معذرة للمناضلين الحقيقيين. ويشرفني أن أكون واحدا منهم. إن المناضل
والشهيد وجهان متلازمان. إنهما وجهان لا يبغيان غير خدمة قضية الشعب المغربي المكافح. إن المناضل مشروع معتقل سياسي ومشروع شهيد.. ومن لا يضع ذلك في حسبانه ليس مناضلا. لأن النظام لا يرحم من يهدد وجوده، وخاصة إذا أحس باقتراب الخطر. و"المناضل" الذي لا يشرفني أن أكونه هو من يتطلع الى خدمة مصالحه ولو أدى به ذلك الى السجن، علما أن هذا الصنف من "المناضلين" يسعى حتى الى السجن أو ما يسمى السجن، لأن السجن بالنسبة للمناضل ليس هو السجن بالنسبة لشبيه المناضل، وذلك لصنع مستقبله السياسي "الزاهر" والمطمئن. إن هذا الصنف يهمه CV لامع لإثارة شهية النظام لاستقطابه كخادم مطيع وزلم من الأزلام. ولنا في تاريخنا القريب الكثير من الأسماء التي لعبت هذه الأدوار القذرة في المجالات السياسية والنقابية والجمعوية والإعلامية والثقافية. يكفي أن تكون لنا ذاكرة مناضلة حقا لنستحضرها في بشاعتها ورعونتها..
والنظام بدوره "يزرع" بيادقه/كلابه المدربة في صفوف المناضلين من أجل اكتشاف آليات اشتغالهم واكتساب الخبرة والحنكة ثم "ربح" لقب مناضل، وبالتالي كشف وجهه البشع وتوظيفه لإجهاض المشاريع النضالية وخلق التصدعات في أرجائها. لقد عرفت العديد من التجارب بالمغرب وخارجه هذه الآفات القاتلة في كثير من الأحيان.. وحتى الآن، تعيش وراء ظهرانينا جراثيم تدعي النضال، وهي تمارس الميوعة والتفسخ على جميع المستويات، بل تقتل النضال باسم "النضال"..
لقد تشابه علينا "المناضلون" بصيغة "تشابه علينا البقر".. وكم يؤلم أن ترى المرتزقة بثياب المناضلين يعيثون تصريحات وجملا إنشائية وادعاءات كاذبة..!! وكم نتحسر لمناصرة المرتزقة وتجاهل المناضلين داخل السجون وخارجها!! وكم تقوم الدنيا لفائدة المرتزقة وتقعد بالنسبة للمناضلين.. !!
إنه المكر الذي سيأتي يوم تعريته وفضح خلفياته المقيتة.. فكل المجالات السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية و"المدنية" تعرف أسماء لا يشق لها غبار في ميدان التضليل والتغليط، وتراها سباقة لإعلان المبادرات المشبوهة واحتواء كل الأحداث المثيرة التي تسلط عليها الأضواء قبل أن تحدث.. وقد صار "النضال" كالدين، فكما هناك تجار الدين، هناك تجار النضال.. تجار السياسة وتجار النقابة وتجار الثقافة...
فلا يكفي أن تكون داخل "السجن" لتصير مناضلا. ولا يكفي أن ترفع شعارا لتصبح مناضلا. ولا يكفي أن تنتفخ أوداجك أو تعيث سبا وقدحا في من يختلف معك لتدعي النضال.. إن الزمن يفضح الإمعات ومتسولي الفتات، في أول المنعطفات..
إن درب النضال طويل وشاق من قبل ومن بعد. فأن تفتح عينيك وتجد "بطلا" أو "عملاقا" أو "مناضلا" أمامك، فالأمر يستدعي طرح أكثر من سؤال. فالمناضل الحقيقي لا يولد من الفراغ/العدم.. إن المناضل عكس ذلك، إنه يولد من رحم المعاناة المتواصلة. إن المناضل الحقيقي ليس "ديكا روميا" (أو الدجاج الرومي)، وليس منتوجا للصيغة الإشهارية "كيف تصير مناضلا في سبعة أيام؟".. إننا نعرف أنه من خلال الانترنيت، يمكن لأي كان أن يلم بالكثير من المعطيات، عكس الزمن السالف، ويدعي بالتالي المعرفة والنضال ويرفع عقيرته "لتكفير" هذا وذاك، ونعت هذا وذاك بشتى النعوتات، من مثل الخيانة والتخاذل والإصلاحية والانتهازية والتحريفية، وقس على ذلك.. وهو لم يذق طعم صفعة واحدة أو ركلة واحدة.. إنه "بو ودينة".. سمع و"آمن"، سمع و"اقتنع"، سمع وركع.. تبا لهذه العينة المقيتة التي تدعي النضال وتملأ الانترنيت ضجيجا..
إن المناضل يفرض ذاته بديناميته ورصانته وانسجامه موقفا وممارسة، وفي استمرارية لا متناهية. فلن يشفع لمرتد أو خائن أو متخاذل تاريخه أو رصيده النضاليين ليحافظ على رمزية المناضل. فهذه الرمزية ليست "ماركة مسجلة"، ولذلك نؤكد على مواصلة النضال حتى النهاية. وحتى لحظة "استراحة محارب" بدلالتها النضالية لا تعني الانتظارية أو الخنوع/الانبطاح أو الرضوخ للأمر الواقع. فاستراحة محارب، قد تكون وقفة تأمل داخل السجن أو خارجه، وقد تكون مهمة نضالية أو فرصة لاستجماع القوة وشحذ الهمة..
إننا والحال هذه، ندين من يقتل النضال باسم النضال، وندين من يتشبه بالمناضل وهو المرتزق والمتسول الجبان..
شارك هذا الموضوع على: ↓