الكل (نساء ورجالا) يتحدث عن المرأة وينظر اليها من مختلف الزوايا. وبدون شك نالت المرأة من "الاهتمام"، خاصة كجسد وعبر التاريخ، أكثر مما ناله الرجل.
إلا أن هذا الاهتمام في تنوعه، قليلا ما أفاد المرأة وقضية المرأة، خاصة في بعدها الطبقي، حيث تحررها الحقيقي مرتبط، بل رهين بتحرر المجتمع ككل، نساء ورجالا.
بدوري تحدثت عن المرأة، إنسانا/ة وقضية وثورة، إلا أني (ضمن هذا الكل) لم أكن منصفة بما يكفي لنفسي كامرأة أولا وللمرأة ثانيا.
لا أدعي الآن أني سأنصف نساء العالم، وبما يكفي. لكني بهذه المناسبة، أي اليوم العالمي للمرأة أو لحقوق المرأة (08 مارس)، سأنصف أو أرد بعض الاعتبار لإنسانة منسية في "أدغال" جنوب بلادنا المهمش منذ نشأتها وحتى مماتها. إنها أمي التي رحلت في الأيام الماضية. وهو اعتراف صادق تجاه أمي وكل الأمهات الرائعات والجميلات، وأنا واحدة منهن، أم الغالي أمين وأم رفيقته/زوجته الغالية ليلى..
أحدثكم وحرقة فراق أمي تمزقني. أشلائي تائهة في خبايا/ثنايا الريح وبين خيوط المطر...
أحدثكم عن أمي...
أمي هي كل الأمهات البسيطات، كل الأمهات الكادحات.
أمي، أم سعيدة وزبيدة ونجية، أم كل الشهيدات والشهداء.
أمي ذلك الحب الحارق الذي "يقسو" في حنانه و"يؤلم" في لطافته.
أمي تلك الفلاحة التي اشتغلت بالبيت والحقل وما بينهما. أمي فلاحة، أمي عاملة، أمي إنسانة...
خبرت تراب منطقة تكديرت إفرض Taga-dir-t Iferd بآيت بعمران وعايشت أجيالها. تعرفها أشجارها وجبالها ونساؤها ورجالها.
علمتني أن أحب حتى الذوبان، وأن أكره حد الغثيان.
علمتني التمييز بين الغث والسمين، وبين الخير والشر، وبين الحق والظلم، وبين الصواب والخطأ...
علمتني الحياة داخل السجن وخارجه. علمتني الصمود في قفار السجن الكبير المليء بالوحوش المفترسة. علمتني الوفاء والصدق والإخلاص...
علمتني أن أقاوم وأن أمشي على جرحي وأقاوم.
لنقاوم رفيقاتي/رفاقي، ولنمش على الجرح ونمشي رغم الألم والاضطهاد والاستغلال، ألم القمع وألم الردة وألم الخيانة...
معذرة أمي، تعلمت منك والزنزانة الصمود والقوة وروح التحدي.
معذرة، لست الزنزانة، وليست الزنزانة أمي.
ها نحن، قد عدنا شهيدات وشهداء.
ها نحن نقاوم.
ها نحن نسير، فوق الأرض وتحت الأرض.
وسنبقى نسير حتى الظفر بالنصر والإكسير.
وحتى إطلاق سراح المعتقل والأسير.
شكرا أمي. لم أرث عنك أرضا ولا رصيدا ولا سيارات ولا جواهر...
لم أرث عنك غير الحب والإيثار وحاسة شم قوية... حاسة شم تكشف المندسين والمنافقين والانتهازيين...
قضيتك أمي هي قضية كل الأمهات، قضية المرأة وقضية الرجل، قضية أمهات وزوجات وبنات وأخوات الشهداء والمعتقلين السياسيين، وقضية شعب في الأول والآخر...
ولا يفوتني أن أحيي وأعانق بحرارة كل من اتصل بي وكل من اتصلت بي، وكل من عبر وكل من عبرت عن تضامنها/تضامنه معي في هذه المحنة. فبكم وبكن تجاوزت، بل قهرت شراسة الموت. ولي اليقين أن الصديقة خديجة غامري وزوجها وعائلتها قد قهروا بكم وبكن بشاعة اختطاف الفقيدة دلال من بين أحضانهم وهي في ريعان شبابها. فلتضامنكم/كن ودعمكم/كن معاني النبل والشهامة...
لنتضامن ولنؤازر بعضنا البعض لهزم الموت، مهما تعددت مصادره...
5 مارس 2017
شارك هذا الموضوع على: ↓