إن الشعوب هي التي تصنع التاريخ وليس الأبطال من يصنعونه. وهي من تنجب
الأبطال و تدفعهم في ظل شروط تاريخية دقيقة لطريق المجد والتقدم والنجومية وليس الأبطال من تنجب الشعوب.. ولن يكون للأبطال وللأفراد شأن يؤبه له في حياة المجتمع إلا بقدر الوعي بقوانين تطوره، أي المجتمع، وعيا صحيحا، ومعرفة طرق الفعل فيها معرفة حقة لإنضاجها. وقد يكون أولئك الأبطال أو الأفراد الممتازون أناسا فاشلين جديرين بالسخرية والإشفاق، ولا خير يرجى منهم، إذا لم يستطيعوا فهم شروط تطور المجتمع فهما صحيحا وتحديد الطريقة المناسبة للفعل فيها، فيحولون بطولاتهم لحواجز وعراقيل تقف في وجه ضرورة المجتمع التاريخية، واهمين بأنه بمقدورهم صنع التاريخ.
وملح القول ليست مهمة المناضل الماركسي اللينيني اليوم، باعتباره المناضل المعني بالدجة الأولى بوعي قوانين التطور وطرق الفعل فيها وبمبدأ "الشعوب هي من تصنع التاريخ وليس الأبطال من يصنعونه"، الإنابة عن الجماهير في خوض المعارك ذات الأبعاد الطبقية (والحديث عن المعارك الطبقية هو لتمييزها عن المعارك ذات البعد الحقوقي في إطار ما تعترف به المواثيق والقوانين البرجوازية التي تعني الفرد في المجتمع الرأسمالي) بل المهمة الملحة والتي تشغل المرتبة الأولى في المرحلة، والتي أثبت التاريخ راهنيتها، للتقدم خطوات على درب حشد الجماهير للمعارك الطبقية الحاسمة هو التوجه، دون تشتيت الجهود،إلى الجماهير الشعبية وللعمال بالأساس.
ولماذا نقول العمال بالأساس؟ لأن العمال هم الطبقة الكادحة والمستغَلة التي وضعها التاريخ في الموقع النقيض الرئيسي للنظام لارتباطها بأكثر الأشكال الاقتصادية تقدما، أي بالإنتاج الكبير وتنمو وتتوسع قاعدتها باستمرار في ظل نظام الرأسمالية بشكل عام وتفرض عليها ظروفها الاتحاد لخوض الصراع الطبقي للدفاع عن مصالحها. ولا تستطيع تحرير نفسها من الاستغلال على أساس استغلال طبقة أو طبقات أخرى. بل مهمة تخلصها من الاستغلال تستدعي تخليص وتحرير المجتمع بجميع فئاته منه بعد دك أركان الرأسمالية وكل بقايا الملكية. وليس للطبقة العاملة ما تخسره في المعارك ضد الرأسمالية سوى القيود.
والهدف من هذه الوجهة هو: الانخراط بقدر أوسع من خلال العلاقات بالقواعد الصادقة والمتقدمة نضاليا في أوساط الجماهير أينما وجدت، والاطلاع على أحوالها داخل المعامل والمناجم وكل المؤسسات والحقول،.. وغرس الجذور في التربة الحية لواقع شعبنا.. وتوعية الجماهير بقواها وبمصالحها، والعمل على كشف الحقيقة لها وللرأي العام عبر صياغة تقارير مفصلة ودقيقة وصادقة، ولا تشوبها العموميات، تعري ما يتعرض له شعبنا من استغلال وبؤس واضطهاد ومن تفقير وتجويع، وبحجم السطو والإجهاز على ما تبقى من مكتسبات اجتماعية قدم الشعب من أجلها العديد من الشهداء والمعتقلين، وكنتيجة لذلك تعريض أبناء الكادحين للجهل والأمية والأمراض والجوع وللمستقبل المجهول.. مقابل ما تراكمه الرأسمالية من أرباح على حسابها وما تنهبه من ثرواتها.. دون إغفال توعيتها بأهمية بناء علاقات وثيقة مع كل المعنيين حقا بمعركة التحرر من نير الاضطهاد والاستبداد والاستغلال.. وتعريفها بالشهداء وبواقع المعتقلين السياسيين وبمعاركهم وبتضحيات عائلاتهم وبطبيعة وحجم معركة الاعتقال، دون إغفال توعيتها بالقضايا السياسية وتعليمها كيفية الرد على كل التطورات.. والكشف لها عن خلفية الأوهام التي تزرع، في صفوفها، القوى الإصلاحية والظلامية والشوفينية والقيادات النقابية البيروقراطية والنقابات الصفراء والجمعيات المدعومة والأبواق المملوكة، وكل أساليب التضليل التي تتوخى نشر الخنوع والاستسلام والانبطاح والتذمر والفساد البرجوازي في صفوف الشعب.. وتلقينها فهما صحيحا عن النظام القائم وعن أسسه وتطوره وعن طبيعة القوى الطبقية القائمة وطبيعة العلاقة والمسافة معها وعن طبيعة الصراع الدائر.. وحشدها لمقدمة المعارك الطبقية المتفجرة هنا وهناك على أرضية واضحة وملموسة إذا كان ثمة جدوى، دون إلقائها في معارك خاسرة ودون أفق.. وإبراز مطالبها وتدقيقها ، والتعريف بها في حالة المعارك.. والعمل الدؤوب لوضع موطئ قدم وسطها والتعلم منها، وتركيز الجهود بين القواعد العمالية المتقدمة ثقافيا وسياسيا لبناء منظمة ثورية مكافحة في صفوفها وهي المهمة الملحة في الراهن للنهوض بالمعركة الطبقية المصيرية. وهذه هي ميادين العمل لانجاز ما يحمله التاريخ كمهمة لمقدمة جدولة أعمال الثوريين لتشييد البطولة التاريخية الحقيقية، بدل التعلق بالبطولات الدونكشوتية التي لا تفيد سوى في تبديد الجهود.
إن مهمة البناء الثوري تتطلب المثابرة والتضحية والإخلاص ونكران الذات بالدرجة الأولى ومن يقدر حق التقدير لهذه المهمة لن يشتت الجهود، فعليها يتم تقويم أعمال الماركسيين اللينينيين في المرحلة الراهنة. أما الانصراف عن هذه المهمة الملحة في الراهن، وعن ميادين انجازها، تحت أي مبرر كان من طرف أي مناضل يدعي الماركسية اللينينية يعد تحريفا للمسار.
شارك هذا الموضوع على: ↓