2025/08/27

م.م.ن.ص// النظام القائم بالمغرب، الواقع يعري تحويل الكوارث إلى "نجاحات" وهمية


في كل مرة يغلي المجتمع بسبب الغلاء والبطالة وانهيار النظام الصحي والتعليمي والإفقار اليومي، يحرك النظام دماه السياسية والنقابية والنخبة البائعة

 والطفيليات المستنبتة المسماة "مؤثرين"، إلى جانب تحريك أرقام المؤسسات الاستعمارية وسرديات صناديق النهب الدولي، كطوق نجاة لإخفاء عريه. وبالموازاة، يحرك ماكينة القمع والسحق لزرع الرعب وإخراس الأصوات الحرة... كل هذا لإعادة إنتاج هيمنته.  
لكن الواقع لا يرحم.  
الواقع الاقتصادي والاجتماعي يؤكد أن المغرب يتذيل ترتيبات دولية عديدة في مجالات التنمية البشرية وجودة الخدمات الأساسية، بينما يتصدر في مؤشرات سلبية خطيرة – كالسياحة الجنسية والمخدرات –.  
والواقع الحي لا يترك مجالًا للتأويل.  

الصحة العامة في انهيار تام: إما أن تدفع أو تموت! وقد صارت مثالًا صارخًا على التخلي عن الواجب الاجتماعي للدولة، حيث تحولت المستشفيات إلى فضاءات للربح التجاري على حساب صحة المواطنين. فيما فُتحت فرص واسعة لمقدمي الخدمات الصحية لدخول طور جديد للمزيد من الاغتناء بمراكمة الثروة، بتحولهم إلى تجار عديمي الرحمة والضمير، يستفيدون من معاناة وآلام الناس.  

السياسات الاقتصادية عنوانها العريض: التفقير. إذ تعمق الفوارق الاجتماعية وتزيد من تدهور القوة الشرائية للمواطنين وتغرقهم في الديون، منتجةً الفقر المدقع إلى حد الجوع وانتشار أمراض الفقر وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، وعم التشاؤم أكثر من أي وقت مضى، مع تضخم يحطم الأسر ويجعلها تتخبط في مصاعب يومية متراكمة. أصبحت الأجور لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، وتحولت إلى مداخيل لتدبير التعاسة لا غير، بينما يتحول العمل إلى شكل من أشكال العبودية الحديثة التي لا تضمن حتى الحد الأدنى من العيش الكريم.  
والسكن صار أشبه بوحش يمص دماء الأسر... والخلاص منه تحول إلى حلم بعيد المنال، حتى بالنسبة للأسر التي تعتمد على دخلين، إذ صارت مكبلة بتكاليف الإيجار والقرض والتعليم والصحة، ناهيك عن تكلفة التكافل الاجتماعي بحكم معاناة فئة المسنين وتوسع شريحة العاطلين عن العمل.  
وبالموازاة، ازدادت وتيرة ارتفاع ظاهرة التشرد والحرمان، خاصة وسط الفئات الهشة والأطفال، مما يدفع بأطفال هذا البلد إلى مستقبل بلا أمل.  

حتى المتطلبات التي كانت حتى الأمس القريب تعد أساسية وبديهية، ضاعت وصارت من الأحلام والتمنيات. إذ يمكن القول: أربعة من كل خمسة مواطنين لا يستطيعون لا السياحة ولا الذهاب إلى المسبح، بل صاروا عاجزين حتى عن السفر لزيارة قريب طريح الفراش أو لإلقاء نظرة أخيرة على أحد الأحبة بعد فراق الحياة... وصارنا نبتدع عرف تقديم العزاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ونكتفي بكلمة ننعي فيها أحبتنا. وتحولت هذه السلوكيات الإنسانية الأساسية إلى كماليات، مما يعكس عمق الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب.  
صحيح أن جل المواطنين صار لهم حساب بنكي، لكن لا توجد مؤسسة تتجرأ على النظر في تلك الحسابات وما تجريه من عمليات مالية شهرية، أو لدراسة ما رافقها من ثقافة محاورها: "المؤشر طالع، كيف نعمل لنزوله؟" و"دمار عارم من غلاء خرب كل شيء"، وكيف حول النظام المجتمع إلى حقل تجارب للتفكك الأسري، وأن الإثراء يلازم لعق أحذية النافذين والولاء والطاعة لمن هم "فوق"... وأن التدرج في سلم الصعود يتطلب مدى قدرتك على المساهمة في تنفيذ هندسة الانهيار والتدمير للمجتمع.  
وكل من ساهم في تنفيذ التوصيات بنجاح، ومرر سياسة الكوارث، يظل حاملًا لأمل الصعود مرة أخرى إلى منصة التتويج في موسم اللعبة السياسية المتجدد، وهو حامل لنفس الأسطوانة: وعود تافهة، كإجراءات بعيدة المدى، وكلمات كبيرة وإعلانات كاذبة، وكأنه يخاطب أناسًا بلا ذاكرة ولا حكمة.  

الحقيقة على الأرض هي أن المجتمع لم يعد مقتنعًا.  

حتى هفوات المندوبية السامية للتخطيط، والمحكومة ببعد أيديولوجي يجعل الأرقام المعلنة تصب في خدمة عملية الحفاظ على النظام (ما كانت تعرف بمؤسسة الحليمي قبل إقالته)، تكشف زيف القصة. والمواطنون يعيشون الكارثة يوميًا، ووسائل التواصل الاجتماعي تدمر أي سردية جديدة في ثوان.  

المغرب الموعود به، أثبت أنه النسخة الأكثر قتامة من نظام الفساد والعمالة لأنظمة النهب العالمي والعبودية القديمة؛ مغرب يسهل نهب الثروات وسرقة الموارد العامة، وينمي اللصوص والخونة تحت غلاف "الحكامة الجيدة"، ويفتح الأبواب أمام التوسع الصهيوني في كل الشرايين.  

بلد يدار بالأكاذيب والمكائد والإفقار القسري. لم يبق شيء في جعبة النظام، من رأسه حتى آخر متملق و"شكام". فقط دليل الخداع المهترئ وحطام مجتمع ينهار.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق