لم يعد مفيدا الآن، بعد أكثر من أربعين (40) يوما من الإضراب عن الطعام، الحديث
عن كون المضربين عن الطعام في حالة خطيرة، أي على مشارف الاستشهاد.. إن ذلك تحصيل حاصل. بل مجرد الزج بالمعتقل السياسي في دهاليز الذل والعار يشكل خطرا حقيقيا على صحته وعلى حياته.. فالداخل الى الزنزانة مفقود والخارج منها مولود..
كما لم يعد مطلوبا التباكي أو إثارة العواطف. وبدون شك، فالكثير من الدموع ليست سوى دموع تماسيح.. وتعد هذه الأخيرة من بين الحبال التي أغرقتنا في هذه المحن والمعاناة المستمرة..
ومن لم يذرف دموع الحقيقة الحارقة بالنسبة لشهداء الأمس، شهداء الأمس القريب الذين سقطوا في إضرابات عن الطعام، مزياني وخلادة، فإنه تمساح يذرف دموع التماسيح (لا أقصد تماسيح بنكيران، إنها فصيلة تماسيح منقحة).
إن صدق الدعم والتضامن مع المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام يتمثل بداية في الموقف المناضل والمنسجم والواضح.
فمن يشارك في مؤسسات ومناسبات النظام القائم، المسؤول عن هذه الجرائم التي تطال أبناء شعبنا، كيف له أن يدعي وبدون خجل دعمه وتضامنه مع المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام؟؟ وكيف نصفق ونعانق هذه "النماذج" الماكرة ونحملها على الأكتاف؟
عندما نمتلك الجرأة والمسؤولية لنضع النقط على الحروف، ولنجهر بالحقيقة العارية، حينذاك يكون دعمنا للمعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام صادقا، وكذلك تضامننا..
من يصدق أن بلدا يصول فيه ويجول، طولا وعرضا، عدد لا يحصى من الأحزاب السياسية (من كل الألوان، إلا اللون الأحمر القاني) ومن النقابات ومن الجمعيات ومنها الحقوقية، يوجد به معتقلون سياسيون مضربون عن الطعام على حافة الاستشهاد؟
طبعا، لا نستغرب هكذا وضع، وكذلك كان.. فعندما كنا نحتضر في سجون مراكش واسفي والصويرة صيف 1984، بل في أجواء استشهاد الرفيقين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري، كانت حفلة الدم (الانتخابات التشريعية) في أوجها.. كانت الزغاريد والعناقات والتهاني بفوز هذا المرشح الفاسد وذاك المرشح المتواطئ، ومن بين الفائزين "الرفيق" بنسعيد أيت ايدر عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
كانت زغاريد الذل والعار في مستنقع النظام..
وكانت زغاريد العز والنصر في معسكر الأبطال، معسكر استقبال جثامين الشهيدين مصطفى وبوبكر..
إنه التاريخ.. لا نفتري على أحد.. كما لا نمجد أحدا..
إنه التاريخ، لا نسعى الى تعميق الجراح..
إنه التاريخ الذي يفرض الحقيقة والوضوح لمعانقة الحاضر والمستقبل..
إننا نجيب عن السؤال: لماذا لا نتقدم؟
بالتأكيد، لن نتقدم إذا لم ننظر في أعين بعضنا البعض على أساس الاعتراف والنقد والنقد الذاتي..
فيجب أن يثبت الرفيق جدارته لرفيقه.. ويجب أن يثق الرفيق في رفيقه.. إنها قيم اليسار التي ما فتئت تتلاشى.. وتلاشيها بداية تلاشي اليسار..
إنها القاعدة التي لا يمكن أن يقوم التنظيم السياسي المناضل بدونها. وإنها الأرضية التي سيتبلور في خضمها التصور السياسي والإيديولوجي البديل..
إن المعتقل السياسي المضرب عن الطعام قد اختار طريقه عن اقتناع. ومن باب الطعن فيه اعتبار اختياره أو معركته غير مطلوبة أو مجازفة... إلخ. وما علينا كمناضلين إلا أن نقدم له كل وسائل الدعم بمبدئية واحترام لقراره.
