الممنوع بالمغرب لا حدود له، وليس مؤطرا بالضرورة بالقانون. ففي حالة
تصفية الحسابات، خاصة السياسية، هناك ألف قانون يمكن لي عنقه (تأويله/تكييفه)، إذا لم يكن صريحا، بهدف الزج بالمعني أو المعنيين في السجن أو إغراقهم في عالم الضياع والتشرد..
فعندما تم إلغاء قانون "كل ما من شأنه" الصادر سنة 1935، لم يتوقف مفعوله أو أثره. لقد استمرت المحاكمات السياسية وتواصل استشراء الفساد والاغتناء الفاحش وطرد العمال وتشريدهم بمختلف التهم الجاهزة، رغم التغني ليل نهار بشعارات الديمقراطية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا. لأن الترسانة القانونية غنية بالبدائل التي تؤدي نفس الأدوار، ما دامت القوانين في شموليتها تعكس الوضعية الطبقية السائدة. إن القانون فُصّل بعناية لحماية المهيمن طبقيا ولضمان مصالحه واستمراريته.
إن النظام قد رسم دوائر بألوان مختلفة. وتزداد خطورتها من لون الى آخر. ولعل أخطر الألوان هو اللون/الخط الأحمر. لأن تجاوزه يدخل في خانة المس ب"المقدس". والقانون 20-22 ليس غير دائرة واحدة من بين دوائر الممنوع المتعددة والمتنوعة. إننا في ظل موازين القوى راهنا صرنا نحقن ونُجرّح (من الجراحة) بدون مخدر (بنج)؛ فمن قانون سيء الى قانون أسوأ، وعجلة الإجهاز على المكتسبات لا تتوقف في واضحة النهار ورغم صرخاتنا التي لا تتوقف.
وهل تمرير هذا المشروع (بوعو)، سيغير من واقع الحال شيئا؟
الجواب عن هذا السؤال مرتبط بالوضع الذاتي للمناضلين والقوى المناضلة. فكما فرضوا أنفسهم بالساحات المسيجة والمحروسة، وضحوا بالغالي والنفيس من أجل ذلك، لن يعجزهم القانون القمعي 20-22 عن التعبير عن آرائهم ومواقفهم بالشكل الذي يرونه مناسبا.
والخطير الآن هو أن نعلن "الحرب" على قانون واحد ونتجاهل أو نتناسي قوانين أخرى لها نفس الأثر والمفعول، ولو بادعاء الدهاء والإعمال الذكي للتكتيك.. فالأمر يشبه الدفاع عن معتقلين سياسيين معينين باستماتة والسكوت عن آخرين، أو دعم معركة معينة وتجاهل أخرى، ولنا أمثلة كثيرة بهذا الصدد.
جميل أن نتصدى لقانون 20-22، بل من الواجب النضالي القيام بذلك. الأمر لا جدال فيه، أي تحصيل حاصل، مادام يرمي الى تكميم الأفواه وإغلاق كل الثقب التي تسمح بانفلات بصيص من حرية الرأي والتعبير. لكن المعركة أكبر وأشمل. إنها في العمق معركة طبقية. وهل يعني سحبه أو تأجيله أو تعديله بمقاربة "تشاركية" ربح المعركة؟ هل يعني ذلك أننا سنرفل في بحبوحة من الحرية والديمقراطية والعيش الرغيد؟
مرة أخرى نحذر من فخ الإلهاء والتجزيء الماكر ومن دوامة (CYCLONE) الأسئلة المتناسلة، ومن بينها: لماذا إعداد وتقديم مشروع قانون 20-22 من طرف وزير اتحادي (وزير العدل، عن حزب الاتحاد الاشتراكي)، أو ادعاء ذلك، علما أنه الوزير الاتحادي الوحيد بالحكومة؟ هل حزب الاتحاد الاشتراكي معني بهذا القانون أكثر من غير من الأحزاب المشكلة للحكومة، أم أن الأمر ليس غير مسرحية سيئة/جيدة الإخراج؟ هل مبادرة الوزير الاتحادي باسم حزب الاتحاد الاشتراكي فعلا أم باسم جهة اختارت هذه الصيغة وامتطت متن الاتحاد الوثير لغاية في نفسها؟ هل الاتحاد الاشتراكي حزب يساري؟ ماذا عن صراع الأجنحة داخل الاتحاد؟ هل سنصدق لعبة تبادل الأدوار من خلال الإنكار والتنكر والكر والفر...؟
إننا الآن، وقبل إعمال القانون 20-22، أي قبل تمريره، لا نقول أو نقوم بما يمكن اعتباره إزعاجا حقيقيا للنظام؛ وكثيرا ما نقبع في الدوائر الرمادية التي تزداد قتامة ونمارس الرقابة الذاتية بشكل مفرط. إنه يوهمنا أننا نخوض المعارك الكبرى عبر وسائط التواصل الاجتماعي. لقد ذكرني هذا بما ورد في "تدوينة" لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، جاء فيها "ردود الفعل الغاضبة حول مشروع القانون 22.20؛ تعبر عن حيوية مدنية قوية، تتفاعل بأشكال مختلفة مع السياسات العمومية"، مضيفا أن لهذا التفاعل "في النهاية قيمته الحاسمة في توجيه هذه السياسات وضبط إيقاعها"، وأن "التطور الديمقراطي للبلاد؛ في طور التمتين والتعميق والترسيخ".
إنه سيبقى بعيدا عن ملامسة جوهر الإشكالات والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا من سيعرض عن الواقع الفعلي، ومن يغرق في العالم الافتراضي من أخمص قدميه الى قمة رأسه؛ وسيظل تائها ما دام غير منظم سياسيا وبدون بوصلة علمية. وسينضاف لا محالة والحال هذه الى قائمة ضحايا وأسرى الهامش، وسيؤدي بعبثية دور "دونكيشوت" ومحاربة طواحين الهواء كما عبر عن ذلك الكاتب الاسباني ميجيل دي سيرفانتس ببلاغة.
شارك هذا الموضوع على: ↓