كلمة "كاشّو" بالفرنسية (CACHOT) ليست غريبة عن مسامع المغاربة. فكل من زُجّ به يوما بالسجن، يعرف معنى الكاشو، ودون حتى أن تطأ قدماه أرضيته المرعبة. وحتى من لم يُكتب له دخول السجن (الفرقة الناجية)، لا يجهل معنى كاشو؛ لأن جل العائلات قد اكتوت بنار الاعتقال من خلال أحد أفرادها. وقد سار في مجال النكتة السوداء تشبيه السكن غير اللائق أو حتى ما يسمى بالسكن "الاقتصادي" بالكاشو، لدرجة أنه بات (ببعض المبالغة الطريفة) من لا يعرف معنى الكاشو ليس مغربيا..
كلمة الكاشو تُطلق على زنزانة انفرادية أو مجموعة من الزنازين الانفرادية بمواصفات خاصة، لا تختلف كثيرا عن باقي زنازين السجن. أهم ما يميزها عزلتها عن باقي مرافق السجن (توجد بطوابق أرضية ببعض السجون) وضيقها وعتمتها، حيث الإنارة بها ليلا ونهارا بغاية مراقبة المعتقل وإزعاجه والتأثير السلبي على نفسيته؛ ولا يتمتع المعتقل الذي يقضي عقوبة الكاشو باسم "القانون" أو بدعوى خرقه "القانون" بما يكفي من الغطاء (وأي غطاء!!) واللباس (أحينا لباس خاص، لباس مشوه) والطعام (أي طعام!!)، وحتى الماء لا يستفيد منه المعتقل إلا بمقدار وفي أوقات مزاجية. أما "الفسحة" (الخروج المحسوب الى ساحة/باحة السجن وملامسة أشعة الشمس) فيُحرم منها طيلة فترة العقوبة. وفتحة المرحاض مفتوحة دائما لتترك المجال لعبث الروائح الكريهة والزيارات المفاجئة وغير المرغوب فيها للحشرات ("سراق الزيت"، خاصة) و"الطُّوبّا" (LES RATS). قد تختلف هذه الشروط اللاإنسانية من سجن إلى آخر ومن سجان إلى آخر ومن كون المعني بالعقوبة معتقلا سياسيا أم معتقل "الحق العام" كما تختلف مدتها من حالة الى أخرى، إلا أن الكاشو يبقى عقوبة مُذِلّة تستهدف كرامة المعتقل وكبرياءه، وتهدف الى تركيعه وكسر، بل قتل روح المقاومة لديه. وكثيرا ما غادر بعض المعتقلين الكاشو تاركين عقولهم وراءهم، أي جسدا بدون عقل (فاقدون لصوابهم أو ما يعرف ب"الجنون"). لأن أغلب المعتقلين المُعرّضين لعقوبة الكاشو هم الرافضون، ولو تمردا، للخضوع التام ولشراسة السجان ونزوات الأوصياء على العنابر، بما في ذلك الجنسية، ولوضعية الاعتقال السيئة عموما. علما أن المعتقلين الذين يمارسون أساليب السجان القهرية بغاية فرض أنفسهم على باقي المعتقلين وتدجينهم والاستفادة لأنفسهم ولأسيادهم يُدَعّمون من طرف بعض الحراس أو إدارة السجن أو بعض الوسطاء من خارج السجن (عائلات أو سماسرة...)، أي عندما يؤدي السجين دور/وظيفة السجان..
شخصيا، عشت تجربة الكاشو مرتين بسجن اسفي (مول البركي) سنتي 1984 و1985 ومرة واحدة بسجن مراكش (بولمهارز) سنة 1985. المرة الأولى، عندما تم تنقيلنا من مراكش (المحكومون بسبع سنوات الى خمسة عشر سنة) وفي صباح باكر ونحن مضربين عن الطعام في يوليوز 1984 الى سجن "مول البركي" باسفي. كانت تجربة قاسية، حيث تعرضت عاريا بعد تمزيق ملابسي لحصة تعذيب غنية بالسب والشتم واللكم ولسعات السوط ونُعِتْت حينها من طرف سجانين حاقدين ب"الشمبانزي" (CHIMPANZEE). وقضيت بالكاشو فترة صعبة (الجوع والعطش وملابس السجن الخشنة و"الضَّسْ"، أي الأرض العارية...) قبل تنقيلي الاضطراري الى مستشفى محمد الخامس باسفي رفقة باقي رفاقي المضربين.
وبالنسبة للمرة الثانية سنة 1985، ودائما بسجن "مول البركي"، وبعد استشهاد الرفيقين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري، أُدخلنا الكاشو صباحا و"باحترام"، وأُخرجنا منه مساء "ودائما باحترام" بدعوى تنقيلنا عبر سجن الصويرة الى مراكش لاجتياز الامتحانات (كنت قبل الاعتقال طالبا أستاذا بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، السنة الثالثة، شعبة العلوم الرياضية والفيزياء، وسجلوني وفق رغبتهم/توجيههم، وباسم المعادلة، بالسنة الثالثة شعبة الرياضيات –M3- بكلية العلوم بمراكش).
أما المرة الثالثة، فكانت سنة 1985 بسجن "بولمهارز" (مراكش)، وكنت رفقة المناضلين نور الدين جوهاري ومحمد خشال بنفس الزنزانة؛ وذلك لأن عدد زنازين الكاشو محدودا (كنا سبعة مضربين عن الطعام، جوهاري نورالدين ومحمد خشال وكمال سقيتي SKITI وأحمد جمال البوزياني والحسين باري والطاهر الدريدي وحسن أحراث). ولأن معركتنا تجاوز إشعاعها حدود المغرب، فدعوتنا الى ولوج زنازين الكاشو كانت بسلاسة و"احترام" وباسم تطبيق "القانون" لا غير..
بعد ذلك تم تنقيلنا على دفعتين، (الدريدي وجوهاري وسقيتي) ثم (البوزياني وباري وأحراث)، الى الجناح رقم 17 (قسم الإنعاش الجراحي) بالمركز الاستشفائي ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء، هذا الأخير الذي قضينا ب"زنازينه" حوالي ست سنوات، أي حتى 16 غشت سنة 1991 بالنسبة للرفيق جوهاري وأحراث...
مرحبا بأي سؤال حول ما قد يبدو "اضطرابا" بالنسبة للمعطيات...
وللبوح المر بقية...