كم هي طيعة ولطيفة نقاباتنا!! تصمت عندما تُهمش ويتم تجاهلها/إقصاؤها، وتُهرول فرحة عندما يُشار اليها من أجل تأثيث جولات ما يسمى ب"الحوار الاجتماعي".
المشكل ليس في تلبيتها الدعوة الى "حوار" يوم الخميس المقبل 24 فبراير 2022، بل في قبول الدعوة بدون شروط أو حتى مجرد "عتاب". حصل ذلك مؤخرا مع النقابات القطاعية بحقل التعليم التي لم تلو على شيء يستحق الذكر، غير الوعود والكلام المعسول؛ وها هي المركزيات النقابية تسير على نفس المنوال. الكل يتحدث عن "المأسسة"، وعن توضيح منهجية "الحوار".
فبالنسبة للميلودي موخاريق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، يُسجل أن "الجلسة الأولى من عمر الحكومة ستكون تأسيسية، تُوضح المنهجية وتفاصيل المواعيد اللاحقة"، مُردفا أن النقابة "تذهب بنية صادقة لحوار يفرز تعاقدات".
نلاحظ هنا أن السيد موخاريق ليس في عجلة من أمره، يهمه فقط و"بنية صادقة" عقد صفقاته كما دائما. لتستعر نار الأسعار أو ليشرد العمال أو لتحترق البلاد، "ما دام جلدي سالما، مالي ومال الآخرين"...؟ فمتى كانت "نية" النظام صادقة من خلال مُمثليه، من حكومات أو مؤسسات أخرى، حتى تكون "نية" النقابات صادقة؟
وبدوره يونس فراشين، عضو المكتب التنفيذي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، يُسجل أن "مأسسة الحوار الاجتماعي مسألة ضرورية" وكذلك "الخروج من المزاجية والظرفية وتوفير قانون إطار منظم".
بدون شك، ستُطرح بعض القضايا، مثل "ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية والأجور والضريبة على الدخل..."، إلا أنها لن تكون سوى درا للرماد في العيون. أما الحديث عن المعتقلين السياسيين، فمن "سابع" المستحيلات.. و"البركة" في الجفاف (رب ضارة نافعة) كمشجب لتبرير كل المآسي الراهنة وكستار إضافي لإخفاء النهب الفادح السري والعلني للثروات الوطنية البرية والبحرية والجوية..
إننا مرة أخرى أمام قيادات نقابية بيروقراطية متواطئة ومتخاذلة، قبل "الحوار" وبعده؛ قيادات تبحث كما النظام عن ربح الوقت، قيادات تتوخى الاستفادة من الفتات مقابل خداع الشغيلة ولجمها والزج بها في متاهات لا تنتهي من الشعارات وأشكال الفعل التقليدية والمتجاوزة. والخطير أنها تخلق بقوة الواقع وبمكر عوامل التشرذم النقابي الذي يتجلى في الفئوية القاتلة..
والعيب بالدرجة الأولى فيمن يثق في هذه "الكائنات" المتعاونة طبقيا الى جانب الأحزاب السياسية ويُنفذ أوامرها بحماس، علما أنها تُنافس رموز الباطرونا من خلال مشاريعها وممتلكاتها المكشوفة التي لم يُطرح عليها بعد سُؤال "من أين لك هذا"..
إن العيب فيمن يسكت عن ذبح الديمقراطية الداخلية والجرائم المالية وإجهاض المعارك وتكسيرها..
إن تصريحات القيادات البيروقراطية تتقاطع ببشاعة مع كلمة أخنوش بمناسبة افتتاح أشغال "المنتدى البرلماني الدولي السادس للعدالة الاجتماعية" التي جاء فيها: "وعيا بكل الرهانات، أدعو كرئيس للحكومة المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى عقد أول جلسة للحوار الاجتماعي يوم الخميس المقبل، للشروع في التفكير الجدي والمسؤول في كيفية مأسسة الحوار الاجتماعي ليكون عقده ملزما ومنتظما، والاتفاق على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين ويضع قواعد للهياكل ومؤسسات الحوار وينظم أساليب الاشتغال والتعاون بين مختلف الشركاء الاجتماعيين".
