2019/02/19

حسن أحراث//مرض الزعامة أو "الذكاء الانتهازي"..

ليست الزعامة مرضا عندما يختارك الآخر (وليس أي آخر) زعيما، أي عندما تستحق
أن تكون زعيما، وحتى دون أن تسعى الى ذلك. ويشرف كل مناضل أن يكون أو أن يطمح الى أن يكون زعيما، لما فيه خدمة قضية شعبنا والشعوب المضطهدة وكافة القضايا العادلة. لكن، تكون الزعامة مرضا عضالا عندما تختار نفسك "زعيما" من أجل خدمة مصالحك ومصالح أسيادك. وفي كثير من الأحيان تكون مصالح الأسياد في المقدمة، وليلتقط "الزعيم" المزعوم الفتات القذر.. وكم من "زعيم" وضع نفسه زعيما على نفسه، ولو حبا في التسلط وفي الشهرة من منطلق الذاتية المفرطة وتصفية الحسابات!!
الزعماء الحقيقيون يفرضون أنفسهم من خلال تضحياتهم ونضالاتهم المشهودة وإبداعاتهم وإنتاجاتهم المتميزة. وقضيتهم تنصفهم وشعبهم ورفاقهم والتاريخ... أما الزعماء المزيفون، فيفرضون أنفسهم من خلال حوارييهم وأتباعهم وكذلك تملقهم وانبطاحهم. إنهم انتهازيون حقيرون طولا وعرضا... إنهم "زعماء" تحت الطلب؛ وللدقة، إنهم مرتزقة... 
جل زعمائنا يختارون/يضعون أنفسهم زعماء، رغما عنا، بل دون علمنا.. ويستمدون "مشروعيتهم" من جبروت أعدائنا وساديتهم، حيث يكفيهم تقديم مفاتن الولاء ومراسيم الطاعة لحمل شارة الزعامة وامتلاك امتيازات الزعامة، بما في ذلك توظيف النفوذ وتجاوز "القانون" وممارسة العبث في كل تجلياته. وعراب هذه العينة من "الزعماء" ومحتضنها هو النظام القائم. فهذا الأخير يصنع "الزعماء" كلما كان في حاجة إليهم (الضغط على الزر)، ثم يتخلص منهم متى شاء، أي متى انتهت صلاحيتهم وذبلت بشرتهم. وهو نفس الأسلوب الذي تمارسه الامبريالية في علاقتها برؤوس الأنظمة الرجعية. فكلما تهالك نظام رجعي، تزج برأسه في متاهة النسيان، إذا لم تكسر جمجمته الفارغة؛ وتصنع رأسا/رؤوسا أخرى لمواصلة البطش والاضطهاد بما يتناسب وشروط المرحلة الجديدة...
وحتى لا "نبخس الناس أشياءهم"، فليس من البساطة بمكان أن يرضى عنك النظام "زعيما" أو أن يختارك ليجعل منك "زعيما". فالسباق محموم للفوز بصفقة "الرضى"، ويتطلب الأمر ذكاء خاصا، قد يصنف ضمن الذكاءات المتعددة، وهو "الذكاء الانتهازي"... إن كثيرا من الأسماء الانتهازية فشل في امتحان "الحظوة"، وانسحب ذليلا. وهناك أسماء أخرى انتهازية "قاومت" بشراسة وانتظرت دورها، ومنها من فاز ومنها من اندحر..
إن الحديث عن الزعامة ذو شجون. ولنا في الواقع المغربي تجارب مروعة وأخرى رائعة.. إن أكثر "زعمائنا" انتهازيون، بل أنذال. ويتحملون القسط الأكبر من المسؤولية في معاناة شعبنا. تجدهم في المجال السياسي وفي المجال النقابي وفي المجال الجمعوي (الثقافي والحقوقي...) والإعلامي، وحتى في المجال المهني، خاصة مجالي الصحافة والمحاماة... فلم يسلم حقل من الحقول من سمومهم ومؤامراتهم. لقد لعبوا أدوارا خسيسة في تشويه الوعي السياسي و"فرملة" الصراع الطبقي (إجهاض المعارك البطولية وتكسير الأشكال النضالية وتسييد أساليب المهادنة والمناورة الفجة...). فعندما ندعو الى النبش في تاريخنا وذاكرتنا، نقصد إبراز الحقيقة التي تدين "زعماء" مرحلتنا، وخاصة منهم من ساهم في تأبيد مآسينا منذ اتفاقية "إيكس ليبان" المشؤومة، هذه الأخيرة التي وضعت خيراتنا ومستقبلنا في يد المستعمر الفرنسي الذي لا زال جاثما على أنفاسنا الى اليوم.. إن كشف الحقيقة سيقلب تاريخنا رأسا على عقب.. ستنفضح "الوطنية" المزعومة و"الثورية" المفترى عليها.. سنعرف مصير شهدائنا ومختطفينا، سنعرف جلادينا ومضطهدينا ومستغلينا وأبطال الريع والمتاجرين في ثروات بلادنا البرية والبحرية والجوية... 
أما التجارب الرائعة والرائدة، فقد خلدها الشهداء من خلال تضحياتهم وإرثهم النضالي. وكم نتأسف لهدر تضحيات المعتقلين السياسيين السابقين وانخراط جلهم في متاهة النظام التي لا ترحم!! ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لقد صار "رفاق" الأمس "زعماء" الأمس واليوم. لا نريد ذكر الأسماء، لأن تفسير الواضحات من المفضحات... لكننا نسجل للتاريخ أن الخيانات وموجات الردة قد كلفتنا الكثير.. سنوات، بل عقود من النكوص والتراجع وفقدان الثقة في النضال والمناضل...
لقد صارت الزعامة موضة في الصف "اليساري"، وترى الصغير والكبير يلهث وراءها، من داخل المغرب ومن خارجه. والملاحظة الفاقعة هي لهات البورجوازية الصغيرة وراء الزعامة، ولو عبر الصورة في الوقفات والمسيرات والندوات، لدرجة حضور "الزعبم" لالتقاط الصورة وكفى (الانسحاب). أما العمال، فغارقون في معاناتهم وكذلك الفلاحين الفقراء وباقي المشردين. وتجد "المجتهدين"، وخاصة المنظمين، لا يكلون من ترديد الشعارات التقليدية و"المكيفة" وتوظيف هذه المعاناة في هذا المحفل أو ذاك، بالمغرب وخارجه، ومن معانقة "الأجساد" السياسية المهترئة، ومن الدوران في الحلقات المفرغة، في انتظار الذي قد يأتي أو لا يأتي. أما "المتسكعون" (غير المنظمين)، فكلام نهارهم يمحوه كلام ليلهم. يحترفون النميمة والقيل والقال والكذب والافتراء، الى أن "يتقاعدوا" في مزبلة التاريخ... 
لا أحد يملك الحقيقة، لكننا نملك أنفسنا. والمناضل حقيقة يملك نفسه بدون منازع. لنضع أنفسنا على السكة الصحيحة، لنرتبط ببعضنا البعض.. لننتظم، ولننخرط في معارك أبناء شعبنا، وفي مقدمتهم العمال والفلاحين الفقراء... 
لنسر على خطى تجارب الشهداء الرائعة والرائدة...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق