يوم السبت 16 سبتمبر 2023، بالقرب من بائع متجول، مدياع بصوت مرتفع، اخبار الواحدة زوالا، الاداعة مغربية والصوت على طريقة مصطفى العلوي، لكن بدبدبات رقيقة كأنها تجويد لأخبار مقدسة: "السلطات المغربية تصارع الزمان لانتشال الضحايا وفي امل العثور على ناجين.."
صوت الاداعة بعد مرور اسبوع، بالتمام والكمال، على الكارثة، يواصل اختصاصه في تزييف الحقيقة. في حين من مات في الزلزات مات، ومن الموتى من دفن، ومنهم من يزال تحت الأنقاض، ومن نجوا منهم فيهم من ماتوا بسبب انعدام الإسعافات، ومنهم من يموت جوعا وبردا في الخلاء دون معين.. وهذه الحقيقة هي من تجندت لها "الصحافة" لتزييفها، بالاكاذيب وصرف أنظار الرأي العام للهوامش المفتعلة، لافساد التلاحم والتضامن الشعبي، خوفا من أي عمل يطور هذا الفعل التضامني لمستويات ترهب النظام.
الاعلام الطيع والجبان لم يتحدث عن ما كان على أرض الميدان حيث الناجون هم من أخذوا مبادرة الكفاح لانقاذ من كانوا تحت الانقاض، وانتشال الجثث، والدفن وتخفيف الاحزان،.. وعلى نفس الدرب شق فقراء شعبنا طريقهم الى الاغاثة باطلاق مبادرة الدعم من خلال، قوافل التضامن لفك أزمة الغذاء، الملبس، المبيت، والنفسية،.. ونقل الحقيقة لما كان على الارض، وواقع المنطقة المطموس بوسائل بسيطة وبكل براءة.
وخوفا من تطور الفعل التضامني الذي كان بمبادرة الشعب بعيدا عن الادوات السياسية والجمعوية المتحكم فيها، حرك النظام ابواقه لنشر الأكاذيب، واشهر قانون رقم 27.14 المتعلق بالاتجار بالبشر لتجريم الفعل التضامني وترهيب ناقلي الحقيقة، ولحظر كل المنشورات والرسائل والصور والمحادثات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويفتح المجال لمن أقحمهم في مبادرة التضامن الشعبي، من "المجتمع المدني" الملغم، المصحوب بما يسمون ب"المؤثرين"/المفسدين للحقيقة، على مواقع التواصل الاجتماعية، للتشويه والتشويش، وزرع الأكاذيب.
كانت المهمة العملية للنظام منذ اليوم الاول هي تقديم/صناعة ارقام الضحايا وتعطيل الدعم، وتجنيد بلطجية المآسي، والتخطيط لاستغلال الدمار للمزيد من الإثراء. وبالرغم أن الكثير من الموتى كانوا تحت الأنقاض بالعديد من القرى المنهارة في جبال الاطلس إلا أنه لم يكن وجود لأية سلطة او حماية مدنية او فرق انقاذ هناك..
كان هناك ابناء الشعب الناجين القادمين من المناطق البعيدة، و هم من واصلوا، ويواصلون، إزالة الحطام لانتشال المفقودين. أما فرق الانقاذ التي يتحدث عنها الاعلام الرسمي فهي على الارض حيث القنوات في جاهزية لاخذ الصور وقدفها للرأي العام. وهي حقيقة اسطوانات النظام وفرقه الخاصة، ومؤسساته، التي تعرت، وتبين أنها مجرد بعبع مجمد في الثكنات لا تقو انيابهم، ولا تكشر، سوى في القمع والمجازر في حق أبناء شعبنا العزل.
اما اعلامه الرسمي، فقد تكلف بتزييف الحقيقة، للتستر على الجريمة.
هكذا تم تنفيذ الجريمة.
إنها عملية القتل العمد تحت دريعة انهيار المسالك.
إن انقطاع المسالك البرية مجرد دخان وضباب يحدثه الإعلام المأجور لإخفاء الجريمة، جريمة النظام في التخلي عن الضحايا تحت الانقاض.
وبالمناسبة اتساءل:
هل مسالك كل الجماعات التابعة لاقليم تارودانت، كانت مقطوعة؟!، ماذا يمكن القول عن ما حصل بدواوير الجماعات القروية القريبة من دائرة أولوز مثل جماعة تيسراس وبالاخص بدوار مضيت حيث 14 مفقود، في اليوم الاول، ولم تصلهم حتى سيارة الإسعاف، إلا بعد مرور يومين عن الزلزال بالرغم ان كل المسالك لم تصب بأي ضرر؟!
هل المؤسسة العسكرية لا تتوفر على قواعد المشاة أم انها غير جاهزة؟!
هل المسلك الجوي كان مقطوعا أم صلاحيته محدودة في رحلات لتسجيل افلام استعراضية لقذفها في وجه الرأي العام الدولي؟!
عندما يحتج الشعب على اوضاع العيش القاهرة يعتبر إخلال بالنظام العام ويستدعي النظام على وجه السرعة قوى القمع للتدخل، بينما حين تخلى عن المنكوبين تحت الأنقاض اعتبر عملية فضحه جريمة بسند قانوني.
