ليس كل الأموات تذكر بخير من منطلق "اذكروا أمواتكم بخير". فالتاريخ بالمرصاد والمحاسبة الدقيقة للأحياء والأموات، ولكل حي أو ميت ما فعل وليس "ما نوى".
وحدهم الشهداء، شهداء الشعوب المضطهدة، يذكرون بخير وافتخار وتبجيل... لا أغتنم فرصة السقوط المروع للمدعو بنكيران للتشفي أو لتصفية الحسابات، بل لاستخلاص الدروس وإبراز الحقائق المرة التي لن ترحمه أو تجعلنا نذكره بخير.
وحدهم الشهداء، شهداء الشعوب المضطهدة، يذكرون بخير وافتخار وتبجيل... لا أغتنم فرصة السقوط المروع للمدعو بنكيران للتشفي أو لتصفية الحسابات، بل لاستخلاص الدروس وإبراز الحقائق المرة التي لن ترحمه أو تجعلنا نذكره بخير.
الدرس الأول والأخير الذي يجب أن يحفظه عن ظهر قلب خاصة الانتهازيون والمتهافتون على معانقة النظام وعلى فتاته هو أن هذا الأخير لا تهمه غير مصالحه المرتبطة أشد الارتباط بمصالح الرجعية والصهيونية والامبريالية. وقد يتنكر لخدامه في أول منعطف، تماما كما فعل ببشاعة مع الخادم الطيع عبد الإله بنكيران ومع الكثيرين قبله. فلم يشفع له انبطاحه ولا الخدمات الجليلة التي عجز عن تقديمها حتى عتاة الرجعيين و"الإصلاحيين". فما فشلت في تمريره ما يسمى بالأحزاب الإدارية ورموزها وكذلك حزب الاتحاد الاشتراكي وحلفائه في "الكتلة الديمقراطية" (حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية) بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، تجند بنكيران وحزبه الظلامي وجوقة النظام التقليدية (أحزاب الحركة الشعبية، الأحرار، التقدم والاشتراكية، الاتحاد الدستوري، الاتحاد الاشتراكي) مستغلا الظرفية السياسية محليا وإقليميا (20 فبراير، "الربيع العربي"...) فأغرق الشعب المغربي في وحل الشقاء والبؤس وعمق معاناته الموروثة من حكومة الى أخرى في ظل النظام القائم وأجهز على الكثير من مساحات الضوء المنفلتة من القبضة الحديدية للنظام والتي من شأنها فتح آفاق تحرر شعبنا وانعتاقه.
ودون الحديث عن الإجرام الذي طال أبناء شعبنا، خاصة الشهداء والمعتقلين السياسيين والمشردين من طلبة ومعطلين ومهمشين...، حيث يعد ذلك استمرارية للإجرام الذي يلازم النظام القائم دائما وأبدا، كنظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي؛ يكفي أن أشير الى تمرير العديد من المخططات الطبقية المدمرة، ومنها بالخصوص الإجهاز على صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات (والباقي آت) وتدمير المدرسة العمومية وتخريب الوظيفة العمومية (التوظيف بالعقدة وإعدام التقاعد...) وتشريد الساكنة بالعديد من المناطق وإقصاء الشباب من فرص الشغل والتطبيع مع الفساد وحماية المتورطين في نهب خيرات بلدنا في البحر والبر (تحت الأرض وفوقها) والجو، وتزكية الاستثمارات غير المنتجة وذات الربح السريع والمضمون (السياحة والعقار)، وتقديم كل الدعم المادي للباطرونا ولرموز الإقطاع البائد وتسخير الأجهزة القمعية لفائدتها، ضدا على الحقوق المشروعة للعمال والفلاحين الفقراء، واستئصالا قهريا لكافة الأشكال الاحتجاجية من إضرابات ووقفات ومسيرات...
لقد توقفت اليد القذرة للمدعو بنكيران عند هذا الحد ليواصل خلفه بوقاحة قل نظيرها ما تبقى من سيناريوهات التخريب والإعدام لكل المكتسبات التي انتزعت بالعرق والدم والتضحيات الجسيمة على مدى سنوات طويلة، في استغلال تام لتواطؤ الأحزاب السياسية وضعف بعضها ومشاركة القيادات النقابية المنبطحة في ولائم الاستغلال والقهر الطبقيين، وفي غياب مكشوف لمعارضة حقيقية ومبدئية قائمة على أرضية نضالية صلبة قادرة على تغيير موازين القوة لفائدة أوسع الجماهير الشعبية...
