط الفرس هو غياب الديمقراطية. وفي ظل هذا المعطى الجوهري، يمكن توقع الشيء ونقيضه. فلا المنطق أو التحليل العلمي (التحليل الملموس للواقع الملموس) يفيد في مقاربة سيرورة تطور الوضع السياسي بالمغرب من خلال المعطيات الرسمية المتداولة باحترافية قاتلة. فوحده الحجز عن المعلومة واحتكارها يعيق أي فهم سديد لما جرى ويجري الآن. وصار الإعلام المملوك يقوم بدور الموجه نحو الخلاصات المطلوبة بدون عناء. ونبقى شئنا أم أبينا كمتابعين سطحيين سجيني ما يسقط علينا بهذه الطريقة أو تلك وبهذا المضمون أو ذاك.. ورغم ذلك، فما هو ثابت بالنسبة للمناضلين يفسر كل الخرجات البهلوانية المتوقعة وغير المتوقعة. ففي ظل نظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي لا يمكن إلا أن تسير القافلة على سكة ما يخدم مصالح النظام الطبقية ومصالح أسياده، وعلى رأسهم الامبريالية.. فالرجعية والصهيونية والامبريالية ذات واحدة منسجمة (مصير مشترك) تخدم نفسها بكل الطرق والأساليب، سواء المكشوفة أو الملتوية أو الغامضة...
فكل "مسؤول"، من داخل الحكومة أو من خارجها، يشتغل وفق التعليمات والأوامر الصادرة من طرف هذه الجهة أو تلك، بما في ذلك الجهات الخارجية، ومن بينها المؤسسات الامبريالية، وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي... وكلنا يذكر ويتذكر أنه عندما يصرح "مسؤول" في أي مناسبة، لا يمكن ألا ينطلق من اللازمة "حسب التوجيهات السامية"... وهنا يغيب الحزب ويغيب "برنامج" الحزب و"قواعد" الحزب و"تاريخ" الحزب، وبالتالي تحضر التوجيهات والتعليمات والأوامر...
إن اللعبة "الديمقراطية" (الانتخابات التشريعية بالخصوص) لم تعكس في يوم من الأيام حقيقة الصراع الطبقي ببلادنا. فإبان كل لعبة، منذ أول لعبة سنة 1963 مع تجربة "فديك" (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية) التي قامت على دستور 1962 الممنوح بقيادة "بصري" زمانه حينذاك المدعو رضى كديرة، يتم اللجوء الى "فبركة" الخرائط السياسية المناسبة لتمرير وفرض هذا المخطط الطبقي أو ذاك. وقد استمرت "الحكاية" المملة حتى اليوم على قاعدة الدستور الممنوح لسنة 2011 الذي لا يختلف في جوهره عن سابقيه من الدساتير الممنوحة، حيث لا صلة له بانتفاضة 20 فبراير المجيدة لسنة 2011 أو بروحها، كما يزعم الكثير من دهاقنة الكلمة المسمومة والمضللة..
لقد مرروا وفق ما يحلوا لهم الكثير من الجرائم، مثل "التقاعد" والتعاقد" وضرب "المقاصة"... في ظل تواطؤ فظيع من الأحزاب السياسية والنقابات...
فقبل البهلوان بنكيران الذي ثبت "قانون" عفا الله عما سلف، كان "رفيقه" (الطيع) اليوسفي قد سبقه الى ذلك عندما أقر بأنه "لن يطارد الساحرات" (Faire la chasse aux sorcières)..
يأتون ويذهبون، فرادى وجماعات، ليعمقوا جراح شعبنا وليكرسوا القبضة الحديدية للنظام القائم. إنهم مجرد أزلام منفذة للمخططات الطبقية المملاة بدقة..
فالسجون لم تشهد يوما بدون معتقلين سياسيين، ولم نعش يوما بدون احتجاجات ونضالات في مواجهة القمع الدموي والاستغلال والاضطهاد.. إن الصراع الطبقي يزداد احتدادا وتناحرا ويراكم الخبرات والتجارب والتضحيات (الشهداء والمعتقلون السياسيون والمشردون...)، وبالمقابل يتسع الهامش للعبث وردود الفعل العشوائية والحروب الهامشية والكثير من الترف غير المفيد...
إن النظام القائم يمارس "الإلهاء" ويسوق الصراع نحو القشور والهامش القاحل. وهي أساليب مفضوحة لن تثنينا عن النفاذ الى صلب الصراع، أي أن نكون أو لا نكون.. فالمجال ليس للبسط أو الترفيه وامتصاص الغضب. كما أن المسرحيات المملة لم تعد تطرب أحدا أمام أشلاء شعبنا الممزقة..
لنتحمل المسؤولية في مواجهة هذا العبث الذي يخنقنا جميعا، بل ومواجهة مصادره أو منابعه. فلم يعد ممكنا التعايش مع هذا الذل المفروض تحت أي شعار كان..
وأول خطوة في الاتجاه الصحيح هي تنظيم أنفسنا ورفض أي تحالفات هجينة الى جانب القوى الشوفينية أو الظلامية التي من شأنها العودة بنا الى الوراء وإغراقنا في دماء رفاقنا الذين استشهدوا في واضحة النهار على أيدي هؤلاء المرتزقة. فكل من يزكي اللعبة بهذا الشكل أو ذاك ومن هذا الموقع أو ذاك يضع نفسه عن طواعية في "سلة" النظام المثقوبة. لنحافظ على ذاكرتنا متقدة ولنحافظ على أيدينا نظيفة..
إن إرادة الشعوب لا تقهر، وهو شعارنا ومبدؤنا البارحة واليوم وغدا... سنسير مناضلين متحدين مع كل الثوار الحقيقيين، كل من موقعه، على طريق ثورة شعبنا الآتية لا محالة..
شارك هذا الموضوع على: ↓