من يعشق الكتابة يعرف معنى التوقف عن الكتابة. إن توقف عاشق الكتابة،
عشاق الكتابة قليلون، والثرثارون الذين ينطبق عليهم القول "كلام النهار يمحوه الليل وكلام الليل يمحوه النهار" كثيرون (حال المثقفين الرجعيين)..
إن الكتابة مسؤولية، ومن يفتقد حس هذه المسؤولية ليس عاشقا للكتابة.
الكتابة إبداع، وأكثر من ذلك ذكاء. ومن لا يمتلك ذكاء الإبداع، يسقط في كثير من الأحيان في الرداءة أو السطحية/الضحالة وفي خدمة المتربعين فوق جراح شعبنا..
الكتابة حق للجميع، كما الإبداع عموما.. لكن لنعط لكل شيء حقه. وهنا تكمن المسؤولية. لنكتب ولنبدع بمسؤولية..
معذرة عن بعض الثرثرة القسرية. ودون التماس الأعذار، أجدني مرارا مضطرا للتوقف عن الكتابة. إنها معاناة قاسية. والسبب هو حس المسؤولية، فلا معنى في تقديري للكتابة من أجل الكتابة (مع احترامي للآراء المختلفة). والمؤلم حقا هو الإسهال في الكتابة، والكتابة المنمقة، دون التزام بمضامينها أو احترام لحمولتها ودلالاتها.
وفي صلب الموضوع، أجدني عاجزا عن الإدلاء بالجديد بشأن نضالات شعبنا، وأقصد بالمناسبة ذكرى انتفاضة 20 يونيو 1981. لقد كتبنا (لست أنا فقط) حد التخمة. وصرنا في حاجة إلى الإدلاء بالجديد.
بدون شك، نحن في حاجة الى التكرار، التكرار المُفيد؛ لكننا في حاجة أكثر إلى الفعل والالتزام..
وفي سياق التكرار المفيد، أتوقف ليس فقط عند غياب الأداة الثورية التي طالما تحدثنا عنها حد الخجل من أنفسنا، بل عند غياب آليات سياسية ونقابية وجمعوية من شأنها التصدي ولو في حدود لإجرام النظام ومخططاته الطبقية. ففي الماضي البعيد والقريب كان دور مهم للقوى الإصلاحية وللنقابات والجمعيات المرتبطة بها. وفي كثير من الأحيان قامت بأدوارها الديمقراطية والتقدمية. وقد أدت الضريبة عن ذلك، من خلال الاغتيالات والاعتقالات وأشكال أخرى من الاضطهاد.
لست هنا بصدد تقييم هذه التجارب التي تستحق الدراسة، يهمني الإشارة إلى الفراغ السياسي الراهن. فالوعي بهذا الفراغ المُهول والمُذّل يؤكد أو يبرر إلحاحنا على أولوية بناء الأداة الثورية، وعلى مساءلة وفضح القوى السياسية التي تؤثث المشهد السياسي الحالي إلى جانب وكالاتها النقابية والجمعوية.
إن الانبطاح غير المسبوق للقيادات النقابية (المركزية والقطاعية) والجمعوية مهد الطريق أمام النظام لكسر أضلاع الجماهير الشعبية المسحوقة، ومنها الطبقة العاملة. لقد صارت هذه الأخيرة وجها لوجه مع النظام. والخطير أن القوى السياسية والنقابية والجمعوية المتخاذلة تتواطأ مع النظام لضمان مصالحها الضيقة على حساب الكادحين ومكتسباتهم التي انتزعوها بالدم والعرق. فلا يهمها غير الريع ولو الريع المذل. يهم القوى السياسية المقاعد البرلمانية والامتيازات المرافقة لها (التهرب الضريبي والصفقات المشبوهة القائمة على الزبونية والمحسوبية وبدون محاسبة، بالإضافة إلى التمويل والنهب برا وبحرا وجوا...). ويهم النقابات البيع والشراء من وراء ظهر الشغيلة واستمرار "سدنة" النضال من المتقاعدين وأشكال وأخرى من الريع (التمويل والتفرغ وغياب الافتحاص...). أما الجمعيات، فرغم التضييق الشكلي ومختلف الإكراهات، فإنها تناصر "أسيادها" وتصفق لمؤامراتهم بدون خجل...
