بعدما تناولت مبادئ وأسس الاطار العام المفترض أن يحدد العلاقة الادارية
أنظمة الحماية/الوقاية الاجتماعية
مع تطور الاقتصاد الرأسمالي ، القطاع الصناعي اساسا، في نهاية القرن 19، انتشر الفقر في صفوف البروليتاريا وأصبحت الاخطار الاجتماعية (حوادث الشغل، الامراض بما فيها المهنية، …الخ) تهدد حتى الامن الاقتصادي الرأسمالي نفسه، مما جعل الرأسمال يقبل بالحماية الاجتماعية لكل أفراد المجتمع بالاضافة للاضرابات العمالية انذاك. بالتالي ظهر في البداية الى الوجود نمطين او نظامين للوقاية الاجتماعية :
النظام الالماني سنة 1883 مع بيسمارك (système Bismarkien ou assurantiel) والنظام البريطاني مع بيفيرجيد(système Bevergidien ou assistantiel) سنة 1942وجائت انظمة اخرى مستلهمة او مكملة للنظامين. في هذا الباب تبلور نظام اخر والمعروف بالنظام الفرنسي او نظام المجلس الوطني للمقاومة الفرنسي سنة 1936.
سأعود الى هذه الانظمة وما يميز بعضها على البعض والعواقب والنتائج السياسية والاجتماعية عندما اتناول الشق المالي للوقاية الاجتماعية.
ان الحماية الاجتماعية كمفاهيم وانظمة وقائية هي نتيجة صراع مرير بين العمال والرأسماليين في ظل أجواء تعميم وسيادة الصناعة واستغلال وتفقير الطبقة العاملة وظهور اخطار وأوبئة جديدة تهدد بحياة ملايين البشر.
في البداية كانت الحماية تقوم على اساس التكافل بين الافراد على المستوى العائلي والتضامن الديني. في غياب انظمة وقائية محددة وقائمة بذاتها يقع العبئ المالي والاجتماعي على اصغر وحدة مجتمعية عوض المجتمع ككل الا وهي الاسرة او بعض الافراد باسم التعاضد والتكافل الديني، وهذا حال المجتمعات ماقبل الرأسمالية في اروبا حين كانت مهام ومسؤولية الخدمات الاجتماعية (la compétence et la responsabilité du service public) ملقاة على عاتق الكنيسة كمؤسسة اجتماعية ادارية اقتصادية ودينية، انه الان حال المجتمعات المتخلفة أو الهجينة اقتصاديا اداريا واجتماعيا كما هو حال المغرب.
ظهرت أول شركات التأمين في مجال الحماية الاجتماعية بألمانيا سنة 1883.
تطورت الاوضاع الاقتصادية وشملت الوقاية أربع مجالات إجتماعية الا وهي المرض (la maladie)، الشيخوخة (la vieillesse)، البطالة (le chômage) ثم العائلة (la famille). يعني ان الوقاية لا تقتصر على مجال دون اخر، اي ان الوقاية شاملة. مثلا قطاع المرض، في حال الاصابة بمرض ما يلجأ المصاب الى الطبيب الذي يحدد وصفة العلاج (أدوية، فحوصات، التشريح …الخ). كل مراحل الاصابة او المرض حتى الشفاء تتكفل بها الوقاية الاجتماعية (la sécurité sociale) وليس المريض او المصاب (le malade ou le patient). نفس الشيء بالنسبة للقطاعات الاخرى التي تشكل الوقاية الاجتماعية ( الشيخوخة، البطالة والعائلة).
إذن تعتبر الوقاية الاجتماعية منظومة شاملة ومتكاملة للجميع، أي لكل افراد المجتمع بدون النظر الى اوضاعهم الاجتماعية المهنية او غيرها وتحمي وتقي الفرد على أربع مستويات : الشيخوخة، المرض، البطالة واخيرا العائلة، لا يمكن الحديث عن الوقاية الاجتماعية ان لم تحتوي على هذه القطاعات الاجتماعية وتقي الجميع وكل فرد فرد من افات وعاهات المرض(la maladie) ومن مستحقات ومتطلبات الشيخوخة(la vieillesse ) واعطاب وانعكاسات البطالة(le chômage) ثم من متطلبات الحياة العائلية( la famille).
لاحظوا معي انني لم اتناول بالدرس بعد المقومات المالية للانظمة المختلفة لنظام الوقاية الاجتماعية والنقط الاخرى المرتبطة به وهذا ليس نظرا فقط لمنهجية البحث بل نظرا اولا للطبيعة المعقدة للموضوع.
في الجزء الموالي سأعمل على دراسة الوثائق الرسمية بما في ذلك الكتاب الأبيض لوزارة الصحة ثم الجزء الاهم الا وهو المبادئ الاساسية لتمويل الوقاية الاجتماعية الانعكاسات والنتائج.
يتبع.
فرنسا، 16.08.2023