أقذر، وأحط الأدوار هو ما تلعبه القيادات النقابية اليوم. سجل اسود جديد يزين صفحات تاريخها الإجرامي.. تنتقل من عناق إلى عناق، من اجماع الى اجماع، من توقيع الى اتفاق، من 18 يناير 2022 إلى 9 فبراير 2022،..
التوقيع على المكتوب مثل الاتفاق على بياض، كلاهما سيان في احضان النظام. وبين التوقيع وجلسات/اجتماع التفاهم، وبعده يشتد الخناق، وتتزايد نيران تقطير جلوب الشعب بلهيب الاسعار، ولقمة العيش تتقلص بوتيرة سريعة. المهم قياداتنا النقابية متأهبة للتنفيس، للضبط، للتمرير، للتصريف..
باختصار هي رهن إشارة النظام، وعلى المكشوف. التوقيع والتفاهم/الحقيقة التاريخية، لا يجعلها قيادات بيروقراطية منبطحة فقط، بل شريكة في الجريمة، شريكة في جريمة تمرير ارتفاع الأسعار، شريكة في خنق الحريات العامة، شريكة في طمس قضية الاعتقال السياسي، شريكة في تحييد شرائح واسعة من دائرة الصراع..
مضامين الاتفاقات، والتفاهمات، تعزز ترسانة هجوم النظام على اليابس والاخضر، تعزز جبهته لحرب جديدة أكثر شراسة، حرب تهدف لنزع حقنا في ملكية اجسادنا، كآخر ما تبقى لنا كشعب، لبلترة الاغلبية الساحقة، لتسليع استمرارية الكائن الإنسان، وتحطيم كرامته بمختلف صورها، وتحويل الأغلبية إلى أدوات، إلى وسائل، إلى شيء، إلى قيمة مبخسة،..
ولما اقول القيادات النقابية، في واقع الأمر، أعني الأحزاب السياسية، وما يهمني منها أحزاب الصيحات باسم اليسار، ومبتلعة اللسان لحظة الامتحان جبنا وتواطؤا. ماذا يعني أن توقع قيادات نقابية محسوبة على اليسار على السلم الاجتماعي، وقبولها لمخططات النظام، والإجماع على تمريرها؟ أو ما معنى يسار ممثل في قيادات مركزيات نقابية توقع، وتتفق لتحييد قاعدة من الشعب من الشوارع وتجميد نضالاتها، وتزكية التضييق على حقوق الإنسان في أوج لهيب الأسعار وكثافة غيوم المجاعة الممتدة للأغلبية؟ هل هناك يسار أفضل من هذا "اليسار" للنظام، "يسار" يصمت، يتجمد، ويجمد في اوج لهيب الأسعار، والاعتقالات السياسية، والخرق لحقوق الإنسان، وتزييف الحقيقة، والاتجار في المآسي، وتجميد أجور العمال، وتسريحهم، وتكريس الجهل والخرافة، والتطبيع مع الكيان الصهيوني على النكشوف، والخيانة،..؟!
من يفقد الخطاب السياسي مصداقيته غير المتخاذلين والتجار النقابيين والسياسيين والجمعويين؟! الخطاب السياسي افقدوه المصداقية على الارض، وبلغ دروته في الخداع، انكشفت المواعظ، تبخرت الرهانات، مل الناس سماعها، صار لذيهم كره من نصائح الذين يلوكونها مأجورين، ولا يثقون في تأثيرها، لأنها تذهب أدراج الرياح.. كل هذا في خدمة النظام. سعار النهب والاستغلال لحد العبودية على المكشوف، يقوده النظام. والفساد استشرى، أكل الرغيف، رغيفنا، قضم ثيابنا، نهش اللحم والعظام، اوصلنا إلى حافة الجوع، وتجاوزها، حتى صار منا من ينبشون القمامة، لتدبير طعام أولادهم.. أي يسار هذا الذي يدير ظهره لهذه الحقيقة الساطعة، وأي قيادات نقابية هذه وأي تيارات سياسية هذه الصامتة على الجريمة؟!.. وماذا يارحال النقابات، إلى أين الهجرة اليوم، أم لا حرج، تختارون الصمت وطأطأة الرؤوس فوق كراس مؤثث ومقدم من شياطين الجوار، ورجم شيطان الكعبة لحظة تأدية المناسيك؟!.. من يرضى به النظام ترضى به "الساحة" السياسية، ترضى به القيادات النقابية، ومن ترضى به القيادات النقابية البيروقراطية والصفراء يرضى به النظام بعد الترويض المحكم. لا مدخل للسياسة المريحة، والمؤثثة بكل الوان الشعارات، دون مدخل النظام. هذه هي الموضة. هذه هي قاعدة الاستثناء. وغير هذا يبقى الكلام في السياسة جرم، و حتى لا يختنق الشعب صمتا يسمح له بامكانية الكلام في الرياضة وعن لاعب موهوب ومغني نال شهرة وربح أموال في أول فيديو كليب له، وانتشل عائلته من الفقر،.. والنفخ في الإنجازات، والتجارة في المآسي، والكلام في الطبخ وعن إعداد طبخة شهية ولو أن أمثالنا ليس لهم ما يطبخونه.. أما مدخل الشعب، النضال القاعدي، النضال الثوري، دربه طويل وأعداءه كثر، والثمن غالي، غالي جدا. صارت البراعة في السياسة هي في قدرتك على إيجاد معبر للعبة بمظهر المعارض، مثلما هو الحال لاختراع سياسي يحسب لجيل موجة الردة والمراجعات الكبرى، الذي تمترس كمعارض سياسي عنيد ل"المخزن"، هذا المفهوم الشعبوي، العدو الشبح، الوهم، الذي يغدو ابداعا مفقودا لما ينتقل اصحابه لتفاصيل اقتصاده، كاقتصاد مخزني، مع "إستحياء" الحديث عن نمط إنتاج مخزني، ليعمقوا "مغرب الاستثناء"..
إنها البراعة والإبداع في التمويه "اليساري"، في جعل الشعب يصارع الوهم. إنه اختراع سياسي يحسب لجيل موجة الردة والمرجعات الكبرى، وينسى أن لحظة الفصل، والجذارة، هي لحظة الامتحان، وفيها أضاف بصمته ليثبت "نواياه الحسنة" (كما أكد "زعيم"FNE على موقع "بديل") ويضع لقدمه رقعة وسط الإجماع وذكرنا بأن الخداع كثير، والتبرير فائض. ويتبخر المخزن كمسؤول، وسبب الفقر، والظلم الذي يلحق بالناس.