أن تتلقى باقة ورد بمناسبة سعيدة، أمر مألوف وعادي، أمر جميل. لكن أن
تتسلم باقة ورد وليس فقط وردة، وأنت في حالة حصار، حالة اعتقال، حالة إضراب لامحدود عن الطعام، فلذلك معنى وذوق خاصين. أن تتسلمها، ليس من طرف العائلة أو صديق/ة أو رفيق/ة، بل من طرف من يحرسك في زنزانة معزولة وتحت مراقبة متواصلة (حراس الأمن والقوات المساعدة وRG وDST)، أمر أجمل وأروع. حصل ذلك بغرفة/زنزانة منسية في أحد أطراف المركز الجامعي الاستشفائي ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء، حيث كنا نقبع جوهاري نورالدين وأنا منذ 1989 حتى 1991. كيف؟
كشهادة، تعامل معنا جل عناصر الحراسة وطيلة فترة اعتقالنا باحترام كبير. ومنهم من قدم لنا خدمات تفوق التصور، خدمات محفوفة بالمخاطر، وكانت في حالة كشفها لتعرض صاحبها لأوخم العواقب.
ومن بين جنود الخفاء التي أبهرتنا حارس أمن شاب شغوف بالقراءة. لم يكن الكتاب يفارقه طيلة فترة الحراسة (08 ساعات). ارتبط بنا احتراما لصمودنا ولمواقفنا وأفكارنا... وتضامنا معنا، كان يتحفنا من حين الى آخر بكل الكتب التي عبرنا عن رغبتنا في الاطلاع عليها. كان يحمل معه جرابا يحتوي الممنوعات من كتب وجرائد ومجلات. ويوما، ودون استشارتنا، أهدانا في غفلة من زملائه باقة ورد ووضعها في قنينة بلاستيكية مع قليل من الماء.
لم ننتبه حينه الى خطورة وتبعات إشهار تلك الهدية الممنوعة. انصرف عناصر الحراسة لتلك الفترة المسائية دون إثارة انتباه أحد. ومرت الليلة الموالية في هدوء تام.
وفي اليوم التالي، وبالضبط في منتصف النهار، أي بعد الجولة الروتينية الصباحية، قامت "قيامة" المسؤولين الذين كانوا يترددون على كهفنا بعد أن انتبهوا للباقة الجميلة المنتصبة بزنزانتنا، واهتزت الأرض تحت أقدام جميع عناصر الحراسة. بدون شك، طرحوا العديد من الأسئلة عن دلالة ذلك.. من تجرأ واخترق كل الحواجز وخرق "القانون" ليسلم باقة ورد الى منبوذين اثنين غارقين في الأصفاد ووحل الاعتقال؟!!
تابعنا من بعيد التحقيقات بشأن "الجريمة" المقترفة. وعلمنا أن الحارس الشاب قد تم تنقيله الى موقع آخر بسبب الشك في كونه وراء ذلك الفعل "الشنيع"، دون أن تثبت التهمة في حقه. ومصدر الشك كان ذلك الجراب المثير..
أما نحن، فلم يجرؤ أحد من الاقتراب منا أو أن يلمس باقتنا الباهرة. وبقيت بمكانها شامخة حتى وقت طويل...
وكقاعدة عامة، أن تكون كبيرا بالمعنى النضالي يحسب لك ألف حساب، حتى من طرف الأعداء...
كيف لا نصمد..؟!!
وكيف لا نحب الحياة..؟!!
لقد علمتنا معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري الصمود وحب الحياة والفرح والاستماتة في الدفاع عن الموقف رغم كل الظروف...
وبالمناسبة، أهديكم/كن باقة الورد الرمزية هذه عربون اعتراف وامتنان لكل جنود الخفاء ولكل ذوي وذوات القلوب الكبيرة الخالية من فيروس الحقد والضغينة ولكل من يحب/تحب الحياة بمعانيها الراقية...
شارك هذا الموضوع على: ↓