مناسبة هذا المقال هو مداخلة "الزعيم" براهمة في ندوة حول "وحدة اليسار" الى جانب زعماء "فدرالية اليسار الديمقراطي".
والحافز الأكبر لتناول الموضوع هو الوهم الذي يسوقه "زعيم" حزب النهج الديمقراطي بغاية "تضبيب" رؤية المناضلين، وأبناء شعبنا عموما.
أثار "الزعيم" براهمة في ديباجة مداخلته عدة أفكار قابلة للنقاش والتفاعل المفتوحين والمستمرين، ويمكن الرجوع الى تمحيصها وتفكيكها لاحقا حسب المستجدات والأولويات المطروحة في الساحة السياسية. ويهم الآن التفاعل مع القضايا الآنية التالية:
- العلاقة بالنظام القائم؛
- العلاقة بالأحزاب السياسية؛
- العلاقة بالقوى الظلامية.
* العلاقة بالنظام القائم:
نجد "الزعيم" براهمة يتحدث عن "النظام المخزني"، بعيدا كل البعد عما طرحته منظمة "الى الأمام" (المفترى عليها ببشاعة) أو "الحركة الماركسية اللينينية المغربية" (المرجعية الثورية لليسار الماركسي اللينيني الحقيقي). فبدل الحديث عن شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية"، بما يقابله اليوم شعار "إسقاط النظام"، نراه يطرح "التخلص من النظام المخزني". ولفهم "اللعبة" أكثر، يمكن الرجوع لمقال "للزعيم" السابق لحزب النهج الديمقراطي عبد الله الحريف الذي يضع مسافة شاسعة بين "النظام" و"المخزن" (النظام المخزني)، حيث يتيح للحزب رفع شعار "إسقاط المخزن" بدون أي إحراج أو إزعاج وبعيدا كل البعد عن شعار "إسقاط النظام". ونستشف من تحليل وإشارات "الزعيم" براهمة نوعا من استجداء "فدرالية اليسار الديمقراطي"، حيث يريد أن يقول "إننا مع الملكية البرلمانية، لكن دون إعلانها" (الاختباء وراء الديمقراطية). ويؤكد أنه قلبا وقالبا مع التحالف مع "الفدرالية"، ومع "باقي مكونات اليسار"، أي "الشياطة" أو المتلاشيات "اليسارية"، يقصد التيارات "اللينينية والتروتسكية والماوية"، التي لا "خيار" أمامها غير الالتحاق بهذا التحالف (القاطرة)، أي حزب "النهج الديمقراطي" و"فدرالية اليسار الديمقراطي"، شاء من شاء وأبى من أبى...
إنها إساءة سياسية لمناضلي هذه "المتلاشيات" (قطع الغيار السياسية)، عندما ينظر اليها "الزعيم" كقوى سياسية ثانوية وغير فاعلة في الحقل السياسي، علما أنها الأكثر حضورا وتأثيرا في العديد من حقول الصراع الطبقي، وأنها الأكثر تضحية والأكثر مواجهة مباشرة مع النظام، والأكثر إزعاجا للقوى السياسية المتخاذلة طولا وعرضا. والدليل القاطع هو عدد شهدائها ومعتقليها السياسيين ومشرديها... وتهميش هذه "المتلاشيات" وابتزازها من خلال نفق "الخيار الوحيد الالتحاق بالتحالف"، رسالة أخرى للنظام من أجل التعبير عن "حسن النية" وفي نفس الوقت التبرؤ من "تنطعها" (أو تنطع بعضها) أو رفضها (رفض بعضها) الانصياع لإملاءات "الزعيم" وحزبه. وإن رسالة "التجريم" التاريخية المعلومة غنية عن التذكير...
- العلاقة بالأحزاب السياسية:
إن المراهنة على الأحزاب التقليدية ومنها أحزاب "فدرالية اليسار الديمقراطي" رسالة "غير مشفرة" (رسالة واضحة) الى من يعنيهم الأمر. وهذا يؤكد أنه لا مجال للمراهنة على "التيارات" اليسارية، سواء اللينينية أو التروتسكية أو الماوية. إن حزب النهج الديمقراطي يسير على خطى أحزاب "فدرالية اليسار الديمقراطي" (حزب اليسار الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، ويسير بالدرجة الأولى على خطى "الحزب الاشتراكي الموحد" (انبهار "الزعيم" براهمة بمنيب، وليس العكس). وسقفه السياسي ليس غير سقف هذه الأحزاب (أحزاب الفدرالية)، أي "الملكية البرلمانية". إنها مسألة "إحراج سياسي" عابر ومؤقت... وبرقية الملك الى منيب بمناسبة اعتلائها "عرش" حزبها إبان المؤتمر الأخير "لنا اليقين أنك لن تدخري أي جهد لمواصلة النهوض بمهامك في قيادة حزبك، من أجل تعزيز مكانته، في إطار مشهد سياسي تعددي، للمساهمة الهادفة، إلى جانب المنظمات السياسية الجادة، في توطيد النموذج الديمقراطي التنموي لبلادنا، وتكريس قيم الممارسة السياسية النبيلة المبنية على جعل المصالح العليا للوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار" تفضح "الزعيمين" معا، منيب وبراهمة، ومشاريعهما السياسية. وعلى مستوى آخر، لا أعتقد أن حزب "النهج الديمقراطي" يجهل أن حزب "المؤتمر الوطني الاتحادي" ليس غير حزب على الورق. إن حزب "المؤتمر الوطني الاتحادي" هو نقابة "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل"، وأن هذه الأخيرة ليست غير حزب "المؤتمر الوطني الاتحادي" (نفس الموقف ونفس المسار...)
