يناقش بعض النقابيين في قطاع التعليم سؤالا مغلوطا يشيح بالأنظار بعيدا عن الأسئلة النقابية المُلحة والحارقة.
السؤال المغلوط باختصار: لماذا نُكران أو التّنكر للمكتسبات التي انتزعتها النقابات وبالتالي الطعن فيها، أي الطعن في النقابات؟
وهو سؤال موجه أساسا إلى من يعتبرونهم محترفي "نقد" النقابات وإلى من يعتبرونهم أيضا "غائبين" عن ساحة النضال.
أولا، الانتقادات المزعجة والمؤسسة ركزت على فضائح القيادات النقابية البيروقراطية المتواطئة. ولم تدع إلى هجر النقابات أو الإقلاع عن العمل النقابي. لقد ناشدت المناضلين، وما أكثرهم في صفوف النقابات (نحترمهم ونُقدّرهم)، في سياق الحفاظ على كفاحية العمل النقابي، من أجل التصدي للقيادات المتواطئة مع النظام وباقي أعداء العمل النقابي (القوى السياسية المتخاذلة والباطرونا...) وفضح مؤامراتها، بدل التعايش معها والسكوت عن مساوماتها وإفشالها لنضالات الشغيلة واتهام هذه الأخيرة ب"الغياب" واعتماد لعبة "الكرسي الفارغ". إن الانتقادات المزعجة موجهة أيضا ضد "التفريخ" النقابي وضد التشرذم والتمزيق، إنها انتقادات من أجل انتزاع المزيد من المكتسبات بدل التفريط فيها والتنازل عنها بأثمنة بخسة تحت مسميات "الدعم المالي"؛
ثانيا، أصحاب الانتقادات يعرفون جيدا سقف النقابة الإصلاحي. ولا ينتظرون منها انتزاع السلطة أو الوصول إلى الحكم. لأن ذلك من مهام الأحزاب السياسية في معمعان الصراع الطبقي. لا أقصد طبعا أحزابنا، لأنها غير معنية بذلك. فأحزابنا ك"الخمّاس" في ضيعة النظام (معذرة للفلاح الخماس عن هذا التشبيه).
إن النقابة آلية نضالية داعمة للعمل السياسي ومتأثرة به. فكُلما كان العمل السياسي متقدما، كلما كان حضور الفعل النقابي قويا. وقد عشنا ذلك خاصة في السبعينات والثمانينات وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي، أي قبل مرحلة الانبطاح السياسي للقوى السياسية التي كانت محسوبة على المعارضة وتراجع المد النضالي وانحساره؛
ثالثا، إن عدد من ينكر أو يتنكر للمكتسبات المنتزعة قليل جدا. ولا يستدعي الأمر الالتفات إليه أو إلقاء الكرة في مرماه. لأنه غير مؤثر وغير مسموع إلا من طرف من يسعى إلى "جَعْل الحَبّة قُبّة" في صيغة "الهجوم أحسن وسيلة للدفاع". أما من لا يناضل، فعدد كبير منهم اختار "الانزواء" والابتعاد احتجاجا على تخاذل القيادات وعلى الإساءة إلى العمل النقابي الجاد والنظيف. لا نعتبر ذلك حلا، بل نرفضه؛ لذا ندعو إلى مواجهة مرتزقة العمل النقابي وسماسرة المجال من داخل النقابات بدل فسح الطريق أمامهم لجعل النقابات أدوات طيعة لقضاء مصالحهم الضيقة والاستفادة من الريع (التفرغ والسفر بالداخل والخارج وتيسير الانتقالات للحواري والأتباع بمقابل والاتجار في معاناة ودموع "الضحايا"...)، وبالتالي خنق المناضلين النقابيين المخلصين ومحاصرتهم (الإقصاء والتهميش والحصار...)، ثم اتهامهم باحتراف النقد والتشويش من الهامش (العالم الافتراضي)؛
رابعا، المكتسبات انتزعت من طرف عموم الشغيلة التي قدمت من أجل ذلك الغالي والنفيس. ويكفي أن نعود إلى معاناة نساء ورجال التعليم الموقوفين والمطرودين لأسباب سياسية أو نقابية الذين لم يُحسب عليهم توجيه سهام اللوم أو تهم التقاعس للقواعد. كما أن مجموعة من المكتسبات انتُزعت كنتيجة لتضحيات بنات وأبناء شعبنا عبر الانتفاضات والمعارك البطولية. فنضالات نساء ورجال التعليم في أواخر السبعينات مشهودة ولعبت فيها القواعد النقابية أدوارا حاسمة؛ والحديث عن الانتفاضات الشعبية قد لا ينتهي، ومنذ على الأقل سنة 1965؛
خامسا، لابد من النظر الى تعليمات قيادات المركزيات النقابية وتوجيهاتها للقيادات النقابية القطاعية. فالمركزيات لا تقبل أن تسبح النقابات القطاعية عكس تيارها. ولذلك يغيب النقاش الهادف ويتم إجهاض المعارك غير المرغوب فيها. وقد يتم الإطاحة بأي قيادة قطاعية غير منضبطة لأوامر "القيادة العليا" أو غير مستعدة أو غير مقتنعة بتمرير المخططات المدمرة..
عموما، ننتقد ونفضح القيادات النقابية البيروقراطية وندعو المناضلين الى مواصلة التضحيات في إطار الفعل النقابي الكفاحي الذي يخدم الشغيلة وقضية شعبنا وضمنها قضية الطبقة العاملة..