2025/09/30

م.م.ن.ص// رؤية جدلية للصحة العامة (رؤية ثورية بديلة) الجزء الثاني

 إن مبدأ، الإيمان بأن "الرعاية الصحية حق اجتماعي" ليس مجرد شعار إصلاحي، هو النقطة الخلافية الجوهرية التي تفصل بين الرؤية الثورية للصحة وبين المنطق


 السلعي للنظام الرأسمالي، هو منطلق الاستراتيجية النضالية الشاملة التي تضع الوقاية في صلب فهمها، ليس كمجرد إجراء طبي، بل كموقف سياسي مناهض لجوهر الاستغلال. إن الحماية الحقيقية للصحة تتطلب النضال المنسق من أجل إنشاء نظام صحي واحد وعام ومجاني وشامل، يقوم على:

 1. إلغاء الطابع التجاري: بإزالة منطق الربح من مجال الصحة، يصبح الهدف الوحيد هو القيمة الاستعمالية للخدمة الطبية، أي صحة الإنسان. عندها فقط يمكن أن تنشأ وتزدهر مجالات الصحة الحقيقية التي تخدم المجتمع وليس رأس المال، مثل: 

- الصحة العامة: كنظام دفاع جماعي. 

- الصحة والسلامة المهنية: كخط دفاع أول لحماية المنتجين الأساسيين للمجتمع. 

- الصحة المدرسية: كاستثمار في المستقبل.

 2. جعل العلم يشمل تعزيز المراقبة الوبائية الحقيقية التي تكتشف الأزمات قبل تفشيها، وتوجيه الدراسات العلمية لتلبية الاحتياجات الصحية الحقيقية للسكان (مثل أمراض الفقراء والكادحين)، وليس لتطوير أدوية مربحة لأمراض الأغنياء. كما يعني تسخير أحدث البروتوكولات العلمية والتقنيات الطبية وتكنولوجيا المعلومات لجعل أفضل الخدمات متاحة للجميع، وليس حكرا على من يدفع. 

لذا المعركة هي معركة يومية تستحق جهود كل عالم وطبيب وعامل صحي وكل فرد من الشعب، عامل فلاح طالب تلميذ معطل حرفي موظف..،إمرأة، رجل، لأنها معركة من أجل إنسانيته وكرامته. فالتشخيص الحقيقي لا ينفصل عن تشخيص الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تنتج المرض.

 لننظر إلى قضايا الصحة العامة في منطقتنا، من التلوث الذي يخنق المدن الكبرى، إلى تفشي الأمراض في أوساط الكادحين حيث تتكدس الأجساد في بيئات غير صحية، إلى زيادة حالات السرطان في اوساط عمال الضيعات الفلاحية وبعض البوادي وبالقرب من المناطق الصناعية الملوثة، وصولاً إلى عدم الاستعداد لتحصين الشعب من الكوارث الطبيعية التي تصيب الفئات غير المؤمنة بشكل أقسى. هذه ليست مصادفات، بل هي نتائج ممنهجة. فالصحة في ظل الرأسمالية، سلعة فردية وليست ظاهرة اجتماعية. 

ففي جميع دول رأس المال، تؤدي هيمنة معايير الربح إلى تدهور المؤشرات الصحية. والأمر نفسه ينطبق على التعليم، حيث تؤدي خوصصة التعليم من مستواه الابتدائي حتى الجامعي وخوصصة المعاهد العلمية إلى "انقراض" التخصصات الإنسانية والاجتماعية والعلمية الأساسية التي لا تحقق ربحًا فوريًا، على مذبح الربحية.

على الورق، قد نجد تخصصات مثل "الطب الاجتماعي" و "الصحة العامة"، ولكن في الممارسة العملية للنظام، يتم اختزال الصحة إلى ظاهرة فردية، وإلى سلعة تعالج أمراضا فردية بهدف تعظيم الربح. هذا التناقض يفسر لماذا: 
 
اولا: تكتسب التخصصات التي تدر أموالا طائلة (كالجراحات التجميلية، بعض التخصصات الدقيقة) "هيبة" بينما تهمش تخصصات أساسية مثل الطب العام والطب الوقائي، لأنها أقل ربحية، لتعطينا جسما طبيا مشوها.
 ثانيا:  دور الطب المهني العلمي هو المساهمة في منع الإصابات والأمراض المهنية وحماية صحة العامل من التدهور المبكر بسبب ظروف العمل. ولكن في حساب رأس المال، تدابير السلامة هي "تكلفة"، وحماية الصحة هي عائق أمام تعميق الاستغلال وتكثيف العمل. لذلك، لا توجد خدمة وطنية حقيقية للطب المهني، بل خدمات هزيلة وشكلية وإن وجدت تكون بالمقابل وعالية التكلفة. 
ثالثا: : مهمة الطب الاجتماعي مراقبة الحالة الصحية للمجتمع ككل، ورصد التلوث الصناعي، والكشف عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للأمراض. هذا الدور خطير لأنه يكشف عن التفاوتات الهائلة والعلل الهيكلية في النظام الرأسمالي الذي ينتج المرض. 
 
 على هذا الأساس، يتم التعامل مع خدمات الصحة الوقائية والاجتماعية على أنها "تكاليف غير ضرورية" من وجهة نظر الدولة البرجوازية وأصحاب العمل. ولهذا، في الواقع، لا وجود حقيقي لها في نظام الصحة العامة الرأسمالي. 
لذا يعد تحقيق الصحة العامة وبناؤها أمر مستحيل في النظام الرأسمالي. هذه الاستحالة ليست بسبب عجز تقني أو نقص في الموارد، بل هي نتيجة لاختيار هيكلي واعي. النظام الرأسمالي، بمنطقه الجوهري القائم على الربح والتراكم، يختار التضحية بصحة الأغلبية على مذبح أرباح القلة. 
لذلك، فإن المعركة من أجل الصحة الشاملة هي، في نهايتها، معركة من أجل تغيير جذري لهذا النظام نفسه، وبناء نظام اجتماعي تكون فيه صحة الإنسان هي القيمة العليا، وليس ربح حفنة من المحتكرين. 
 
مدونة "مغرب النضال والصمود من أجل بديل جذري": المعبر الحصري عن " تيار البديل الجذري المغربي".
30/09/2025 



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق