محمد عباد واحدٌ من فرسان مجموعة مراكش 1984 (44 معتقلا سياسيا). عرفته عن قرب داخل السجن، خاصة وأن قيد 15 سنة قد أكل من معصمينا معاً ورسم نتوءاته على أجسادنا البضّة..
عباد كان حكيما حقاً، فرغم تباعد رُؤانا السياسية والإيديولوجية وتضارب تقديراتنا للظرفية السياسية إثر انتفاضة يناير الشعبية لنفس السنة، ورغم نقاشاتنا الحادّة والمشحونة داخل السجن، حافظ على مسافة الود/الأمان فيما بيننا..
كان مُنظّراً "صامتاً" بكلية الحقوق بمراكش قبل اعتقاله..
كان الفقيد هادئاً، والهدوء عنوان الحكمة..
كان يمتلك حسّ، بل ذكاء الفكاهة الحميمية والهادفة..
لم يُضرب عن الطعام، لكنه كان يتعاطف معنا نحن المضربين ويسأل عن حالنا باستمرار؛ وكم مرة في فترات توقف إضراباتنا، زوّدنا خلسة بالجبنة (FROMAGE) ونحن وجها لوجه مع بشاعة "البيضانْسي"؛ أي خُبز السجن، ليس الحافي فقط، بل العريان...
أبوح بسرّ، بل شهادة للعموم ولأول مرة في الذكرى 16 لرحيل الفقيد (المنسي، وكم من فقيد منسي...).. سُدّت في وجهي سُبل التواصل مع الخارج، أي خارج سجن اسفي سنة 1985، بسبب تباعد فترات زيارة العائلة إلى السجن ووجود رفاق إضراب 4 يوليوز 1984 بالمستشفى بمراكش وبسجن الصويرة بعد استشهاد رفيقينا بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري، ولم أجد أمامي سوى الفقيدة أم رفيقي الفقيد عباد (الى جانب زوار آخرين) في إحدى الزيارات بسجن اسفي، فتوجّهت إليها طالباً وبخجل "تهريب" بيان/رسالة باسمي إلى مناضلين معينين. ولكم أن تتصوروا ترحيبها بالطلب مُبتسمةً وبثقةٍ عالية في النفس، وهي تعلم تبعات ذلك وأعين الحراس جاحظة..!! ولكم أيضا أن تسألوا أو أن تتساءلوا لماذا هي بالضبط..!!
تعلمون أن تهريب بيان أو رسالة من المعتقل أخطر من تهريب المخدرات.. حصل ذلك بعبقرية بنات وأبناء شعبنا المكافح من داخل تزمامارت ودرب م. الشريف وقلعة مكونة ودهاليز ابن رشد وغير ذلك من المعتقلات السرية الرهيبة..
بالفعل، أدّت الفقيدة رفيقة كل الأمهات والعائلات المُهمّة النضالية بنجاح..
كان بيتها بباب دكالة بمراكش (قرب المحطة الطرقية) مفتوحاً دائما..
إنهن الأمهات المُبهرات، أمهات الشهداء والمعتقلين السياسيين والمناضلين..
إنهن أمهات من ذهب..
إن مجموعة مراكش تختزن الجواهر والدُّرر، لكنها لم ترَ النور بعد..
ومن بين هذه الدرر حكاية مزهرية الرفيق محمد عباد رفقته..
إنها هدية من الفقيد عباد إلى الرفيق كمال سقيتي (SKITI)..
لقد تابع الرفيق كمال إبداع الفقيد منذ الوهلة الأولى حتى الصيغة النهائية، علما أن الفقيد أواخر أيام حياته ورغم المرض وتبعاته المُتعبة، وحتى قبل ذلك، لم يكن يفارق الرفيق كمال وأسرته..
وفي زيارةٍ مؤخراً لمنزل الرفيق كمال قدّم لي المزهرية الذهبية وحكايتها..
معذرة، قدّم لي عباد الذهبي..
صدقاً، الفقيد عباد رفيق من ذهب...