2022/05/09

حسن أحراث// كيف نواجه البيروقراطية؟


تعالت في الآونة الأخيرة، ومباشرة بعد توقيع اتفاق الذل من طرف المركزيات
النقابية (30 أبريل 2022)، ومن بينها بالخصوص الاتحاد المغربي للشغل (UMT) والكنفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، في إطار ما سُمي شكلا بالحوار الاجتماعي، أصوات مبحوحة دفاعا عن البيروقراطية، وتحت مختلف اللبوس. وأخطرها تلفيق التهم المجانية للمناضلين على غرار تهم النظام القائم الجاهزة.

ولأن الواجب النضالي يقتضي تحمل المسؤولية، وهو ما عاهدنا عليه الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري وكافة شهداء شعبنا، وحيث لا مجال للاختباء وراء الشباك المثقوبة، أقدم هذه المساهمة الأولية كأرضية للاشتغال على مهام المناضلين النقابيين المكافحين. وتناول موضوع التصدي للبيروقراطية النقابية لا يقتصر على المناضلين النقابيين، إنه يهم كافة المناضلين المعنيين بقضية تحرر وانعتاق الشعب المغربي. وأعتبر نفسي معنيا من منطلق انتمائي الإيديولوجي والسياسي لمشروع الطبقة العاملة الطبقي الثوري..

أولا، لا أقدم وصفة سحرية صالحة لكل زمن ومكان. ولا أدعي امتلاك الجواب الجامع والمانع عن السؤال المطروح، أي "كيف نواجه البيروقراطية؟".

وأدرك تمام الإدراك أن الاشتغال الجماعي على المعطيات الملموسة (التحليل الملموس للواقع الملموس) بغاية وضع الأجوبة الملائمة عن الأسئلة الحارقة مهمة نضالية لا تقبل التأجيل أو التجزئة، ولا تحتمل المناورة أو التمطيط. وأي نُزوع مرضي نحو اعتماد المبادرات الفردية ليس سوى هوسا بورجوازيا يُسيء إلى القضية ويكرس التقاليد البالية المتجاوزة.

ثانيا، كم هو مخجل أن تنبري بعض الأقلام الحاقدة للتشويش على الأصوات المستنكرة لجرائم البيروقراطية. ويظهر أن هذه الأقلام تتألم أكثر مما تتألم البيروقراطية. ولا يُفسر ذلك سوى انخراطها في مشاريع هذه الأخيرة، إما بالتثمين والمغازلة أو بالصمت أو بالدفاع غير المباشر (حالة كاري حنكو).

والخطير أن تُجْهز هذه الأقلام الحاقدة على حق الانتقاد فقط لأنه يفضحها، وهي التي تدعي احترام الحق في الاختلاف لتشبُّعها بثقافة حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها، وتلجأ لدغدغة عواطف مُؤيديها/مُريديها إلى تهمة "النقد دون فعل" وإلصاقها بكل مُنتقد بريء وبتعميم مقصود لخلط الأوراق والهروب إلى الأمام. وقد جعلها السُّعار في لحظة انهيار مُستفَزّةً ليس فقط من انتقاد البيروقراطية والنظام والقوى السياسية المتخاذلة، بل حتى من انتقاد المناضلين للامبريالية وصندوق النقد الدولي... 

الغريب أن يستفزها نقدنا المُرّ للبيروقراطية بغض النظر عن خلفيته، وأن تقبل الطقوس الحلوة للحنا والرقص والعناق وتشييع جثامين العمال التي امتصت الباطرونا دماءَها بأنابيب البيروقراطية.. 

ونرفع التحدي هنا، وندعوها الى "ضبط النفس" وقتل الضغينة في ذاتها والاعتراف بحضورنا المستمر في جل الأشكال النضالية، رغم توصيات الإقصاء من التوثيق، صورة وصوتا، وهي أيضا تعليمات النظام لأجهزته الإعلامية المملوكة، الورقية والالكترونية.

عودة إلى الموضوع الأهم، نستطيع الجزم أن مواجهة البيروقراطية مهمة سياسية، لأنها تستلزم المدخل السياسي. وأي "شغب" نقابي لن يهزمها، كما أي "تنطّع" تحت مختلف العناوين؛ علما أن مسؤوليتنا لا تفرض بالضرورة بناء نقابة ديمقراطية، أي نقابة جميلة للراحة والاسترخاء. فنستطيع أن نُناضل في صفوف نقابة ولو تكن ذات قيادة رجعية، لأن أهدافنا لا تتمثل في الحصول على المقاعد بالأجهزة القيادية. إن أهدافنا محكومة بالتواصل مع القواعد النقابية والعمالية بالخصوص، تأطيرا وتنظيما، أي إكسابها في خضم معاركها النضالية الوعي السياسي، من أجل الانتصار في المعركة الطبقية الحاسمة. وهنا الفرق بين المناضل الماركسي اللينيني والتحريفي، هذا الأخير الذي يسعى وراء المكاسب الذاتية التي تلتقي في آخر المطاف مع مكاسب البيروقراطية. ويصير بالتالي عبدا "كاري حنكو" لأسياد، سواء عن وعي أو بدونه..

لا نحتاج إلى "إبراز العيوب" فقط (عيوب اتفاق العار الأخير) أو مساوئ اتفاقات خيانية سابقة (اتفاق 26 أبريل 2011) والاستمرار في مسلسل الخنوع والخضوع، إننا في حاجة نضالية ماسة إلى المواجهة والتصدي النضاليتين. تلوموننا على فضح البيروقراطية "دون فعل" (كما تدعون حسب هواكم)، وتنتهكون "حق الاحترام" الواجب للمناضلين المبدئيين، ومنهم من "يتحلل" شبابه ومستقبله وانتظارات عائلته بسجون النظام، وتأتون بأسوأ من ذلك وأنتم تنعمون في ريع البيروقراطية. إنكم تُبرزون العيوب وتسكتون عنها، بل وتمارسونها عن طيب خاطر وبقفازات حريرية.

كما قلت سابقا إن المدخل لمواجهة والتصدي للبيروقراطية مدخل سياسي. وأقصد ضرورة الاشتغال على بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة بدل التيه في المسارات الملتوية والمستحيلة لبناء النقابة الديمقراطية أو الجمعية الديمقراطية أو أي إطار آخر ديمقراطي. ومن لا يعمل على ذلك، فلن يهزم النظام، ولن يهزم القوى المتخاذلة، ولن يهزم البيروقراطية، ولن يهزم نملةً على الأرض.  

فهل نجحنا وغياب الحزب الثوري في الحفاظ على "ديمقراطية" الاتحاد الوطني لطلبة المغرب؟ إنه بمجرد انتكاسة الحركة الماركسية اللينينية المغربية ذهبت ريح الديمقراطية في صفوف النقابة الطلابية؛ بل ذهبت النقابة وريحها.. فما بالك بنقابة عمالية!!

إنه الصراع الطبقي في ظل نظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي.. 

إن النظام القائم والقوى السياسية المتخاذلة لن تتابع فعلنا النضالي "المُجرّم" مكتوفة الأيدي. وأي تفاعل معها في الإطارات المسماة جماهيرية لن يخدم غير مصالحها ومصالح النظام.

إن انتظار تفاعلها إيجابا مع مشاريعنا المناقضة لمشاريعها يُعطل دينامية الصراع الطبقي ويُشوه الفعل النضالي، وأخطر من ذلك يوفر شروط تثبيت المخططات الطبقية وتنزيلها على مهل..

وحتى لا يُفهم أننا نتطلع إلى المستحيل أو إلى أبعد المُنتظر (المُنتظر البعيد)، أو أننا نضع العصا في العجلة، نُؤكد على ضرورة المواجهة والتصدي من خلال:

-  اعتبار البيروقراطية واحدة داخل هذه النقابة أو تلك، ونقصد بالدرجة الأولى النقابتين الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وهو ما يستوجب التنسيق بين مناضلي النقابتين معا، سياسيا ونقابيا؛

-  فضح القوى السياسية الرجعية (ومن بينها القوى الظلامية والقوى الشوفينية) والقوى السياسية الإصلاحية كذلك (ومن بينها القوى التحريفية) الداعمة للبيروقراطية، سواء مباشرة أو من خلال التقاسم وإياها لكراسي المسؤولية بأجهزة وهياكل النقابة نفسها أو بالبرلمان (مجلس المستشارين)؛   

-  عدم تحمل المسؤولية في الأجهزة القيادية للنقابة؛

- بلورة خطط عمل وصيغ نضالية ناجعة في حال قيادة مناضلين لاتحادات محلية أو إقليمية؛

-  مقاطعة الانتخابات المهنية (ما يُسمى باللجن الثنائية) والتعبئة ضدها في جميع القطاعات مُستحضرين تجربة خديجة الغامري عن حزب النهج الديمقراطي بمجلس المستشارين باسم الاتحاد المغربي للشغل، ومقاطعة المحطات التنظيمية وخاصة الوطنية (الأمانة الوطنية، المكتب التنفيذي، اللجنة الإدارية، المجلس الوطني...)؛

-  الإعلان عن مبادرات نضالية بديلة لمؤازرة المعارك العمالية وترسيخ مبدأ التضامن العمالي، محليا وأمميا؛

-  الفضح الميداني والإعلامي بما في ذلك التوظيف الفعال والمبدع للتكنولوجيا الحديثة، أي عدم السكوت عن جرائم البيروقراطية المتصلة بتمرير مخططات النظام والامبريالية ومؤسساتها المالية، أو المتصلة بالفضائح التنظيمية والمالية، وهناك ألف وسيلة لإنجاز هذه المهام النضالية من داخل النقابة ومن خارجها؛

-  تعميق التواصل مع القواعد النقابية وتحفيزها، كقُوة مُنظمة ومُؤطرة سياسيا؛

-  استحضار القضايا العادلة للعمال (يا عمال العالم اتحدوا) وللشعوب المضطهدة (يا شعوب العالم المضطهدة اتحدوا)، وفي مقدمة القضايا العادلة القضية الفلسطينية، وخاصة مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني والتصدي لكافة أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...

* أولا نقول، وأمام التاريخ، إن أيدينا ممدودة للأيادي المبدئية النظيفة من أجل بلورة إجابات دقيقة للعديد من الأسئلة الحارقة، ومنها سؤال العمل النقابي المكافح؛  

* وثانيا نقول، البيروقراطية هي الطاعون، والطاعون البيروقراطية، على غرار قولة درويش الشهيرة والمُعبّرة: "أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا". 

نريد استبدال الطاعون بكورونا، لكن الطاعون أخطر من كورونا. والبيروقراطية أفظع من الطاعون والكوليرا وكورونا...




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق