2018/03/18

حسن أحراث // من يتذكرك أمي السعدية!!

إني أتذكرك أمي السعدية، كما أتذكر أمهات مجموعة مراكش 1984 وكافة أمهات
الشهداء والمعتقلين السياسيين. أتذكر الأم بالضبط، لأنها ضحت أكثر وأعطت أكثر من وقتها وحبها وراحتها لفائدة أبنائها المناضلين. لا أريد أن يتبادر الى الذهن أن الأب لم يضح أو لم يمنحنا شيئا، وكذلك الأخ والأخت والرفيق والرفيقة والصديق والصديقة، وكذلك شعبنا المكافح دوما وأبدا... الكل قدم لنا ما يستحق التقدير، إلا أن رمزية الأم تسحر أكثر وتؤثر أكثر...
أتذكر أمي السعدية بنرزوق، ليس فقط لأنها والدة الشهيد بوبكر الدريدي؛ أتذكرها لأنها كانت مناضلة بكل معاني الكلمة. فلم تتردد يوما في التنقل من مدينة الى أخرى ومن سجن الى آخر ومن نشاط الى آخر.. ولم يزعجها طرق هذا الباب أو ذاك، وبكل عنفوان وحزم نضاليين.. لقد أرقت الجلاد وأسياد الجلاد، ولم تركع أو تتراجع.. 
لقد صمدت وقاومت حتى رحيلها واقفة في 17 مارس 1990.
لقد انتظرتنا، انتظرت انتصار معركتنا، معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري، إلا أن حلمها تأخر حتى 16 غشت 1991. وكم تحسرنا لرحيلها ونحن مضربون عن الطعام داخل زنازين الذل والعار بمستشفى ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء... لقد فاتنا عناقها ودفؤها والشد على يديها الطيبتين. 
لقد كانت سند عائلات مجموعة مراكش 1984، بل كانت سند كل العائلات ومحركها ومحفزها على طول وعرض البلد الذي أحبته بجنون...
لقد كان لي شرف معرفتها قبل الاعتقال وإبان الاعتقال. لقد كان بيتها محج كل المناضلين، ومن بينهم الشهيد مصطفى بلهواري إبان المتابعات. لقد كانت مناضلة قبل الاعتقال وبعده...
أتذكرها اليوم، ونحن نعيش تشرذم عائلات المعتقلين السياسيين..
أتذكرها اليوم، والنسيان يكاد يأتي على ذاكرتنا الفردية والجماعية..
أتذكرها اليوم، وأتذكر أبناءها الذين رحلوا عن مجموعة مراكش 1984، محمد عباد (01 مارس 2007) وعبد الرحيم علول (12 ماي 2011) وصالح بوحمزة (30 يناير 2018) 
أتذكرها والفراغ يخنق أنفاسنا ويكبل أيدينا وأرجلنا، وحتى عقولنا..
أتذكرها واستحضر الحماس النضالي الذي كان يلازمنا كظلنا، والصدق الذي كان يسكننا..
أتذكرها والانتفاضات تقمع بشراسة والنضالات تستباح..
أتذكرها والاعتقالات تتواصل والمؤامرات تحبك ليلا ونهارا..
أتذكرها وجرادة الأبية تحترق، كما احترقت قبلها الحسيمة وعموم الريف ومناطق أبية أخرى.. 
أتذكرها لحظة كل انتصار، ولحظة الفرح، لأنها كانت مصدر فرحنا وصمودنا وتفاؤلنا..
أتذكرها لحظة كل سقوط، ولحظة القلق والحزن، لأنها كانت مصدر تحدينا للفشل والانتكاس..
أتذكرها لحظة كل طعنة غادرة، لأنها كانت بلسمنا ودواء جراحنا الغائرة..
نتذكرها ونتذكر الشهداء وكل الرفاق الحاضرين والغائبين، لنواصل المشوار بكل إصرار وثبات..
إنها "الأمانة"، أيتها الأم الرائعة، التي لن نكل من حملها حتى آخر رمق..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق