انعقد بباريس ما بين 23 و27 أكتوبر 2022 المؤتمر 41 للفدرالية الدولية لحقوق
إنها مقدمة طويلة، لكنها ضرورية لكي تتضح الصورة أكثر ويبرز حجم الرهانات القائمة بشأن الفوز بمقاعد بالمكتب الدولي للفدرالية.
كان طموح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (عضو بالفدرالية) كبيرا في الفوز، إلا أنها اصطدمت حسب رئيسها بحملة تشويش على ترشيحها من طرف المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (عضو بالفدرالية كذلك)، ولم تحصل سوى على 42 صوتا.
وعودة إلى التاريخ، تأسست الجمعية (AMDH) يوم 24 يونيو 1979، في ظل تصاعد حملات القمع والاضطهاد وتفاقم أوضاع المعتقلين السياسيين بالخصوص. ولذلك كان اهتمامها بالدرجة الأولى بالحقوق المدنية والسياسية. وساهم في تأسيسها الأحزاب السياسية التي كانت حينذاك محسوبة على المعارضة من بينها الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية. وبعد التطورات التي عرفتها الساحة السياسية، خاصة مع الانتفاضات الشعبية (20 يونيو 1981 ويناير 1984) ودينامية العديد من المناضلين وبعض المستجدات السياسية (أحداث 8 ماي 1983 في صفوف الاتحاد الاشتراكي)، طال التضييق الجمعية حد الاختناق (اعتقال العديد من مناضليها)، وعرفت بالتالي فترة ركود حتى أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
وكانت الفرصة مواتية حينذاك في ظل الفراغ السياسي والنقابي والحقوقي، وتم تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (OMDH) من طرف أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وشخصيات معروفة تدعي "الاستقلالية" (الحياد) في 12 يناير 1989.
ومنذ انعقاد المؤتمر الوطني الثاني للجمعية سنة 1989 انطلق الصراع بين "الغريمين" (الجمعية والمنظمة)، خاصة ومغادرة مجموعة من المعتقلين السياسيين السجن والحضور السياسي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي (الاتحاد الاشتراكي-اللجنة الإدارية سابقا). وكان من بين تداعيات "الحرب الباردة" بين المنظمة والجمعية تحالف/تنسيق هذه الأخيرة مع العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان التابعة لحزب الاستقلال التي تأسست في 11 ماي 1972.
يتضح مما سبق أن "الحرب الباردة" بين الجمعية والمنظمة ليست وليدة المؤتمر 41 للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. إنها في عمقها "حرب" سياسية تحت غطاء حقوقي. ولا يخفى أن المنظمة منذ نشأتها وهي أقرب إلى النظام على غرار عرابيها السياسيين. وكثيرا ما لعبت دور "الإطفائي" كلما تعرض النظام لحملات التنديد بشأن خروقات حقوق الإنسان. وكثيرا ما وقفت في وجه فضح الانتهاكات الجسيمة، خاصة بالمحافل الدولية وإبان تقديم التقارير الموازية (RAPPORTS PERIODIQUES) لدى مجلس حقوق الإنسان بجنيف. وشخصيا، عشت تجربة مريرة مع المنظمة ومنظمات مغربية أخرى بالعاصمة السويسرية كممثل للجمعية فترة تقديم هذه الأخيرة لتقريرها الدوري سنة 2008، تحت "إشراف" الفدرالية. كما عشت فترة احتكاك حاد بعدة عواصم دولية (الجزائر وتونس وعمان وبيروت ومدريد وباريس وجنيف وأثينا) مع المنظمة أيضا في إطار الشبكة الأورومتوسطية (لجنة التربية على حقوق الإنسان). فعندما تفضح الجمعية الصورة القاتمة لحقوق الإنسان بالمغرب (الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، تتفضل المنظمة بإضفاء الكثير من الأصباغ على هذه الصورة لتجعل من الأمر مبالغة وجحودا من طرف الجمعية أمام حالات معزولة وشاذة.
"التنافس" قديم/جديد، والخطير الضرب تحت الحزام من طرف المنظمة رغم تقاسم العضوية بائتلافات محلية وجهوية ودولية (هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان...). وللإشارة، فقد عارضت المنظمة تبني المناظرة توصية "المساءلة" بالنسبة للمتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفق مقاربة "العدالة الانتقالية" على الصعيد الدولي.
وأعتقد أنه لأول مرة تسجل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان انزعاجها علنا من تجاوزات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، حيث نقرأ بفايسبوك رئيس الجمعية "مع الاسف الذي اضاع هاته الفرصة للجمعية (المقصود مقعد بالمكتب الدولي للفدرالية) هي المنظمة المغربية لحقوق الانسان ليس لعدم تصويتها و لكن لحملة التشويش التي خلدتها عن بعد من خلال ما كانت تبعثه للجمعيات خلال المؤتمر لدي الرسالة التي بعثتها و كذلك تسجيلات مسؤولي الجمعيات حول ما كانت تقوم به سياتي الوقت لنشر كل شيء ".
وأمام هذا "الاتهام" الصريح والواضح، ما رأي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان؟ إن سكوت هذه الأخيرة أو عدم ردها يعتبر اعترافا "بالجريمة" وأشياء أخرى..