موجز عن مفهوم التقاعد
التقاعد هو ما تبقى من عمر العامل بعد ان عمل لمدة محددة قانونا والأجرة الشهرية التي يتقاضاها العامل المتقاعد. يعد التقاعد أجرا مؤجلا (salaire différé) يدفع للعامل، أي عامل، عند بلوغه سن معين وبعد العمل لسنين يحددها القانون.
بمعنى اخر ان الراتب يتكون من عنصرين أساسين ، الراتب الصافي(salaire net) من جهة والمساهمات الاجتماعية(cotisations sociales) من جهة ثانية، والكل يشكل الأجر او الراتب الإجمالي أو الخام(salaire brut).
يتقاضى العامل الراتب الصافي خلال مدة عمله الى غاية إحالته على التقاعد وبعد ذلك يتقاضى العامل أجره المؤجل (التقاعد pension de retraire) الدي ساهم من أجله لفترة عمله. أي ان الراتب ينقسم الى مرحلتين، راتب فترة النشاط المهني(activité professionnelle) ويسمى الراتب الصافي والراتب المؤجل المسمى تقاعد لفترة مابعد النشاط المهني.
يعتمد نظام التقاعد على أساس التوزيع(système de répartition) عكس نظام الرسملة (système de capitalisation) المعمول به بالدول الاخرى ثم مبدأ التضامن بين الأجيال (solidarité inter-générationnelle).
تمويل التقاعد بإعتباره راتبا
ليتشكل صرف راتب التقاعد على العامل المتقاعد تم تقنين وتنظيم وتكوين صناديق التقاعد ( لن أدخل في تفاصيل نُظُم الصناديق) على أرضية مالية محددة وفق مبادئ قوامها المساهمة والمشاركة المالية ( المساهمات الاجتماعية cotisations sociales) لطرفين اجتماعيين وهما العامل(travailleur) من جهة والباترون(patron) من جهة أخرى.
بلغة أخرى يٌستَقى راتب التقاعد من عين ومصدر إنتاج الثروة، أي من نقطة إلتقاء العمل والرأسمال في إطار منظومة الإنتاج للثروات وليس عن طريق الضريبة(impôt). هكذا يستفيد الجميع بدون استثناء من راتب التقاعد وفق عاملين، السن ومدة العمل مع تحديد الحد الادنى لراتب التقاعد.
التقاعد موضوع صراع طبقي
ما دام الأمر كذلك، أي أن التقاعد هو أجر أو راتب كما الراتب الصافي فإن نظام التقاعد يخضع لصراع اجتماعي بين الرأسمال والعمل المأجور. من جهة يسعى الرأسمال التقليص من قيمة و سومة الراتب الاجمالي او الخام ومن جهة أخرى يسعى العامل للزيادة من قيمة و سومة راتبه الاجمالي، اي بما في ذلك راتبه في فترة التقاعد.
على العموم بدون الدخول في التفاصيل، تنعكس نتائج الصراع بين الباترونا والعمال ليس فقط على التقاعد بل على الحياة الاجتماعية عامة بما في ذلك صناديق الإعانات العائلية، البطالة، الضمان الاجتماعي الخ.
بالنسبة للرأسمالي، عكس العامل، فإنه دوما يعمل على سن قوانين لاستغلال العامل لمدة أطول وبراتب أقل. اما العامل فهو يناضل من اجل مكتسب العمل أقل وقت ممكن وبراتب اعلى. هناك تضاد اجتماعي اخر أعمق بكثير يجمع الرأسمال والراتب أو الاجر حول وسائل ونمط الانتاج لن اتناوله هنا.
ادن يعد موضوع التقاعد موضوع صراع بين تصوريين ورؤيتين سياسيتين. من جهة الحكومة والنظام الفرنسي وأرباب العمل الفرنسيين ومن جهة ثانية النقابات والاحزاب اليسارية والعمال وسائر الفئات الشعبية.
ماكرون وحكومته
في هذا الاطار قدم الرئيس الفرنسي وحكومته، سيرا على خطى أسلافه، مشروعه الرجعي لاصلاح نظام التقاعد تماشيا مع مصالح الاوليغارشية(l’oligarchie) الحاكمة ليس فقط على الصعيد الفرنسي بل الاروبي وحرصت حكومته على اعتماد مساطر دستورية مجحفة تمكنها من سن مشروع « اصلاح » نظام التقاعد رغم النقاشات الحادة المعارضة بغرفتي البرلمان والاضرابات الصاخبة والعارمة والمعارضة الشعبية.
يعتمد الرئيس في مشروعه على توصيات نقابة الرأسماليين بفرنسا (le Medef) والمراكز المالية الاروبية وكذلك توصيات المفوضية الاروبية. والهدف الاسمى الدي يتوخاه ماكرون من مشروعه هو تفويت صناديق التقاعد لزملائه بالخواص وتعويض نظام التوزيع الحالي بنظام الرسملة وما يترتب عليه من فوائد وارباح لفائدة اصحاب رؤوس الاموال.
تمكنت النقابات وعلى رأسها الكونفيدرالية العامة للشغل(CGT) من حشد وتعبئة ملايين العمال في مختلف القطاعات وشاركت اوسع الجماهير الشعبية في التظاهرات التي دعت لها النقابات ولازالت الاضرابات مستمرة وقابلة للتصعيد وكسبت المعركة ضد مشروع الرئيس وحكومته تعاطفا شعبيا واسعا قل نظيره مند مدة طويلة.
النصر للطبقة العاملة الفرنسية.
وكزيز موحى، فرنسا، 10/03/2023