لنقف الى جانب عائلته في كل خطواتها الداعمة، ليس فقط كمناضلين أشخاص، بل كذلك من خلال التنظيمات التي ننتمي اليها، كانت أحزابا أم نقابات أم جمعيات...
فكيف أقف متضامنا وداعما، وحزبي أو نقابتي أو جمعيتي، تجالس الجلاد أو تتواصل مع الجلاد، أو على الأقل تعانق شأنها البعيد عن شأن المعنيين؟ بئس الحزب وبئس النقابة وبئس الجمعية...
عندما أحمل المسؤولية للجمعيات، لا أقصد كل الجمعيات.. فهل أنتظر دعم جمعيات الجبال والوديان...؟ طبعا، أقصد الجمعيات التي لا تكف عن التعبير عن حقوق الإنسان والديمقراطية... من يذكر أن ببلادنا ائتلاف لهيئات حقوق الإنسان يضم عددا لا يحصى من الجمعيات، ومنها "منتدى الكرامة" الذي يسوقه الزعيم "الحقوقي" المتورط في اغتيال الشهيد محمد أيت الجيد بنعيسى؟ من يصدق الحكاية منذ بدايتها؟
فهل تظنون أن المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام عندما قرروا خوض معركتهم قد راهنوا على هذا الائتلاف؟
وعندما أحمل المسؤولية للأحزاب السياسية، لا أقصد كل الأحزاب.. فهل أنتظر دعم الأحزاب الرجعية...؟ طبعا، أقصد الأحزاب التي لا تكف عن التعبير عن الديمقراطية وحقوق الإنسان... من يذكر أن ببلادنا... (الرسالة واضحة، تفسير الواضحات من المفضحات)؟
فهل تظنون أن المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام عندما قرروا خوض معركتهم قد راهنوا على هذه الأحزاب؟
وعندما أحمل المسؤولية للنقابات، لا أقصد كل النقابات.. فهل أنتظر دعم النقابات الصفراء...؟ طبعا، أقصد النقابات التي لا تكف عن التعبير عن الديمقراطية وحقوق الإنسان... من يذكر أن ببلادنا... (الرسالة واضحة كذلك، تفسير الواضحات من المفضحات)؟
فهل تظنون أن المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام عندما قرروا خوض معركتهم قد راهنوا على هذه النقابات؟
كما لا مجال للتباكي، لا مجال أيضا لتصفية الحسابات..
فقط رب ضارة نافعة.. إنها مناسبة لتصحيح المسار والمسير..
عندما كان الشهيد مزياني يحتضر، كان الأب (الأسرة) في حيرة من أمره، كان عاجزا عن "إسقاط الجبال".. كنا ندور في دائرة مغلقة.. كنا نجري كالبلهاء.. كان الدعم محدودا.. كان التشفي لا محدودا.. كم قمعنا دموعنا، كم بكينا في صمت، كم اعترفنا بعجزنا..
وعندما سقطت على رؤوسنا فاجعة استشهاد رفيقنا مصطفى بعد ما يزيد عن سبعين (70) يوما من الإضراب عن الطعام، رفعنا التحدي وأقسمنا على مواصلة المعركة، معركة الرفيق الشهيد.. أقسمنا على خدمة قضيتنا، قضية رفيقنا، قضية شعبنا..
وكيف نتخلف عن خدمة قضية المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام، قضية أبناء شعبنا، قضية شعبنا..
المطلوب بالدرجة الأولى:
- مؤازرة العائلات والوقوف الى جانبها؛
- فرض وقوف أحزابنا ونقاباتنا وجمعياتنا الى جانب المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام، وبالتالي دعم عائلاتهم؛
- تطوير أشكال التنسيق بين كل المبادرات الداعمة وكل الأشكال النضالية التضامنية داخل المغرب وخارجه؛
- اتخاذ مبادرات فعلية على أرض الواقع في الزمن والمكان المناسبين، لقد اجتزنا مرحلة البيانات والمراسلات والوقفات وحتى المسيرات...؛
- التواصل والتنسيق المستمران مع الخارج (منظمات دولية وهيئات داعمة ومتضامنة...)؛
- اعتماد الإعلام، كافة وسائل الإعلام، بالداخل والخارج، لفك العزلة عن المعركة المتواصلة حتى الآن...
شارك هذا الموضوع على: ↓