والغريب، كيف يثق بعد الآن أعضاء حزب العدالة والتنمية في بعضهم البعض؟ عن أي مصداقية أو ثقة في صفوف الحزب بعد الخيانة غير المبررة "للعصفور" المدلل سعد الدين العثماني وصحبه لزعيمهم المعزول بنكيران ورهطه؟ كيف ينظرون، وخاصة القواعد المنومة دينيا وسياسيا، الى أنفسهم في مرآة الحقيقة والتاريخ؟ متى تستفيق هذه الحشود الخاضعة من تأثير أفيون الشعوب؟
عودة الى المدعو بنكيران، لقد وجد نفسه بين عشية وضحاها وهو منتش/مزهو بانتصاراته/بطولاته الوهمية وولائه الزائد لأولياء نعمته بين مطرقة النظام وسندان حزبه الذي لا يعرف غير لغة التعليمات من المصادر القوية والمدعومة؛ وذلك ما علمهم كبيرهم المنبوذ بنكيران منذ رسالته الشهيرة الى المجرم ادريس البصري سنة 1986. إنه نفس الفخ الذي سقط فيه عبد الرحمان اليوسفي ببشاعة أقل (القتل الرحيم)، وقبله بسنوات كثيرة عبد الله إبراهيم (بداية الستينات من القرن الماضي). فلم يعد "البطل" بنكيران ضمن العير ولا النفير، وقدم خطبة "الوداع" بمسكنة مذلة ومعاتبة لمن تنكروا لصنائعه ومناوراته التي جعلت منهم "أسيادا" ومحظوظين، خطبة "جنائزية" قطعت كليا مع قشفاته البليدة وقهقهاته المستفزة والمتشفية في خصومه شكلا (حزب الأصالة والمعاصرة الحربائي الذي يتصنع المعارضة والمصنوع بدوره من طرف المهندسين المعلومين)...
إن ما سار عليه حزب العدالة والتنمية قبل المؤتمر، خاصة إبان انعقاد مجلسه الوطني، وإبان المؤتمر يومي 09 و10 دجنبر 2017، في شأن موضوعة "الولاية الثالثة"، ليس سوى الصورة النمطية المعبرة عن واقع "استقلالية" الأحزاب المغربية. فكل الأحزاب المعنية باللعبة السياسية (البرلمان، الحكومة...) لا تملك زمام أمرها ولا تقرر مصيرها بنفسها. مما يعني أنها لا تعرف الديمقراطية والشفافية والمحاسبة إلا كشعارات للاستهلاك والتضليل والاستقطاب... إنها لا تمارس الديمقراطية إلا عندما تخدم مصالحها أو التعليمات التي تحاصرها... إنها نفس حال حزب الاستقلال ومهرجه حميد شباط في الآونة الأخيرة. وقد يأتي الدور على "الشيوعي" المبتذل نبيل بن عبد الله وعلى آخرين... ولا يدري عميل بأي أرض وفي أي وقت يقتل (القتل البشع أو الرحيم أو الغادر، وذلك حسب أهواء النظام ومهندسيه المحبوبين)...
وأدرج فيما يلي الرسالة/الفضيحة التي تعبر عن حقيقة المدعو بنكيران بدون زيادة أو نقصان، الوثيقة التي تعري أهدافه الخسيسة منذ البداية، الموجهة الى عراب سنوات الجمر والرصاص المدعو ادريس البصري في 17 مارس 1986 (المرجو قراءة نص الرسالة بتمعن):
"السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته وبعد،
يسرني أن أرفع إلى جنابكم هذه الرسالة التوضيحية حول جمعية الجماعة الإسلامية وظروف نشأتها وواقعها الحالي وما نرجو اللّه أن ينعم به علينا من خير على يدكم واللّه المستعان.
وزيادة في التوضيح، معالي الوزير، فإني سأقسم هذه الرسالة إلى قسمين أولهما عن الشبيبة باعتبارها الجمعية الأولى التي عملنا في إطارها وثانيهما عن جمعية الجماعة الإسلامية.
نشاط هذه الجمعية يقوم على دعوة الناس عامة والشباب خاصة إلى الإلتزام بالإسلام باعتباره شاملا لحياة الإنسان والمجتمع من حيث العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات، ووجدت هذه الدعوة في تلك الأيام إقبالا كبيرا من الشباب وخصوصا بعد أن تصدى الشباب المسلم الملتزم للشباب اليساري في الثانويات والجامعات ورجعت الثقة بالنفس إلى الشباب المتدين عامة وأقبلوا على جمعية الشبيبة الإسلامية في كل أطراف البلاد، فعمد رئيس الجمعية إلى تنظيم هؤلاء الشباب في مجموعات يلتقي أفرادها بانتظام يتدارسون القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم وبعض كتب الثقافة الإسلامية المتوفرة في المكتبات.
واستمر نمو هذه الجمعية مطردا إلى أن وقع اغتيال عمر بن جلون مدير جريدة المحرر، وذكر أثناء النظر في هذه الحادثة اسم الشبيبة الإسلامية واسم عبد الكريم مطيع الذي كان قد غادر البلاد بينما تم اعتقال إبراهيم كمال وكان ذلك في أواخر دجنبر 1975.
انتسبت إلى الشبيبة الإسلامية سنة 1976 ووجدت أعضاءها والحق يقال على حسن التزام بالإسلام واقتناع بأنه ليس دين المسجد فقط بل يشمل كل مواقف الحياة، وكذا وجوب توقيف مد الإلحاد المؤدي إلى الفساد وخصوصا في صفوف الطلبة.
معالي الوزير، إن كثيرا من الشباب تهفو قلوبهم إلى الانتساب إلى جمعيتنا والعمل في إطارها المعتدل السليم إن شاء اللّه، ولكن ما وقع علينا من حظر من طرف السلطات المحلية في صيف 1984 وتوقيف أنشطتنا العامة في مركز الجمعية يحول دون التحاقهم بنا مما يؤدي ببعضهم إلى الانحراف والتطرف، وإننا نأمل أن تتداركنا عناية اللّه على يدكم فيسمح لنا من جديد بممارسة نشاطنا والاستمرار في القيام بواجبنا في الدعوة. ومن الواجب في رأينا أن يقوم بين المسؤولين والدعاة تعاون قوي لما فيه خير بلادنا. أما النزاع والشقاق فلا يستفيد منه إلا أعداء الدين وأعداء الوطن. وإن الشباب المتدين لما أكرمه اللّه به من ورع وصلاح حسب ما نعلمه عنه مؤهل لخدمة دينه وبلده أفضل الخدمات، وأن أفضل وسيلة في نظرنا لقطع طريق على من يريد سوءا ببلدنا ومقدساته هي فتح المجال أمام الدعاة المخلصين الذين يعتبرون أن من واجبهم إرشاد الشباب وتقويم أي انحراف يغذيه أصحاب الأغراض والأهواء.
إننا معالي الوزير، سنكون مسرورين وشاكرين لكم صنيعكم إذا خصصتم جزءا من وقتكم لاستقبالنا والتعرف علينا، وذلك سيساعدنا بإذن اللّه على مزيد من التفهم والوضوح، واللّه نسأل أن يوفقكم لما فيه الخير ويهدينا وإياكم إلى ما يحبه".
التوقيع: "الخادم المطيع والداعي لكم بالصلاح والتوفيق في كل حين، عبد الإله بنكيران"
وفي الأخير، أكرر لا أتشفى في المدعو بنكيران، لأنه لا يستحق حت التشفي، بل أتأسف لحالنا أمام هذه الأوضاع المتردية. وأغتنم المناسبة لأطرح الأسئلة والإشارات التالية:
أيننا نحن من كل هذا...؟ هل قدرنا أن نستمر في الهامش ومراقبة ما يحاك من مؤامرات في حق شعبنا؟
أيننا من التجذر وسط الجماهير الشعبية المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة؟
أيننا من الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية؟
هل يكفي أن ننتقد وأن نفضح وأن نصرخ وأن نشارك في الوقفات والمسيرات والإضرابات وأن نعتقل وأن نستشهد وأن نشرد...؟
نعم... يجب أن نقوم بكل هذا وأكثر، لكن ماذا بعد؟
"ليس عيبا أن نحلم، لكن يجب أن نعمل من أجل تحقيق حلمنا".
قال الحكماء أيضا: "يا عمال العالم اتحدوا"، وأضافوا: "يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا".
ربما بقي أن نقول، أو بالأحرى أن نمارس: "يا مناضلي شعبنا اتحدوا" (أقصد المناضلين الحقيقيين وبكل الأبعاد والمعاني الثورية والأممية)، فعلا ملموسا على أرض الواقع وليس فقط قولا أو ادعاء في الفراغ...
شارك هذا الموضوع على: ↓