قبل يوم واحد من الزلزال قال السيد لفتيت، وزير الداخلية المغربي، في افتتاح أشغال المؤتمر العربي التاسع عشر لرؤساء أجهزة الحماية المدنية (الدفاع المدني): "المملكة المغربية منخرطة بكل امكانياتها في مجال تدبير الأزمات والكوارث الطبيعية والتي أضحت صلب اهتمام المسؤولين أثناء بلورة السياسات العمومية الوطنية والتي تمت ترجمتها من خلال اعتماد العديد من الخطط الإستراتيجية في هذا المجال ".
لكن جاءت الكارثة ووضعت تشدق المغرب محط التجريب. وتبين دون جهد في التحليل، أن هناك فارق بين الكلام في المحافل الدولية وبين الواقع.
أتساءل، ومجرد تساؤل، حول واقعة افتراضية: ضعوا مكان المنكوبين الفقراء، سائحا واحدا، او رجل يرتدي زي السادة، او عمامة أمراء الخليج، ركب سيارته وصعد للمتعة بهندسة مساكن الطوب على مرتفعات جبال الاطلس الكبير، تلك الهندسة المحمية بقرار السلطة لبقائها كمناظر تجلب الزوار للمستثمرين الكبار في القطاع السياحي، ووقعت له آفة، كيف ستتصرف الدولة؟! أي طائرات وأي طاقم سيعد على وجه السرعة لإنقاذه، وتحسين صورة النظام أمام المنافسة الدولية على هذا الميدان؟!.. هذا مجرد تساؤل..
إن الكارثة واجهها السكان لوحدهم وهم من تضامن مع بعضهم البعض والمساعدات التي جمعها الشعب المغربي الذي يعيش في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات والفقر والبطالة رغم قلتها لم تصل لأغلب المناطق المتضررة بسبب تدخل النظام لافساد ملحمة التضامن الشعبي، ليعمق جريمة قتل الناجون بالجوع والبرد بعدما تخلى عنهم تحت الحطام.
ومرة أخرى أتساءل: أين صندوق محمد الخامس للتضامن والذي كلما ذكر على المستوى الرسمي يتم التفاخر به لأنه صار مؤسس للخدمة الدائمة، أم أن الامر يعني، فقط، قدرته على تمريغ كرامة الانسان كل سنة بقفة رمضان؟!
وسؤال آخر لما الحكومة بدل أن تعلن رسميا وقوع مناطق محددة تحت الكارثة الطبيعية لتفعيل قانون 110-14 المتعلق بصندوق التعويض عن الكوارث الطبيعية، لأن الزلازل تعدّ من بين المخاطر التي يتم تغطيتها بواسطة "نظام التغطية ضد عواقب الأحداث الكارثية"، من أجل أن يستفيد الضحايا، أحدثت "صندوق خاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية"؟!
هل صندوق الكوارث عاجز على تعويض المتضررين من الزلزال وخصوصا أن التعويض يقدم بعد انجاز ملفات للمتضررين ودراستها من قبل مختصين وهو ما يوفر امكانية التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية وعن الخسائر التي تلحق بالمتضرر في مدة استمرارية مترتبات الضرر.. لأن صندوق الكوارث هو نظام تأمين لمن ليس لهم تأمين من الكوارث، أم أن صندوق الكوارث الذي استنزف جيوب الشعب، منذ زلزال الحسيمة، مختص في حماية أصحاب الأصول الأعظم (أي العائلات الثرية ومصالحها) كما يتبين من خلال المشاريع المدعمة في تجربة هذا الصندوق، والتي امتصت أرقام خيالية يمكن للقارئ العودة إليها للاطلاع على موقع البنك الدولي؟!
إن احداث "صندوق خاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية"، وحرمان الضحايا من الاستفادة من "نظام التغطية ضد عواقب الوقائع الكارثية" والذي يشمل الزلازل، هو دليل على اختياره المزيد من النهب لجيوب الشعب، لجيوب المقهورين، في ظل اشتداد الهجوم على القوت اليومي وارتفاع تكلفة الحياة المعيشية. وفي نفس الوقت ضرب وسطو على حقوق الضحايا في الاستفادة من التأمين الذي يضمنه صندوق الكوارث.
واليوم يحق لشعبنا التساؤل عن مصير ما يدفعونه لهذا الصندوق، اي صندوق الكوارث، وعن الأرقام المهولة التي حصل عليها النظام المغربي من المؤسسات الدولية. وبالمناسبة أشير أن المغرب قد استفاد سنة 2021 من البنك الدولي، لمساعدته على تحمل الآثار المترتبة على الكوارث الطبيعية بقيمة 200 مليون دولار. وفي سنة 2022 حصل على دعم بقيمة 300 مليون دولار من نفس البنك و 350 مليون دولار من الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها، ناهيك عن الدعم المقدم من دول أخرى لنفس الصندوق، مثل السعودية وسويسرا. (انظر موقع البنك الدولي)
إذا هذا هو السؤال، أين أموال الصناديق؟