04‏/12‏/2019

NIDALE DALALE// ماذا عن تعليم بدون جودة؟

مبدئيا لا يمكن أن أتصور وجود لمدرسة عمومية أو خاصة تنفلت من إنتاج
إيديولوجية الطبقة السائدة في ظل النظام الرأسمالي، كما لا يمكن أن تكون لها وظيفة خارج توفير قواعد بشرية مؤهلة تقنيا، وعلميا، ومعرفيا، لخدمة المجتمع البرجوازي سياسيا واقتصاديا وإيديولوجيا. وهذه الحقيقة الموضوعية لا تعني أن المدرسة لم تكن مكتسبا قدمت الشعوب أبناءها شهداءٌ للدفاع عنها. وبالمناسبة أشير للانتفاضة المجيدة للشعب المغربي في 23 مارس 1965 التي قدمت فيها جماهير شعبنا المئات من الشهداء والمجهولي المصير. لكن اليوم لا يمكن أن ننفي التدمير الملحوظ والواسع للمدرسة العمومية مقابل تأثيث الأرضية للتعليم الخاص. ومع ذلك لازال ترتيب المغرب متدنيا ومتخلفا في هرم جودة التعليم عالميا ولو أن الأمر لا يستدعي أحكام مؤسسات دولية محكومة بخلفيات وأهداف متناقضة وطموحات الشعوب في التحرر وللانعتاق، لأن النتائج المسجلة ومستوى الشواهد المحصل عليها تستوفي لذا العامة شروط اصدار الحكم في وقت يتصاعد فيه الخط البياني للمدارس الخصوصية واقتربت نسبها في المدن الكبرى الى 50 في المئة، ارتفعت معها أرصدة أرباب المؤسسات الخاصة مقابل استنزاف جيوب العديد من الأسر دون جديد يمكن تسجيله على مستوى جودة التعلمات باستثناء اللغات في حدود ما.
إن مقياس تميز وريادة المدرسة، سواء العمومية أو الخاصة، يكمن في جودة العملية التعليمية التعلمية. والجودة في التعليم لا تعني المخزون المعرفي لذا المتعلم أو كمية المهارات المنقولة في الذاكرة.. إنما هي العدة الثقافية والعلمية والمعرفية والتقنية المكتسب لذا المتعلم والموجِهة لسلوكه وطريقته في التعامل مع متطلبات الواقع الحي وتطوراته، وهذه القاعدة هي ما يتكئ عليه الاباء وأولياء المتعلمين في الحكم على تعلمات ابنائهم مهما كانت ثقافة اولياء الامور. إن الشارع له آليات القياس الخاصة به, وسأضرب مثلا بالآباء والاولياء الذين يقيسون معارف أطفالهم من خلال تنافس أبنائهم مع اقرانهم من الاطفال في أماكن أخرى لتقييم جانب من جوانب مستوى الجودة التي تقدمها المؤسسات التعليمية.
إن الممارسة في حقل التعليم تستدعي من الأطر التربوية ورؤساء المؤسسات التعليمية أو مالكيها -بحكم ان الخوصصة في الراهن هي أمر واقع-، الاهتمام بقيمة الجودة بالدرجة الأولى، ووضعها على قائمة اهتماماتهم ومسؤوليتهم وأن الاخلال بها هو اخلال بالميثاق مع أولياء الامور بشكل خاص ومع المجتمع بشكل عام . وأن المؤسسة التعليمية بدون جودة هي مؤسسة بدون روح أي لا حياة فيها.
فالجودة ليست شعار عاما يوضع على واجهات المؤسسات التربوية أو يتم إطلاقه من فوق المنابر السياسية والتهليل له اعلاميا بل هي مفتاح كل المكونات التربوية سواء من داخل المؤسسات أو من خارجها مثل الآباء والأولياء، وضماناتها هي التنظيم المسؤول، والتخطيط المحكم، والتقويم المستمر، والتطوير الخلاق والمبدع، والالتزام بتنفيد الواجبات وضمان الحقوق.. وشرط التفوق في تحقيق الجودة يتطلب من كل المكونات المعنية، وبالدرجة الأولى الطاقم التربوي، حملها على محمل الجد، وإن لم تحصل القناعة بها، فلن تكون أفضل من خطط حربية لخوض معركة دون جنود، مهما كان حجم الخطط، أو البرامج والانشطة المعدة لذلك. هذا إن كان لنا طموح فعلي لتشييد تعليم جيد. والتعليم ذو جودة لا يعني بالضرورة انه تعليم منفلت من قبضة النظام الرأسمالي، بمعنى أن التعليم الجيد لن يكون بالضرورة تعليما دو مضمون ديمقراطي، وشعبي،وعلماني، وموحد.

وبالمانسبة يلوح سؤال: الى اين سائرون وتعليمنا قد وصلت مستوياته للحضيض؟!، وماذا عن مستقبل ابناء شعبنا في ظل قيادات سياسية ونقابة تتاجر في كل شيء بما في ذلك المآسي، وكذلك في ظل بنيات تحتية شبه مخربة، ومناهج تعليمية تعتمد وترتكز على الحفظ للحصول على الشواهد اخذا بمبدأ بضاعتنا ردت إلينا وتفتقد للاسلوب العلمي والتنويري ولا تقدم اي اسس لتمكين المتلقي من اكتساب طريقة علمية ونقدية لتوجيه اسلوبه في الحياة العامة ولصناعة القرار المستقل والانسجام وطموحات شعبه.. والغاية من مثل هذه المناهج هو اعادة انتاج اجيال الخضوع والطاعة أجيال مستسلمة تقبل، مجبرة في الغالب، لبيع قوة عملها في سوق النخاسة "يشتريها المستبد بقليل من المال" على حد تعبير العلامة بن خلدون.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق