الشمس لا "تخون" البرازيل..
تغرب الشمس هنا، وتشرق هناك..
تشرق هنا، وتغرب هناك..
لا نبخس فوز لولا دا سيلفا عن حزب العمال برئاسة البرازيل، ولا نستهين بالمجهودات التي بُذلت من أجل تحقيق ذلك. ونعتبر هذا الفوز محطة أخرى من محطات الصراع الطبقي في مسار الشعب البرازيلي نحو تحرره وانعتاقه الحقيقيين. ونعتبره أيضا درسا للشعب البرازيلي ولشعوب أمريكا اللاتينية ولكافة الشعوب المضطهدة ومن بينها الشعب المغربي..
ورغم نعوتات العدمية وتشاؤم العقل والإرادة، وباقي التهم المجانية والجاهزة التي ألفنا تطويقنا بها، ومنها تهم الجمود العقائدي وسجن الذات في دهاليز الماضي والرؤية السوداوية واليسراوية التي تتخلل تحليلاتنا وتحكم مواقفنا، أي كوننا لا ننظر سوى للجانب الفارغ من الكأس؛ ورغم التجييش للفرح الزائل وتسييد التقييم الواحد والأحادي؛
رغم كل ذلك، نرفع صوتنا عاليا ونسجل أن الثابت هو تدخل الامبريالية العدواني كلما كانت مصالحها ومصالح حلفائها الرجعية والصهيونية مهددة بالفعل. كما أن عدم تدمير الأرضية الصلبة التي تقف عليها البورجوازية الكبيرة العميلة، أي الهياكل العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن توقع الخلاص من الاستغلال والاضطهاد الطبقيين سواء مع سيلفا أو مع غيره.
وأي حزب "عمالي" لا يتبنى ديكتاتورية البروليتاريا، فإنه لا يخدم الطبقة العاملة ولا يسعى الى إقامة الاشتراكية العلمية..
علما أن السؤال "وماذا فعلتم أنتم غير الانتقاد والمزايدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، صار لازمة "ماكارتية" للترهيب وفرض الأمر الواقع وقتل أي اجتهاد ينفذ إلى صلب الموضوع..
قد لا نضطر إلى تكرار النصوص التي تفند مزاعم دعاة التهليل للتجربة البرازيلية تحت عنوان "فوز اليسار"؛ يكفي استحضار تجارب مماثلة رغم تفاوت الشروط التاريخية. إن فوز دا سيلفا (حزب العمال البرازيلي) لن يوقف استغلال الشعب البرازيلي عموما والطبقة العاملة خصوصا من طرف البورجوازية العميلة للامبريالية. فهل استطاع القيام بذلك خلال الفترتين السابقتين بين 2003 و2010 من رئاسته؟!! هل حال تاريخه وسنه دون اعتقاله بتهمة الفساد خلال عامي 2018 و2019 (قبل أن يصدر حكم المحكمة العليا ببطلان القضية وتأمر بإطلاق سراحه) ؟!! كما بدوره، هل أتى "فوز" نيلسون مانديلا (حزب المؤتمر الوطني)، ومنذ 1994 ("إلغاء" الميز العنصري) بالرفاهية لشعب جنوب افريقيا أو للطبقة العاملة بها؛ فنهب خيرات البلاد، وخاصة المعدنية لا تتوقف حتى الآن من طرف الامبريالية ومؤسساتها وشركاتها "المتعددة الجنسيات". ولا يمكن أن نتجاهل تجربة الشيلي سنة 1973 (فوز البورجوازية الوطنية)، والثورة المضادة التي اغتالت الرئيس الشرعي والديمقراطية (صناديق الاقتراع) سلفادور الليندي (Salvador Allende) بقيادة الجنرال الفاشي بينوشي المدعوم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.. كما أن نسبة 50.9 % تعني أن الفرح بالفوز ولو معنويا لا يعدو كونه تعبيرا عن فرح "طفولي" لن يصمد أمام الإجرام الطبقي الذي لن يغادر مواقع العمال وخندق الكادحين بالبرازيل، بدعم من الامبريالية وعملائها المحليين..
وليس بعيدا في الزمن، ألم ترتفع درجات "الفرح" في صفوف "اليسار" بالمغرب مع تجربتي سيريزا باليونان وبوديموس باسبانيا؟!!
وأُذكّر من ليست له ذاكرة وبحسرة، ألم ترتفع درجات "الفرح" أيضا بالمغرب مع "حكومة التناوب" (الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي) ومع أكذوبة "الإنصاف والمصالحة...؟!!
"لقد جنّ علينا الليل"؛ وترى الواحد منا معانقا "X"، والآخر متشبثا ب"Y" . ورغم ادعاء امتلاك النظرية العلمية والتحليل العلمي، إلا أن ذلك يبقى مجرد وهم. فعندما لا تنطبق نظريتنا مع ممارستنا، نكون أشبه ببغاوات تائهة.. والخطير ليس في كوننا "ببغاوات تائهة"، بل في مساهمتنا في التشويش على النظرية العلمية وفي تكريس واقع الحال المختل لصالح النظام القائم والقوى السياسية الرجعية والإصلاحية.
بدون شك، تختلف تجارب أمريكا اللاتينية كثيرا عن تجاربنا، ومن بينها ما يسمى ب"العدالة الانتقالية" الى جانب طبعا التراكم النضالي لشعوب المنطقة في مواجهة الأنظمة العسكرية الفاشية؛ إلا أنها شكلت دوما دروسا قيمة للمناضلين من أجل تطوير ذواتهم وآليات اشتغالهم.
وفي الأخير، أطرح السؤال التالي ليس تقويضا "للفرح"، بل كشفا للمسكوت عنه:
ماذا يعني تلقي دا سيلفا عن حزب العمال تهنئة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال في بيان له "أوجه تهانيّ إلى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على انتخابه رئيسا للبرازيل في انتخابات حرّة ونزيهة وذات صدقية"، متطلعا إلى العمل معه "لمواصلة التعاون بين بلدينا"؟!!
وماذا عن تهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معتبرا أن انتخاب دا سيلفا رئيسا للبرازيل "يفتح صفحة جديدة في تاريخ هذا البلد"؟!!
إنها رسائل بمضامين وإشارات واضحة..
وعموما، الشمس "لا تخون" البرازيل..