إن المتتبع لمسار معركة مناجم عوام سيجد أن المعركة قد بلغت في سيرورتها
النضالية مرحلة يتحتم فيها على العمال والمناضلين النضال في كل الواجهات. إن تحديد العدو أساس النضال الصحيح، وما لم يستوعبه العمال بالنظرية يكتشفونه بالممارسة. إلا أن المسافة الزمنية بين القراءة النظرية للصراع والتي تلقى على عاتق المناضلين الماركسيين اللينينيين واستيعاب العمال لهذه القراءة قد يؤثر في الصراع.
هذا بالضبط الدرس الأساسي الذي يعود فيه الفضل للصراع الميداني الذي يقرب فيه النظرية لنشاط العمال الواقعي. يعلم الصراع العمال درس: إن الإجابة تستلزم الوعي بالصراع. هذا الدرس لن يكون مجانيا، خاصة وأن واقع غياب المعبر السياسي الحقيقي للبروليتاريا وحقيقة انتشار الوعي النقابي القح بعلته، يجعل الوعي الطبقي عند العمال تحت المستوى الجنيني. طبعا لن نحمل العمال هذه المسؤولية، بل هي مسؤولية الرفاق. أن يواجه العمال الإدارة الرأسمالية وممثلي النظام والبيروقراطية، هذا أمر لا مفر منه وحقيقة موضوعية. لكن الفرق يكمن في طريقة إيصال هذه الحقيقة. أن ننكب وبشكل مبدئي ومسؤول على نشرها وتقريبها للعمال، لكي تنتقل من القوة الى الفعل أو نترك التاريخ يوصلها للعمال، لكن بمرارة قاسية وتأخر ملحوظ. والتاريخ لا يسجل هذه الحقيقة فقط، بل يسجل ويعري حقيقة الذات المسؤولة عن نقل البروليتاريا من مستوى الوجود فقط الى مستوى الوجود للذات، ومن أجل الذات من مستوى المساهمة في الصراع الى مستوى المهام التاريخية لقيادة الصراع. مهام صعبة وجسيمة تنتظرنا وتزداد صعوبة كلما تأخرنا فيها. فكم من الألم والمعاناة ينبغي للعمال دفعها حتي نستيقظ؟ وكم من التراكمات السلبية التي علينا التغلب عليها؟ هذه الأسئلة وغيرها هي مرتبطة بالذات الثورية وهي ليست جلدا للذات كما يتوهم البعض لكنها مدخل للإجابة عن الوضع الراهن.
العمال بمنجم عوام قد وصلوا الى هذه الحقيقة بتضحيات كبيرة. فبعد أن ناضلوا واعتصموا تحت الأرض لمدة شهر، وبعد حوار مشبوه يحمل في الظاهر شيئا وفي المضمون شيئا آخر، مضمون لخص حقيقة الصراع الطبقي، كيف يكون القانون والرأسمال وكراكيز النقابة والنظام يدا واحدة ضد العمال. العدو الأول هو النظام باعتباره الراعي الرسمي الوجودي للاستغلال والاضطهاد. والعدو الثاني هو المستغل المباشر للعمل المأجور، وهو الرأسمال "المتشخصن" في الإدارة التي تستغل العمال أبشع استغلال، وفي غياب تام لأبسط شروط العمل، وفي تجاوز سافر لكل الاتفاقات.. أما العدو الثالث والذي لا يقل شراسة، فهو البيروقراطية التي تنمو كالطفيليات في جسد العمال. فعمال المنجم يواجهون بيروقراطية UMT خارجهم وبيروقراطية UGTM من داخلهم. لقد عرت المعركة هذه الطفيليات، خاصة يوم الاثنين 15 ماي 2017. فبعد التوقيع على محضر الحوار، كان من الطبيعي أن يلتحق العمال بالعمل. لكن كما تمت الإشارة سابقا، المحضر ليس بالظاهر بل بالمضمون الذي أخفته البيروقراطية عن العمال حتى اصطدموا به. وما زاد الطين بلة هو الموقف المشوش للمكتب المحلي. أوقف العمال عن العمل كشكل تضامني مع المطرودين، لكن الحقيقة هي عكس ذلك، حيث راهن المكتب على نقطة قانونية للشغل، هي تغيب العمال عن العمل لمدة خمسة أيام الذي يوازيه الطرد. مع العلم أن المكتب لم يصدر بيان الاعتصام، مما يعني أن غياب العمال غير مبرر. وبعد أربعة أيام، ستطفو هذه النقطة للواجهة ليلتحق العمال بالعمل. كان من الممكن، بل من الواجب أن يخرج المكتب ببيان استمرار المعركة ليحمي المطرودين وكذا المتضامنين من العمال، باعتبار أن سبب إيقافهم هي المكاسب التي حققها هؤلاء المعتصمين بتضحياتهم والتي كانت سبب تموقف الشركة منهم. هذه التلاعبات الصبيانية المشبوهة للمكاتب النقابية ستدفع العمال الى الاصطدام معها والتشبث بمطالبهم. وهنا يجد العمال أنفسهم ضد الكل، ضد العدو الموضوعي النظام والشركة والعدو الذاتي الذي تمثله البيروقراطية النقابية، محليا وإقليميا ووطنيا.
لقد تأثرت المعركة بهذه المعطيات، لكن الصراع لن يستقيم بدون أن تتضح ملامح الأعداء، وتستمر المعركة بنفس مختلف عن سابقه.
إنها دروس وعبر في درب النضال الطويل والشاق..
شارك هذا الموضوع على: ↓