وما قد يكون قد شجع "الزعيم" براهمة على إهانة التيارات "اليسارية" هو التعايش مع هذه الوضعيات الشاذة من طرف "مناضلين" يدعون المبدئية، "مناضلين" يدعون الماركسية اللينينية، وخاصة في علاقة الأمر بالقيادة النقابية وقراراتها "المزاجية"، أي غير النضالية وغير المبدئية؟ (سؤال يفرض نفسه، وفي حاجة الى جواب مقنع...).
والحديث عن مناضلين في صفوف حزبي "الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية"، مغالطة فجة ومغازلة سياسوية مجانية غير ذي معنى لأسماء غارقة في التواطؤ والانبطاح. فمن يقبل بمسار هذين الحزبين، ويظل في أجهزتهما أو في قاعدتهما، ليس غير انتهازي متهالك. وأي رهان على هذه "الرخويات" (بدون عمود فقري، مثال الوزير المعلوم)، لا يكرس غير المزيد من الرخويات...
ورغم ما قيل حول مقال "التحاق الشجعان بالقوى السياسية" لأحد رفاقنا (رغم عدم قراءته واستيعابه في سياقه وإطاره السياسيين والزمنيين)، أدعو بدوري "الرفاق الشجعان" في حزب "النهج الديمقراطي" الى الالتحاق بالقوى السياسية التقليدية، ومنها بالخصوص إحدى أحزاب "الفدرالية". وأدعو كذلك بعض التيارات السياسية التي تنسجم وما يدعو اليه أو يتقاسمه حزب "النهج الديمقراطي" الى خوض نفس المسار، أي الالتحاق بدون حرج ب"الفدرالية"...
وبالمناسبة، أي بالمقابل/النقيض، لتشمر التيارات السياسية اليسارية حقيقة، أي التيارات الماركسية اللينينية بالخصوص، على سواعدها لفرض وجودها السياسي التنظيمي والميداني، ولتتجدر في صفوف أوسع الجماهير الشعبية المضطهدة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة...
إن النظام الرجعي القائم أمامها بأجهزته القمعية وتهمه الجاهزة وترسانته الإيديولوجية والإعلامية؛ والقوى الرجعية (وضمنها القوى الظلامية والشوفينية) والقوى الإصلاحية (القديمة والجديدة) وراءها... ولن تنجح أي ثورة أو معركة نضالية دون قيادتها من قبل الحزب الثوري للطبقة العاملة (الحزب الماركسي اللينيني).
- العلاقة بالقوى الظلامية:
إنه من المخجل في ظل الشروط الراهنة لبلادنا؛ أي في ظل واقع الصراع المحتدم بين النظام والقوى الرجعية (وضمنها القوى الظلامية والشوفينية) والقوى الإصلاحية، من جهة، والجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، من جهة أخرى؛ تسويق أسطوانة "الجبهة الميدانية" الى جانب جماعة "العدل والإحسان". إن "الانتصار" الى الكم الذي تجسده حقيقة جماعة "العدل والإحسان" ليس غير انبهار آخر بالوهم. إنه انبهار يشبه الانبهار بسيدة حزب "الاشتراكي الموحد". فالجماعة المعنية لم تجب عن أي سؤال حول خيانتها المفضوحة لمسار انتفاضة 20 فبراير 2011المجيدة. ولم تعلن عن علاقتها المشبوهة بالإمبريالية. ولم تراجع أو تتخل عن خلاصات "زعيمها" عبد السلام ياسين بخصوص جذور "اليسار". والأخطر من ذلك هو تورطها في جرائم اغتيال مناضلي اليسار، ومواصلة صمتها بشأن ذلك...
إن "المتلاشيات" التي أشار اليها "الزعيم" براهمة بشكل عابر، أي "المتلاشيات" (اليسارية)، قد أدت من دمها وعرقها ثمن إجرام النظام القائم والقوى الظلامية التي يتشرف بدعوتها الى "الجبهة الميدانية" والى "الزواج" السياسي غير الشرعي...
ما قول "الزعيم" براهمة ورفاقه في الحزب (الأكثر اندفاعا وإثارة إعلاميا) في استشهاد المناضلين المعطي بوملي بوجدة وأّيت الجيد محمد بنعيسى بفاس على الأيدي القذرة للقوى الظلامية المتحالفة سرا وعلنا، "العدالة والتنمية" و"العدل والإحسان"؟
أما اغتيال الشهيد عمر بنجلون وشهداء آخرين (لبنان ومصر وتونس...) من طرف القوى الظلامية فحدث ولا حرج...
إنه ليس في القنافذ الظلامية أملس (التجربة الإيرانية والسودانية وغيرهما تؤكد أن التحالف مع القوى الظلامية حبا/عشقا انتهازيا في "عددها" وفي "جماهيرها" جريمة سياسية، قبل أن تكون خطأ سياسيا...).
وقد أذهب بعيدا، فمسار القوى الظلامية هو أفق النازية والفاشية بامتياز... فلن ترحم ضعيفا (سياسيا) ولن ترحم مناضلا مبدئيا...
وسيشهد التاريخ أن تحالف حزب "النهج الديمقراطي" والقوى الظلامية "جماعة العدل والإحسان" جريمة لا تغتفر...
شارك هذا الموضوع على: ↓