من البديهي أن الضعف قد يقتل. لا يجادل في ذلك أحد.. فقط، المقصود هنا هو الضعف السياسي.
إن الضعف السياسي يقتل بالدرجة الأولى المستسلمين والمنبطحين والانهزاميين والجبناء...، أفرادا وهيئات سياسية ونقابية وجمعوية...
إن الضعف السياسي يقتل كذلك المتملقين والمتواطئين والمتآمرين والخائنين، أفرادا وهيئات سياسية ونقابية وجمعوية...
إن الضعف السياسي يقتل أيضا من يتشبث بالقش كالغريق، أفرادا وهيئات سياسية ونقابية وجمعوية...
ويهمنا هنا بالأساس الحالة الأخيرة، أي التشبث بالقش. وأخطر القش قش النظام...
بداية، إرادة الشعوب لا تقهر، سواء كانت هذه الشعوب في لحظة قوة أو في لحظة ضعف. ولحظات القوة والضعف لدى الشعوب مرتبطة بالأساس بممثليها. إن تضحيات الشعوب المضطهدة مشهودة، والصراع الطبقي لا يعرف التوقف أو المهادنة؛ إلا أن السؤال المحرج/الحارق يعني من يمثل هذه الشعوب..
لا يخفى أن الأنظمة الرجعية المدعومة من طرف الصهيونية والامبريالية تفرض هيمنها الآن بقوة الحديد والنار. وما شعارات الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان إلا صيغ "إنشائية" للتضليل وتكريس واقع الاستغلال والاضطهاد. مما يعني أن غياب الممثلين الحقيقيين للجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وهو غياب قسري، يفسح المجال للمزيد من القمع وما يستتبع ذلك من موجات الارتداد والنكوص...
وأخطر ما يترتب عن ذلك تصفيق العاجزين من مواقع مختلفة لمناورات النظام وأزلام النظام بوعي أو بدونه. حيث في غياب المتابعة والحضور النضاليين الى جانب أبناء شعبنا، يتم اعتماد "الإشاعة" و"النميمة" وما ينشر في الفضاء الافتراضي (الفايسبوك والمواقع الالكترونية...) طولا وعرضا وبدون تمحيص. وليس كل ما ينشر يعتبر عملا نضاليا (ليس كل ما يلمع ذهبا). ومن يعتمد ذلك فقط، يعتبر "جثة" هامدة. وليس ذلك فقط، بل إن دعم مناورات النظام، ومنها المقاربة الكمية المصطنعة، عن وعي أو بدونه، يعد جريمة في حق قضية شعبنا.
لقد فطن النظام الى ضعفنا، وهو الضعف الذي لا نجد سبيلا لنكرانه، وصار يتلاعب بالعاجزين في صفوفنا (يجمعنا، بكل أسف، اليسار والانتماء الى الرموز المناضلة رغما عنها وعنا). لقد صار النظام يعزف على أوتار عاطفة الضعفاء منا، ويوجه أنظارهم حيث يريد ويبتغي...
وبدل المساهمة في تنظيم معاركنا ومعارك شعبنا (الجماهير الشعبية والعمال والفلاحين الفقراء، بالدرجة الأولى) والانخراط الفعلي في نضالاتنا ونضالات شعبنا التي تبهرنا وتقض مضاجع النظام، وهو ما نسعى اليه بكل قوة وعنفوان نضاليين، ترى العاجزين منا يلهتون وراء "كل ما يلمع"، خاصة والمحطات النضالية التي فرضت نفسها رغما عن الجميع. ولأن النظام يصنع "ما يلمع" (في الهامش)، يتساقط لعاب الغرباء وذوي الضعف والعجز المزمنين في فخاخ النظام بكل فظاعة. وهدفهم هو "التكفير" عن غيابهم المفضوح عن واقعنا المر وعن معاناتنا اليومية وعن عزوفهم المرضي عن التواصل مع المناضلين الميدانيين الذين يحترقون الى جانب أبناء شعبنا في المعامل والحقول وفي الساحات والدروب...
وتراهم عن المهام الثورية الراهنة عارضين، تراهم يتبنون الشيء ونقيضه، بل تراهم يكيلون لنا الحقد وكافة أصناف التشويش والافتراء...
إنهم عمليا يعرقلون تقدم المناضلين، بل تقدم شعب، ويفسحون المجال للانتهازيين والعملاء وأزلام النظام...
يظهر أن شغلهم الشاغل هو إعدام أي تقدم نضالي يفضح ضعفهم/عجزهم.. يتكتلون ويتحالفون في السر والعلن، بالداخل والخارج، لقتل المناضلين وعرقلة مسيرتهم النضالية...
نعم، نعيش هذا الشهر محطات استشهاد العديد من المناضلين والرفاق، ومن واجبنا استحضار ذلك والتعريف به وفضح إجرام النظام ودمويته، لكن ماذا عن ثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية ومحطات تاريخية أخرى؟
أين الانسجام والمبدئية والانتظام والمسؤولية، في أبعاد ذلك الأخلاقية والسياسية؟
إنها التحديات التي تفضح لهات اللاهتين وتعري تهافت المتهافتين...
والتاريخ بيننا...
شارك هذا الموضوع على: ↓