لا أملك من اليوم إلا هاته اللحظة التي أعيشها الآن..فممكن جدا أن أنظر للمستقبل بشكل إجابي ، و هذا هو طموحي الأقصى الذي أملكه في هذه الساعة ..
أحلم أن أذهب بعيداً...بعيداً حيث يتبدد كل شيء مما كان..وحيث لا يعود هناك غير فرصة لسقوط آمن
أو الذوبان والتحول إلى صورة أخرى....صورة من تلك التي يحلم بها كل إنسان ...في أن يكون كل شيء كريما وأبدياً
وعادلا كسماء إلهية...وآمنا وصادقاً كوجه رضيع نائم.
أنا حلمت بهذا، تحقيقاً لنبوءة كل مناضل صادق ...حلمت أن تتحقق هذه النبوءة ليرجع الشعب منتصرا من البعيد
لكن لم هذا البعيد؟ ربما لأن السماء هنا لم تكن مهيئة لصنع المناضلين...وربما لأن بوصلة النضال كانت تعمل كشوكة الراهب في البحث عن مربط الفرس..وربما لأني كنت أحلم كالمراهقين وأردت أن يأتي النصر من بعيد البعيد
ككوكب يجر النجوم ولا يضيء ناره إلا في رؤوس الجبال.
هل أبدو لكم ساذجا وحالما كقط لم يجرب الضياع في يوم عاصف؟هل أبدو لك كصبي يطبق تعاليم مدرسته حول حب العالم للتحرر..وأنا أحاول إحتضان الخلاص بذراعي؟
فتحت سقف هذه المدينة المعربدة، سكراً، توقفت ليلا متشردا...لأني لم أعد أملك المال الكثير للمبيت في الفندق ..
. استمريت المسير في الطريق ، أشق في احشائي عباب بحر من الظلام ، بل كلمات ترن في رأسي ثائرة عنيفة. و سرعان ما استقرت قدماي على رمال البحر توقفت في وسطه لبرهة ، وكأن الأرض توقفت عن الدوران....تقدمت نحو أمواجه بخطى بطيئة ، حزينة ، كأن قسوة الزمن قد وسعت المسافات بسنوات ضوئية...
مال جسدي قليلا ، استندت بمرفقي على الجزء العلوي من ركبتي. دفنت وجهي في راحة كفي وغصت في لجة الفكر ، شارد الذهن ... و نار الحزن تزداد سعيرا في خلجان صدري .. تنساب على جدران قلبي فيحترق ...والدم في شرياني يغلي ، فيطلق للعذاب عنانه ... يتسرب على مهل الى جسد الذاكرة...فتعود بي إلى أيام الصبا...
ظل ذكرى الطفولة ... يلاحقني شعور جارف باللاجدوى ويرهق أفكاري... انتابني هاجس مزعج بعزلتي في فضاء مأزوم يقف الانسان فيه عاريا بلا ارادة في دائرة الانغلاق ، محاطا بسور من الاسلاك الشائكة وحيدا ... مستسلما أمام ذلك السراب القادم من غياهب النسيان ...ليضيف على هواجسي شعورا أكثر فجاعة...
و فجأة لمحت شابا ملامحه تدل على أنه مرت عليه سنوات من المعاناة ..استمر بالمسير نحوي..نظراته إلي تحمل قوة صامتة ..شاب في الثلاثنيات تظهر على وجهه تقاسيم التعب و كأنه لم يأخد قسطه الكافي من النوم ..اقترب مني بحيث التصق فمه بأدني اليمنى هامسا..تحرك من هنا فالوضع غير آمن في هذا المكان ..همسه هذا أربكني وكأنه يحمل نذير شؤم ...في تلك اللحظة و بينما أريد استعاب كلامه..انفتح ضوء على وجوهنا ..و أصوات مسموعة غير واضحة المعالم... في البداية كانت الأصوات تتراءى لي أشبه بكابوس ..حاولت النظر الى تلك الأجساد التي تتحرك كأشباح ..كانت وجهوهم تفيض حقدا..و أعينهم تقطر انتقاما ..في هذا الوقت خامرني إحساس بالعجز..كطائر ملتصق بالأرض لا يقوى على الطيران..
هنا انقضوا علينا بكل وحشية و الشاب يقاوم بسحب يديه و يحاول التخلص من قبضتهم..كبلوا معصمين نحن الإثنين معا و صراخي يملأ المكان ..وضعوا عصابة على أعيننا و ثم جرنا على الأرض الى سيارة لم أعرف شكلها و لا لونها ..
يتبع..
شارك هذا الموضوع على: ↓