وأغتنم الفرصة لأسجل، كيف لمتقاعد يدعي النضال أن يستمر في تحمل مسؤولية ليست مسؤوليته؟!!
إنه ببساطة سارق مسؤولية ومتشبث بما ليس له فيه حق.. والسؤال موجه كذلك لمن يزكيه ويتشبث به.. إن هذه المسرحيات المقيتة لم تعد تنطلي على أحد.. كفى من الاستغباء وادعاء النضال. إن من يكرس هذه المهازل يسيئ إلى تضحيات شعبنا، بل يستغلها لفائدته..
اخجلوا من أنفسكم أيها المتقاعدون، فأمامكم فرص أخرى للنضال أو للتواطؤ.. وكذلك الأمر بالنسبة لذوي الظروف الصحية الصعبة، اتركوا مناصبكم، فلستم "أنتم أو لا أحد"..!!
إن المسؤولية مشتركة، المعني مباشرة يتحمل المسؤولية وكذلك المتشبثين به، علما أن المتشبثين به يتشبثون بمصالحهم أكثر مما يتشبثون به. فهناك المتصيدون للفرص من وراء ستار..
إننا في لحظة احتداد الصراع الطبقي أكثر من أي وقت مضى، لكننا مكبلون بمناورات النظام وفخاخ "الرفاق" القاتلة، ومنها الجبهات والتحالفات الهجينة، وأخطرها معانقة القوى الظلامية والشوفينية..
فكيف يهدأ بالنا (منظمون سياسيا أو مناضلون غير منظمين) أمام هول التردي الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع الأسعار وخاصة أسعار المحروقات المؤثرة على باقي المواد الاستهلاكية؟!!
كيف يهدأ بالنا والمعتقلون السياسيون يُستنزفون في ظلام السجون؟!!
كيف يهدأ بالنا أمام توسع التطبيع مع الكيان الصهيوني واستمرار هذا الأخير في إبادة شعبنا الفلسطيني؟!!
لقد صار ترديد "النشيد" الصهيوني في قاعاتنا وفوق أرضنا أمرا واقعا.. أين آليات مناهضة التطبيع؟!!
أين المسؤولية وحس المسؤولية؟!!
عندما "أفشل" أستقيل، تعبيرا عن الاحتجاج والدعوة إلى مواصلة المعركة.. أما الصمت، فيقتل أيها "الرفاق".. تذْكُرون مسيرة 29 ماي 2022 بالدار البيضاء، لقد تحوّلت "بفعل فاعل" إلى وقفة بئيسة ومثيرة للشفقة.. لقد كان الحضور إبانها مريعا. لماذا؟
هل أجبتم عن هذا السؤال؟
ماذا ستقولون الآن وبعد الآن؟
إن شهداء 20 يونيو 1981 يحملوننا المسؤولية.
وكل الشهداء يحملوننا المسؤولية وكذلك شعبنا..
ففي أسوأ الأحوال، ننسحب ونقول الحقيقة، لأن الانسحاب وحده لا يكفي، بل يتضمن التواطؤ..
لتبرئة الذمة في حال العجز أو الفشل، لنكشف؛ بل لنفضح الحقيقة..
لا معنى للانسحاب في صمت كما فعل الفاعلون الانتهازيون..
إن الاستمرار من موقع ضعف في تحمل المسؤولية سواء على رأس حزب سياسي أو على رأس نقابة أو جمعية يعني القبول بالأمر الواقع، أي التواطؤ (الاستفادة بطريقة أو أخرى)؛ بل الخيانة..
لقد عشنا تجارب وأخرى.. لقد تعرضنا للإساءة الحاقدة غير المبررة. ونعلن حتى الآن حق المحاسبة عشية عرس أو مأتم، الأمر سيان..
من مع الشعب قولا وفعلا، ومن معه قولا فقط.. وهنا مسؤولية الكتابة..
نموت/نستشهد أو نُعتقل من أجل ما نقول ونفعل..
ويتيهون في الفراغ والكلام الغليض القاتل..
يقتلوننا بدل قتل النظام..
إنها مأساتنا...!!
هناك جمعيات أو نقابات تحتج وتستنكر حصار وقمع النظام.. إنها تتناسى أولا حصار أحزابها لها وتواطؤها ضدها، والدقة ضد شعاراتها وأهدافها المعلنة، وتتناسى ثانيا أن النظام يقوم بواجبه تجاه قاعدته الطبقية (طبقتي الكمبرادور والملاكين العقاريين)..
فماذا ننتظر من نظام لاوطني لاديمقراطي لا شعبي..؟!!
لا لتسويق الوهم من طرف المنبطح ليلا وحتى نهارا، والمتصنع نهارا..
هناك رجعيون (ليبراليون) واضحون (حزب الأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية...)، وهناك رجعيون ظلاميون (حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان...)، وهناك رجعيون شوفينيون (أحزاب صغيرة غير مؤثرة وجمعيات)..
هناك أحزاب، لا هي رجعية مقارنة بالأحزاب المذكورة سلفا ولا هي أحزاب إصلاحية بالمعنى السياسي الدقيق للكلمة، إنها أحزاب أو للدقة جمعيات/أحزاب هجينة في لبوس جمعوية، لأن ممارستها لا تخرج عن نطاق الممارسة الجمعوية..
قليلا من الخجل، رجاء..
إن شعبنا تحت وطأة مطرقة النظام وسندان الأحزاب السياسية والقيادات النقابية والجمعوية، ولا أستثني أحدا...
"لا" عليكم، الزمن زمانكم..
زمننا قادم لا محالة، أقصد زمن شعبنا، زمن الطبقة العاملة...
وأخيرا، الكتابة مسؤولية، وخاصة في ذكرى انتفاضة 20 يونيو 1981...
المجد للشهداء كافة..
الخزي والعار للنظام وأزلام النظام من قوى رجعية (ليبرالية وظلامية وشوفينية) وقوى متواطئة أخرى غير "مصنفة" طبقيا..
إنها قوى تمثل في أحسن الأحوال البورجوازية الصغيرة. ومعلوم أن البورجوازية الصغيرة والفئة العليا للبورجوازية المتوسطة (التي لم ترق إلى مستوى البورجوازية الوطنية) من أخطر معاول هدم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، خاصة في ظل المتغيرات الدولية ومنها سعار الامبريالية وحلفائها الصهيونية والرجعية بمختلف مناطق العالم ضدا على حركات التحرر الوطني، من أجل تسييد مخططاتها الاستعمارية الاقتصادية والمالية والعسكرية ضدا على المصالح السوسيوستراتيجية لخصومها/حلفائها التقليديين روسيا والصين بالدرجة الأولى (مثال أوكرانيا والطيوان...)
البديل الجذري ليس أشخاصا معزولين رغم ثوريتهم وبطولاتهم المشهودة (لهم كل التقدير النضالي)، البديل الجذري هو الطبقة العاملة ببلادنا وحلفاؤها الموضوعيون الفلاحون الفقراء بقيادة حزبها الثوري، الحزب الماركسي اللينيني المغربي المعتمد على التحليل الملموس للواقع الملموس (التحليل العلمي) والنقد والنقد الذاتي والمحاسبة النضالية...
لنواصل المعركة رفاقي حتى النهاية..
أنتم في المقدمة والمسؤولية جسيمة...