إن المتتبع لمسار معركة عمال مناجم عوام، لابد له أن يقف بإجلال لتضحيات العمال الأشاوس وللمستوى النضالي العالي الذي أبانوا عنه؛ إنهم أبطال ملحمة منجمي
اغرام اوسار وسيدي احمد، ملحمة في مواجهة الباطرونا المدعومة من طرف النظام وحواريه. شهران ونصف من التضحيات والصمود، وليس أي صمود أو أي تضحية. إنها بطولة قل نظيرها، توزعت على شهر تحت الأرض على عمق 650 متر، ثم اعتصام فوق المصعد على علو أزيد من 40 متر. بعدها اعتصم من جديد تحت الأرض عاملان اثنان بعد التدخل القمعي، حيث قفزا مضطرين على عمود حديدي لمسافة 230 متر. إن هذا الزخم الكبير من التضحيات يفرض أن يحقق نتائج ملموسة وأن ينتزع الكثير من المكتسبات. لكن النضال لا يقترن بالتضحية فقط، بل يحتاج الى صراع مرير ضد كل الأطراف، ومن ضمنها القيادات البيروقراطية التي تتربع على عروش الإطارات النقابية. لقد تحولت هذه الأخيرة الى وكالات للسمسرة والاسترزاق. لقد أدركنا معنى البطولة من المعركة وتعلمنا الاستعداد التام لأبناء شعبنا للنضال والمساندة والتضامن والدعم والاتحاد. والدرس الأساسي أن النضال ضد البيروقراطية ليس في المناسبات وليس حبيس اجتماعات المكاتب أو نقاشات بيزنطية في المقرات والمقاهي. لننزل عند العمال في كل شبر، في المعمل والمنجم والمزارع والحقول. هناك نتصدى للبيروقراطية والانتهازية.. لنتواضع ونكدح إذا أردنا لمشروع شعبنا أن يحيا.. لنكن حازمين جدا جدا ضد البيروقراطية، فلا بديل عن مواجهتها.. لقد تعلمنا أن البيروقراطية عدو لدود للطبقة العاملة. وقد أثبتتها مرة أخرى (أكدتها) وبالملموس معركة مناجم عوام..
فمنذ بدء المعركة والعمال قد أخذوا الحيطة اللازمة من المكاتب المحلية والإقليمية والوطنية. لكن للأسف، لا يكفي كل هذا. بل كان لابد من قطع الطريق كليا على أي تدخل من جانبها. المواجهة مريرة معها وأي هفوة من العمال ستكون النتيجة وخيمة. وهذا ما حصل، خاصة في اليومين الأخيرين، أي يومي الأربعاء والخميس الماضيين، 21 و22 يونيو 2017.
أين يكمن التقاعس؟
الإجابة هي أنه بعد التدخل الهمجي لقوات القمع بمباركة المكتب الإقليمي لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و الاتحاد المغربي للشغل الذي كان يعلم بالتدخل؛ لم لا وهو المستفيد الأكبر من التدخل، لأنه ما من مرة حاول تكسير الاعتصام لولا تصدي ويقظة العمال؛ تصيد الفرصة وانفرد بالمعتصمين مستغلا انشغال العمال والمناضلين بالتعبئة للمعركة وأفق توسيعها. لقد زرع الرعب في أوساط العمال عبر ترهيبهم بأن تدخلا جديدا ينتظرهم. وبلغة السماسرة الكبار (الترهيب والترغيب) وبعد التأكيد على أن تحقيق المطالب مضمون، فك العمال الأربعة اعتصامهم. والغريب هو عدم إخبار العاملين الاثنين القابعين في الغار. يوم الخميس 22 يونيو 2017، وبعد أن اتصل أخ أحد العاملين بأخيه ورفيقه داخل الغار ووضعهما في الصورة صدما بما حدث. وبعد هذا، انتقل مهندسو الشركة والتقنيين الى عين المكان ليقنعوا العاملين بتحقيق المطالب. وهو ما جعلهما أمام الأمر الواقع، ليفكا الاعتصام مضطرين.. هذه هي الصورة القاتمة التي عرفتها نهاية المعركة..
فهل تتحقق فعلا مطالب العمال؟ هل هي مؤامرة/مناورة أخرى لتركيع العمال؟ أين الحوار؟ أين محضر الحوار؟...
من يتحمل المسؤولية أو جزء منها؟ أين نحن من كل هذا؟
إنها أسئلة حارقة أخرى تحتاج منا إجابات عميقة ومقنعة، إن آجلا أو عاجلا. ويتجسد جزء من المسؤولية في فسح المجال لعفن البيروقراطية لأن ينمو في الخفاء، بل أمام أعين المناضلين وبتواطؤ المتخاذلين..
لم ننجح في عزل البيروقراطية كفاية.. كان هناك عمل لم نقم به.. لنتعلم من واقع المعارك العمالية، ولنحيي بطولات العمال..
نجح العمال وأفشلت البيروقراطية إحدى جولات الصراع. ونحن مازلنا متأخرين عن الركب.. عمل شاق وضروري ينتظرنا..
شكرا لعمال مناجم عوام على هذه الملحمة وعلى هذه الدروس..
ولا بديل عن مواجهة البيروقراطية في التنظيم وفي المنجم وفي الشارع، ودائما...
شارك هذا الموضوع على: ↓