ولكي لا يترك أخنوش أي تأويل مغرض لدعوته/منحته/هبته "الكريمة"، أضاف: "ستنعقد هاته الجلسة للتداول بشأن الأولويات الاجتماعية التي تحظى باهتمام ممثلي الطبقة الشغيلة على مستوى القطاعين الخاص والعام وكذا ممثلي رجال الأعمال سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد".
فكيف ستنسجم اهتمامات "ممثلي الطبقة الشغيلة" واهتمامات "ممثلي رجال الأعمال"؟ الجواب اليقين عند النظام وحواري النظام..
وأكثر من ذلك، فأخنوش يُسقف "طاولته" الذهبية ويؤطرها أمام الملأ ولا يدع مجالا لشعبوية القيادات النقابية الحربائية، عندما عبر عن "يقينه التام بالروح والمرجعية الوطنية الصادقة التي تحكم كل مكونات هذا الحوار، وهي الروح التي تجعل من المصلحة العليا لبلدنا فوق كل اعتبار سيما ونحن أمام تحديات متعددة ومتنوعة، لا سبيل لنا جميعا أمامها إلا التعاضد والتعاون لربح رهاناتها وترسيخ السلم الاجتماعي، وبما يكفل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية كأهم مقومات الدولة الاجتماعية التي أرسى أسسها جلالة الملك".
أخنوش حسم "المعركة" بضربة "مقص" وحتى قبل أن تبدأ. هل هناك ما يُقال بعد تسطيره بالبنط العريض "لا سبيل لنا جميعا أمامها إلا التعاضد والتعاون لربح رهاناتها وترسيخ السلم الاجتماعي"؟
وماذا عن الأحزاب السياسية، اليقظ منها والنائم؟
طبعا، لا حياة لمن تُنادي...
باختصار مفيد وصريح، لا رهان على مسلسلات تعبث بالمشاعر عبر الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي.. إن الكرة في مرمى أصحابها، خاصة والاحتدام الشديد للصراع الطبقي ببلادنا..
إن الحوار الذي يُنتظر منه انتزاع المكاسب وفرض المطالب هو الحوار/التفاوض الذي يأتي بعد النضالات المتواصلة والمعارك القوية، سياسيا ونقابيا، أي الحوار الذي يفرضه الضغط المنظم للشارع الذي تصنعه الجماهير الشعبية الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. أما الحوارات المغشوشة، فقد عودتنا على حلقات ماراطونية لامتصاص الغضب وبالتالي استمرار المعاناة، بل تفاقمها مع التنزيل المحكم للمخططات الطبقية المدمرة.
وسيكون من باب التضليل ربط وقفات يوم الأحد 20 فبراير التي دعت لها "الجبهة الاجتماعية المغربية" والتي مر جلها تحت الحراسة "الآمنة" وتوثيق بعض فعالياتها بواسطة طائرات "درون" (وقفة الرباط)، كآلية ضغط، بدعوة أخنوش رئيس الحكومة الى "عقد أول جلسة للحوار الاجتماعي يوم الخميس المقبل".
وفي سياق الحديث المؤلم (الحديث ذي شجون) عن الجبهات، ما هو موقف الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع بمناسبة حضور وزيرة الاقتصاد للكيان الصهيوني بالمغرب وتوقيع "اتفاق تعاون اقتصادي يسعى للرفع من التبادل التجاري" وزيارتها لمصنع صهيوني خاص بصناعة ملابس السباحة بالرباط (المصنع منذ 2008)؟
أكرر، إن الكرة في مرمى أصحابها الحقيقيين، خاصة والاحتدام الشديد للصراع الطبقي ببلادنا..
شارك هذا الموضوع على: ↓