وسط مجمع القبور لا يوجد تفكير ولا أحلام، ولا تعبير عن آراء، لأنه بكل بساطة لا ينتسب لمجمع المقبورين سوى من توقف دماغه عن الاشتغال لكونه ميت.
ومن يرغبون في منع الكائنات البشرية من التعبير عن أحلامها وأفكارها هم أشبه بمن يعشقون الموتى ويرغبون في تحويل المجتمع لنموذج أشبه بمجمع القبور. انهم اشبه بمرضى النيكروفيليا كما يسميهم علم النفس، أي الحالات المصابة بالميول لعشق الموتى، لأن الموتى وحدهم يمكن إخضاعهم. وهذه حالة ليست غريبة على نظام يقف إلى جانب تحالف أيديه ملطخة بدماء أطفال ونساء الشعب الفلسطيني، والذي تقوده الامبريالية الأمريكية ودميتها في فلسطين المحتلة/عصابة الكيان الصهيوني، قتلة الشعوب.. يتقاسم معهم الإجرام، ويشرع البلاد في وجوههم، ويستقبلهم كأبطال، ومنقذين، كما هو الحال مع استقبال الرئيس الفرنسي بالتزامن مع ذكرى اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة، ويمنع سماع أي صوت مخالف.
وهذه الحالة هي تعبير عن نظام حين يتلمس لحظات احتضاره، فتبرز نزعاته وميوله لاخضاع المادة الحية للجمود كآخر حل لاستمراره في التحكم بمصير المجتمع وفي الوقوف على القمة. بمعنى تحويله للمادة الحية إلى مادة جامدة ميتة يستحيل عليها اسقاطه من الاستمرار في الوقوف فوقها، لتمثيل القولة الشعبية: "معند الميت ما يدير قدام غسالو"..
لم يكتفي النظام في تمييع الثقافة وإشاعة جو معادي لها وتدمير الحياة السياسية والنقابية وتهجين الفضاء الجمعوي، وشراء ضمائر اشباه المثقفين والفنانين ودمجهم في إشاعة التفاهة وتقديمهم كنموذج للنخبة المثقفة الناجحة ودمج العناصر الانتهازية الضيقة الأفق والراغبة في الخلاص الفردي محتفظا لهم على مساحة التحرك والتشدق بالجمل الثورية لتمييع الحياة السياسية، ولحصار النضال الجذري والتفكير الثوري، مطبقا لشريعة الساموراي: "لا تفكر فالتفكير يصنع الجبناء"/الفاشلين، بل مارس ويمارس الحصار بكل الوسائل على الجبهة النقيض فعلا، لاجهاض فرز المضطهدين لاصواتهم الواعية والمثقفة القادرة على منحهم وعيا طبقيا متجانسا بوظيفتهم في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، معتمدا على جهازي القمع المعزز بالمخابرات والقضاء لخنق اي إمكانية للتطور والتقدم. فكل من يخرجون عن اختصاصهم، أو وظيفتهم الضيقة، في الحياة، ويرفضون الاحتفاظ بالأشياء كما هي، ويشعرون بالحاجة الى الافكار، رافضين للتنميط والجمود، ويسعون لآفاق المصالح المشتركة للبشرية، يصنفون على قائمة المزعجين والمطلوبين للخنق (فيروسات حسب ادبيات المخابرات)..
إن إيقاف مجرى الحياة، وتطورات الصراع، ليس مجرد أمر مستحيل فقط، وإنما هو شحنات إضافية تزيد من اشتعال الصراع. وقد تنقلب الحياة انقلابا عكسيا على كل من يهدف لتجميدها، حتى وإن استطاع مؤقتا، اعداء الحرية والتطور، جعل الأيام رتيبة منزوعة من اي سمو روحي.
والآن بعد أن أصبح الارهاب، الشر المطلق، الذي سيج البلد، يتحرك بسرعة، يمطر جمرا علينا فرادى لبعض الوقت حتى نغلي ونلتزم الصمت، صار من الواجب، إن لم نقل من المهام التي لا تقبل التأجيل، إقناع الصغار والكبار بأن الجحيم يعنينا، بان الصمت موت، بأن اخراس الأصوات الحرة هو استكمال مهمات السطو على ما تبقى من حقوقنا، وعلى الطاولة، جدول للاعمال، تحت عنوان "قانون الإضراب"/السطو على الحق في الإضراب.
لا أحد يضع أطفاله في قارب إذا لم تكن المياه أكثر أماناً من اليابسة..
ولا احد يختار الرصيف فراشا والسماءً غطاءً ليواجه تقلبات الفصول ويهجر بيته وأهله لشهور إذا لم يكن التشريد قد أخرجه للشوارع..
وما من أحد يضرم النار في جسده إذا لم يكن الظلم قد لفه من كل الواجهات..
ولا احد يقضي أياما وليالي بين جدران الزنزانة، أو أرصفة الشوارع، يتغدى جسمه على جسمه، إن لم يكن محروما من أبسط حقوقه كإنسان..
وهذه الحقائق جزء من الصورة المختصرة لحياة شعبنا تحت عيون "عدالة" النظام..
وهذه هي الأصوات التي تخنق وتمنع من الكلام..
وهذه هي الأصوات التي تجرم..
وهذه هي الأصوات التي تجر للسجون..
وعلى هذه الأصوات يقدم المناضل والمناضلة الحرية كضريبة للتضحية من اجل شعبنا..
وهذه هي عدالة العصر..
عدالة تشرعن الخنق والطحن والدهس..
عدالة متواطئة مع القتلة، ومع المذابح..
في وجه هذه العدالة رافعت المعتقلة السياسية سميرة قاسمي، يوم 24 أكتوبر 2024، جاعلة من المحاكمة محطة تحدي في وجه محاولة النظام لإخراس صوتها. فحولت الجلسة، برفقة الدفاع المؤازر لها، إلى محطة لابراز واقع عمالي مزري على طول خريطة البلاد وفي المقدمة واقع عاملات وعمال سيكوم/سيكوميك، والدفاع عن معركتهم كمعركة مشروعة ضد التشريد والظلم. وفي نقاشها للتدوينة الخاصة بمضمون البرامج التعليمية افسحت المجال لنفسها ولهيأة الدفاع لمحاكمة سياسة النظام في مجال التعليم والتي تفرخ ظلامية العصر وتنتج الدواعش وأعداء الحرية والتقدم.. لتتحول الجلسة لمحطة إدانة الاجرام في حق عمال وعاملات سيكوم/سيكوميك بعد إثارة الرفيقة لجرائم البلطجية المحمية والمدعومة بالمال وباجهزة النظام القمعية، العلنية والسرية. هاته الممارسة التي تعري زيف كل الشعارات المرفوعة الخاصة ب"دولة الحق والقانون"، و"مغرب الديمقراطية وحقوق الانسان"..
كل التضامن مع عاملات وعمال سيكوم/سيكوميك وعمال المناجم ببوازار،..
كل التضامن مع المعتقل السياسي محمد جلول في معركة الإضراب عن الطعام بسجن طنجة ٢..
كل التضامن مع فروع الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب المفجرة للمعارك النضالية على أرضية ملفاتها المطلبية.
كل التضامن مع معارك الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مختلف المواقع الجامعية.