نعم، من حق التاريخ أن يسائلنا عما قدمناه للقضايا العادلة والمشروعة التي ضحى من أجلها الشهداء بأرواحهم، بعدما غادرونا وعيونهم مفعمة بالأمل فينا، نحن الباقين الأحياء الحاملين للمشعل، من أجل إنجاز المهام التي عبدوا الطريق نحوها بدمائهم الزكية وتضحياتهم الخالدة.
الشهداء لم يقدموا أرواحهم لأنهم انهزموا أو يئسوا من هذه الحياة، حياة الظلم والذل والقهر، بل لكونهم يحلمون بالقضاء على الظلم أينما وجد. ولذلك طالتهم أيادي الهمجية دون أن ينبطحوا أو يطلبوا الرأفة والعفو؛ استشهدوا واقفين، هامات شامخة وراسخة في تاريخ النضال ضد العبودية والاستغلال والنهب والاستعمار...
إننا إذ نخلد الذكرى الثلاثين لاستشهاد زبيدة خليفة وعادل أجراوي، وتزامنها مع الذكرى الرابعة والثلاثين لانتفاضة يناير الشعبية لسنة 1984، لا يسعنا إلا أن نطرح أسئلة حارقة ولن نمل من طرحها ما دام وضع الركود والتخاذل والانبطاح يفرض ذلك؛ وليس ذلك وفقط، بل العمل الحثيث والدؤوب على إيجاد أجوبة عملية لهاته الأسئلة. لأن المغزى من تخليد ذكرى الشهداء هو تقييم المسار والتوقف عند إنجازات وإخفاقات كل من سار على خطى هؤلاء الشهداء، وبالتالي التقدم في الفعل ومواصلة المشوار.
فأين نحن من تضحيات الشهداء؟ أين نحن من شعاراتهم وأهدافهم الثورية؟ أين نحن من القضايا العادلة والمشروعة؟ الى متى الانتفاضة تلو الانتفاضة؟ أين وصل النضال من أجل بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو؟ أين وصل النضال من أجل القضية الفلسطينية المؤطر بالشعارات التاريخية: قضية فلسطين قضية وطنية، وتحرير فلسطين حرب التحرير الشعبية، القضية التي اعتبرت وتعتبر مرجعا للثوار المغاربة والماركسيين اللينينيين على الخصوص، والتي قدم من أجلها الشعب المغربي الكثير من الشهداء وفي محطات تاريخية مشهودة (محمد كرينة وعبد الرزاق الكاديري...)؟
إن الوضع الحالي الذي وصلت إليه نضالات الشعب المغربي، ومن ضمنها طبعا نضالات الطبقة العاملة، يجيب بحرقة على الأسئلة المطروحة، في ظل تنامي المعارك البطولية والانتفاضات الشعبية على طول خارطة البلاد (الريف وزاكورة وجرادة وأوطاط الحاج...). فلا تكاد تشتعل شرارة في منطقة ما حتى تنتقل كالنار في الهشيم إلى منطقة أخرى. وما إن يسقط شهيد هنا حتى يعلن عن استشهاد آخر هناك، لتظل نقط الانتفاض معزولة عن بعضها البعض، لا تخضع لأية روابط تنظيمية لتوحيدها على أرضية برنامج نضالي واحد ومطالب موحدة ذات بعد آني واستراتيجي في نفس الآن، وهو ما يعرقل استمراريتها وتحقيق أهدافها الآنية على الأقل، ويسهل مأمورية النظام وحواريه لإجهاضها والالتفاف على مكتسباتها.
إننا، نحن اليساريون الجذريون وليس "اليسار" الملكي المنبطح أو المهادن، مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بحسم موقفنا من مجمل الأحداث الجارية سواء محليا أو إقليميا أو دوليا. والمقصود حسم الموقف على المستوى السياسي والعملي في علاقة الأمر بما يقع ونحن عليه متفرجون. فمن الأولى بقيادة المعارك العمالية والاحتجاجات والانتفاضات الشعبية؟ هل نحن، قوى وتيارات اليسار الثوري، أم القوى الظلامية والشوفينية والإصلاحية والسابحين في فلك النظام؟ من قدم، تاريخيا، قافلة من الشهداء في ميادين الصراع وإبان الانتفاضات الشعبية المجيدة؟ إنه لمن المخزي حقا، بل إنه لعار أن تنفجر الانتفاضات الشعبية كالبراكين ممتدة عبر المكان والزمان أمام أعيننا وفي مناطق تواجدنا، ونجد أنفسنا منزوين إلى الهامش تاركين قيادتها لمن لا تاريخ له، بل تاريخه كله تواطؤ ومكر وخيانة وإجرام في حق الشعب المغربي… كما أنه من المخزي والعار أن تتعرض القضية الفلسطينية، أحد القضايا المحورية في مشروع اليسار الثوري، لمحاولات الطمس والتصفية على أيدي الامبريالية والصهيونية والرجعية، ونجد أنفسنا مجبرين على "الاستجابة" لدعوات "التضامن" الفلكلورية من الشعب الفلسطيني البطل دون أن نقدر على تنظيم ولو شكل نضالي واحد قوي في تنظيمه وشعاراته التي تدين النظام القائم بالمغرب وتجسد المقولة المعبرة "إسقاط نظام رجعي أكبر خدمة للقضية الفلسطينية"، لكونه أحد المساهمين والضالعين الرئيسيين في تصفية القضية الفلسطينية. فكم من محطات نضالية قادها اليسار الجذري تضامنا مع الشعب الفلسطيني تحولت انتفاضة ضد النظام العميل، على عكس ما نشهده في وقتنا الحالي من مسيرات "تضامنية" فارغة المضمون ومليئة بالعناقات وأخذ الصور التذكارية لتنتهي بالدعاء "المستجاب" على أمريكا ورئيسها المجرم ترامب، و"كفى المؤمنين شر القتال". في حين أن الكيان الصهيوني يغتصب الأرض ويقتل الفلسطينيين بالرصاص والمدافع والطائرات التي تدفع الأنظمة الرجعية جزء من ميزانيتها وتمويلاتها، وكذلك شركاتنا ومقاولاتنا والشركات الأجنبية التي تنهب عرق جبين الطبقة العاملة المغربية وتقدم الأقساط الوفيرة من الأرباح على شكل مساهمات وتبرعات وأسلحة للصهاينة لتقتيل الفلسطينيين وبناء المزيد من "المستوطنات" على الأراضي الفلسطينية الطاهرة.
وإن نحن أردنا فعلا، لا قولا فقط، أن نخدم القضية الفلسطينية، فمن الواجب علينا أن نواجه عناصر القوة التي تغذي الكيان الصهيوني، وإحدى هاته العناصر بدون شك هي الامبريالية والأنظمة الرجعية ومن ضمنها النظام الرجعي القائم. وإن نحن أردنا أن نقطع هذا الشريان المغذي فيجب أن نمتلك الجرأة الكافية للقيام بذلك، أن نرشد الجماهير الشعبية إلى العلاقة بين استمرار معاناة الشعب الفلسطيني واستمرار الأنظمة الرجعية؛ وأن نبين للعمال العلاقة الوطيدة بين استمرار تلك المعاناة، واستمرار معاناتهم أكيد، وبين فائض القيمة الذي ينتجونه. ولن نستطيع إنجاز هذا المبتغى بدون أن نبني تنظيما قادرا على بلورة رؤية واضحة لإنجاز هذه المهمة ومهام أخرى. وإن أردنا فعلا أن نعطي معنى للشعار الذي لطالما رددناه ونردده صباح مساء، شعار "من يكرم الشهيد يتبع خطاه"، فإن السبيل الوحيد لذلك، في الشروط التاريخية الراهنة، هو النضال من أجل بناء الحزب الثوري كمهمة مركزية لا تقبل التأجيل...
إضافة للتاريخ:
"الاسم: الشهيدان خليفة زبيدة وعادل أجراوي؛
تاريخ الاستشهاد/الميلاد: 20 يناير 1988؛
المكان: ساحة 20 يناير جامعة محمد بن عبد الله.
إنها، الى جانب الرجل المغربي المناضل، إحدى معالم تضحيات المرأة المغربية، امرأة المقاومة والصمود، المرأة التي حطمت جبروت المستعمر على صخرة الرعب الدائم من خلال العمليات الفدائية رغم تكالب الأعداء والمحاولات المتعددة لطمس الدور التقدمي والثوري الذي لعبته ولازالت تلعبه المرأة المغربية الى جانب رفيقها الرجل".
المجد والخلود للشهيدين زبيدة وعادل ولكافة شهداء شعبنا المكافح
الخزي والعار للرجعية والصهيونية والامبريالية
وإنها لثورة حتى النصر...
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
شارك هذا الموضوع على: ↓